يلا نحكي: متطلبات حوار المنظمات الأهلية مع الطبقة الحاكمة
أثار لقاء الرئيس محمود عباس مع عددٍ من مسؤولي المنظمات الأهلية في السابع من الشهر الجاري النقاش والجدل حول جدية الحوار وجدلية العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والسلطة التنفيذية خاصة في الفترة الأخيرة التي أظهرت سلوكا قمعيا غير مسبوق، وأساليب غير معهودة في الحياة الفلسطينية ابتدعتها النظم الشمولية فقط، ووسائل استخدمتها نظم استبداد بائدة، وعبرت عن أزمة الطبقة الحاكمة وتأزم النظام السياسي الفلسطيني ذاته وتكلسه، وعدم قدرته على استيعاب التحولات الاجتماعية والسياسية الداخلية، وضعف الفهم لدور المجتمع المدني ومنظماته ودورها في الدولة وفي المجتمع وعلاقته بالمؤسسات الرسمية وطبيعة عمله وأدواته.
في ظني أن فهم مجالات عمل منظمات المجتمع المدني من السلط الحاكمة بات ضرورة بهدف إدراك القوة الكامنة في هذه المنظمات وفي علاقتها مع الجمهور التي تعد الحصن الأخير للمجتمع المدني في ظل غياب مؤسسات ديمقراطية منتخبة وفقا للقانون وشرعية من وجهة نظر المجتمع. فالمجتمع المدني مجموعة واسعة النطاق من المنظمات عبر الحكومية والمنظمات غير الهادفة للربح تنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو المواطنين لاعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية.
كما يتنامى دور منظمات المجتمع المدني مع ازدياد الحاجة إلى انخراط جهات إضافية في مهام وبرامج التنمية وكذلك في العملية التشريعية ورسم السياسات العامة خاصة في المجالات المختلفة. ويمكن الإشارة إلى ثلاثة أنواع من المجالات التي تعمل فيها منظمات المجتمع المدني؛ (1) توفير الخدمات الأولية والمساعدات الخيرية والانسانية، وهي المهام التقليدية التي دأبت على القيام بها المنظمات غير الحكومية والأهلية منذ عقود والتي تتضمن الجمعيات والهيئات الخيرية والمنظمات غير الحكومية المتخصصة. (2) المساهمة في العملية التنموية من خلال تقوية وتمكين المجتمعات المحلية، وفي هذا المجال لها دور في بناء القدرات وتنمية المهارات والتدريب بمختلف المجالات التنموية كالتخطيط الاستراتيجي وصياغة البرامج التنموية وتنفيذها وتوسيع المشاركة الشعبية فيها. (3) المساهمة في رسم السياسات والخطط العامة على المستويين الوطني والمحلي، من خلال اقتراح البدائل والتفاوض عليها أو التأثير في السياسات العامة لإدراج هذه البدائل فيها، ولتحقيق أهدافه.
ولتحقيق غايات منظمات المجتمع المدني في المجالات الثلاث المذكورة أعلاه تقوم منظمات المجتمع المدني عبر أساليب وأدوات متعددة منها؛ (1) الرصد والمراقبة للاطلاع والحصول على المعلومات لإتاحة الفرصة أمام المجتمع للاطلاع على السياسات التنموية المقترحة وبالتالي الاطلاع على سبل تنفيذها وعلى نتائجها. (2) تطوير الأُطر القانونية ذات الشأن عبر وضع أو نقاش مسودات التشريعات المقترحة أو المدرجة على جدول أعمال السلطات. (3) تقديم البحوث والدراسات والاستشارات والرؤى، وإجراء المسوحات الميدانية وتحليلها. (4) تكوين جماعات الضغط والمناصرة لحشد وتحريك الشارع أو الجهد الشعبي المطلوب لمناصرة القضية المطروحة أو ذات الاهتمام. (5) التثقيف ونشر الوعي. (6) التشبيك بين المؤسسات لخلق رأي عام.
إن أي حوار بين منظمات المجتمع المدني والسلطة الحاكمة يفترض منذ البداية الاتفاق على مبادئ وأسس الحوار وآلياته ومدته الزمنية وآليات تنفيذ المتفق عليه كأسس للحوار، وتوفير ضمانات من قبل السلطة الحاكمة بقبول بمخرجات الحوار قبولا وطنيا غير نابع من ضغط خارجي؛ لتخفيف حدة الاحتقان، ولوقف السقوط نحو السلطوية ومنع انهيار السلم الأهلي.
عرض قادة المنظمات الأهلية الذين اجتمعوا بالرئيس بداية هذا الشهر اهتمامات المجتمع المدني بالشأن العام عبر سبعة مجالات سلمت بوثيقة واحدة للرئيس. لكن لا بد من التأكيد على أن أي حوار بين منظمات المجتمع المدني والحكومة أو المؤسسة الفلسطينية الرسمية لا بد أن يحترم قيم الدولة المتضمنة في وثيقة إعلان الاستقلال، ويلتزم بأسس العقد الاجتماعي للفلسطينيين المرقونة في أحكام القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وتتمثل أجندة أي الحوار جملة من الموضوعات تتمثل بالآتي: (1) ضرورة احترام المؤسسات العامة سيادة القانون في ممارسة الحكم وإدارة الشأن والمال العام. و(2) إجراء الانتخابات العامة "التشريعية والرئاسية" في آجال قريبة تتيح المجال لمشاركة واسعة للمواطنين فيها، و(3) ضمان استقلالية وحيادية الجهاز القضائي وإصلاحه وفق رؤية وطنية متفق عليها، و(4) تبني عقيدة أمنية وفقا للرؤية الوطنية للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، و(5) وضمان العدالة وتكافؤ الفرص في إدارة مؤسسات الدولة والوصول إلى المناصب العليا في النظام السياسي وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص، و(6) تطوير خطاب المؤسسات الإعلامية الرسمية ليعبر عن المواطنين كافة، و(7) مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الأعمال التي كانت وراء الأزمات الأخيرة.