شيخوخة بايدن.. أم شيخوخة أميركا؟!
توقفت مؤخراً أمام مقالين، أحدهما في «واشنطن بوست» للكاتب روبرت كاغان، والثاني في «نيويورك تايمز» للكاتب بريت ستيفنز، والحديث هنا حول مستقبل الولايات المتحدة، وهل تخلصت من فوضى ترامب لتصل إلى قيادة مهزوزة، فخورة لكن تفتقر إلى المرونة في عهد بايدن، وفي المحصلة فإن مستقبل الولايات المتحدة قد يكون غامضاً لكنه على الأغلب سيصل إلى مرحلة الشيخوخة.
الكاتب الأول يتحدث عن احتمالات متزايدة ووقوع عنف جماعي، وانهيار السلطة الفيدرالية، وتقسيم البلاد إلى جيوب وخنادق متحاربة منقسمة بين الجمهوريين والديمقراطيين، في أكبر أزمة سياسية ودستورية منذ الحرب الأهلية، لكن لماذا كل ذلك، يجيب كاغان: السبب بسيط للغاية، فترامب سيعود رئيساً في الانتخابات القادمة عام 2024، رغم الأوهام بأنه بات من الماضي؛ ذلك أنّ الحزب الجمهوري منذ وصل بايدن إلى البيت الأبيض يعمل بكل جهد وتنظيم لعودة ترامب المؤكدة هذه المرة، من خلال إعادة تركيب وتنظيم مسؤولي الانتخابات في كل ولاية من الولايات، واضعاً سيناريوهات للرد على أي اتهامات بالتزوير من قبل بايدن أو المرشح الديمقراطي من ناحية، وتأكيد فوز ترامب من ناحية ثانية من خلال ضمان تصويت مسؤولي الانتخابات في الولايات، ويغرق كاغان في التفاصيل التي يؤكد فيها على تقييمه هذا.
أمّا الكاتب الثاني فيحلل شخصية الرئيس بايدن، فبدلاً من أن يكون رئيساً بحضور واثق ومعتدل، بعد فوضى ترامب، فقد اتضح أنه رئيس عنيد وطموح من غير كفاءة. ويأتي الكاتب على تأكيد ذلك من خلال تعامل بايدن مع المسألة الأفغانية وتداعياتها، ومع أنّ بايدن كما يرى الكاتب يعتقد أنه أذكى بكثير مما هو عليه بالفعل، إلّا أنّ إدارته من الناحية العملية ما هي إلّا رئاسة مغرورة، والأهم أنّ الكاتب يدعو إلى تجنب رئاسة فاشلة أخرى، أي عدم التجديد لبايدن.
المقالان قد يؤشران إلى مدخل إضافي من دون الإغراق في تحليل الواقع الأميركي المعقد، إلّا أنهما يسلطان الضوء على أخطاء ربما تصل إلى درجة الغباء في السياسة التي اتبعتها إدارة بايدن، ونضيف هنا أنّ الأمر يتعلق بمسألتين، الأولى المسألة الأفغانية، والثانية المتعلقة بالتحالف الأميركي البريطاني الأسترالي.
في الحدث الأفغاني، كان بإمكان إدارة بايدن التشاور مع الحلفاء الغربيين الأوروبيين والأطلسيين، باعتبار أميركا الأخ الأكبر الذي يتشاور مع الإخوة الصغار، دون أن يكلف ذلك هذه الإدارة سوى الاستفادة من تماسك المعسكر الغربي حتى إن كان بإمكان بايدن ألا يتحمل مسؤولية الفشل وحدة بل يتحملها كل هؤلاء، وهذه إشارة إلى أن ما توصل إليه ستيفنز بأن بايدن عنيد لا يتمتع بالكفاءة هو تقييم لا يخلو من الدقة.
أما المسألة الثانية تتعلق بالانقلاب الأميركي على الحلفاء الأوروبيين والأطلسيين؛ بالاتفاق من وراء ظهرهم على التحالف مع بريطانيا وأستراليا، وهو ترجمة أنّ المواجهة الأميركية مع الصين في عهد بايدن قد أصابها الهوس، فجعلت الرئيس الأميركي يتخبط في تخطيطه لهذا التحالف، من خلال حربٍ على الجبهة التجارية في ظل التهديد العسكري، ولكن من دون حلفائه التقليديين، فالأمر كما يبدو له يتعلق بالجغرافيا ومواقع الأمن القريبة جغرافياً من الصين دون ارتباط الجغرافيا بالسياسة، وربما أنه لا يعلم أنه في ظل التقنيات بالغة الحداثة، خاصة في المجال العسكري، لم تعد هناك مناطق قريبة أو بعيدة فكل مناطق الصراع باتت متجاورة.
وهناك بعد آخر لتداعيات خطايا السياسة الأميركية في المسألتين السابقتين، إذ إنّ هذه السياسة ستدفع أكثر إلى تقارب معزز بين الصين وروسيا، وربما دول أخرى، في وقت يتصدّع فيه حلف شمال الأطلسي، وتظهر دعوات معززة ومتجددة لاستحداث قوة عسكرية أمنية أوروبية مستقلة، والتخلي عن الأخ الأكبر.
كان الحدث يدور في أحيان كثيرة عن وضع الرئيس بايدن الصحي، وتأثير الشيخوخة والضعف على أدائه البروتوكولي، إلّا أن الأمر كما نعتقد يتعدى هذا البعد. نحن نتحدث عن إخفاقات أساسية وخطايا سياسية، مع أن شيخوخة الرئيس تؤثر بالتأكيد على قراراته، إلّا أن الأمر لا يتعلق هنا فقط بشيخوخته، بل بشيخوخة الولايات المتحدة ذاتها.