دولة فلسطين تحرر إسرائيل من التطرف
عدم قابلية إسرائيل للتعايش مع الدولة الفلسطينية، يعني بأنها تحكم على نفسها بالزوال، ذلك أن منطق الحياة والبشر، فضلاً عن أن العالم كله، والشرق الأوسط، والأهم هو الفلسطينيون الذين يتلاصقون مع الإسرائيليين ويعيشون معهم في نفس المكان، يريدون دولة فلسطينية مستقلة، وحيث يصف نفتالي بينيت وهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الدولة الفلسطينية التي لم تقم بعد، بأنها ستكون دولة إرهابية، فهذا يعني بأنه يفكر بعقلية عنصرية فقط، لا أكثر ولا أقل.
وليس من حق إسرائيل لا كدولة ولا كأفراد، أن ترتب العالم من حولها كما يحلو لها، والإنسان لا يختار جاره، والدول لا تختار جيرانها، ومن لا يعجبه جاره عليه هو أن يرحل، أما إذا فكر في ترحيل جاره، فأنه لا بد أن يلجأ للعنف، أو للطرق والأساليب غير القانونية، وهذا ما تفعله إسرائيل حتى اللحظة، من خلال احتلالها الذي ترفض أن تضع حداً له.
وأكثر من ذلك فإن ما يقوله شخص ما حتى لو كان رئيس حكومة العالم وليس حكومة دولة صغيرة، وبلا تاريخ، وسياساتها مرفوضة ومعزولة من معظم العالم، لا يعني بأن ما يقوله قانون، وإن كان سيعتبره كذلك بالنسبة له، أو لشعبه، فهو ليس كذلك للآخرين، وما يقوله بينيت لا يُلزم أحداً، والدولة الفلسطينية، ستقوم بإرادة شعبها، وليس منّة من إسرائيل، وبقناعة العالم، ارتباطاً بمصلحته في الأمن والسلام، وإسرائيل لو كانت عاقلة، لتصرفت بشكل مختلف، وبدلاً من الاستمرار في معاندة منطق التاريخ، لكانت فكرت بشكل آخر، وهو كيف تخرج بأقل الخسائر، وليس بأكثر الأرباح، ومنذ اللحظة أن تفكر في كيفية وضع حد لاحتلالها أرض دولة فلسطين، ثم المساعدة في إقامة دولة فلسطين حرة وديمقراطية، مدنية ومسالمة، وبما يحقق الحد الأدنى_على الأقل_ للأمن الإسرائيلي نفسه، لا أن تظل تضرب رأسها في الحائط، فتقام دولة فلسطين مفروضة عليها.
على إسرائيل، وفي كل الأحوال أن تتعظ مما حدث في غزة، فهي اضطرت للانسحاب منها، ومن جانب واحد، وهي كانت تعتقد بأن الأمر سيكون كافياً لتحتفظ بالضفة، وأن يكتفي الفلسطينيون بإقامة دولتهم الخاصة بها، وهي لا تدرك بأن جوهر حاجة الفلسطينيين للدولة المستقلة يكمن في رغبتهم بوضع حد لشتاتهم، وفي رغبتهم بالعيش في ظل دولتهم بحرية وكرامة، وفي غزة لم ولا يتحقق هذا الأمر، فأولا ظلت إسرائيل تتحكم بها، وبالعكس تراجعت حرية الفلسطينيين من سكانها، كما أن ضيق مساحتها وشح مواردها لا يكفي لعيش أقل من خمس الفلسطينيين، أي 2 مليون من أصل أكثر من 12 مليون فلسطيني، يرغبون في جمع شمل عائلاتهم وأسرهم في وطنهم، والتحرر أخيراً من جور اللجوء والمنفى.
وهناك تفاصيل أخرى، وإلا لكان الناس قد بدلوا أوطانهم بدول اللجوء، ومنها ذكريات العيش والأملاك الخاصة، والأماكن الدينية، ومن هنا فإن الفلسطينيين حين يقبلون بدولة في 20% من فلسطين التاريخية فإنما يقدمون تنازلاً حاداً، وصعباً للغاية، يرفضه في الحقيقة معظمهم.
وإقامة دولة فلسطين المستقلة، يحرر إسرائيل نفسها من ارث العدوان والاحتلال، وممارسة جرائم الحرب، وتحول قادتها وجيشها وشرطتها ومستوطنيها إلى قتلة ومجرمين، كما أنه يوفر لها أمناً بالمعنى الاستراتيجي، ويجعلها مقبولة لدى شعوب الشرق الأوسط وشعوب العالم، أي يحررها من العار الذي يلازمها كدولة مجرمة بحق الإنسانية، تضطر باستمرار لقتل الناس وشن الحروب، والعيش في حالة فزع دائم، خوفاً من المحيط، الذي إن لم يكن عربياً، فهو إسلامي.
ويمكن لعقلاء في إسرائيل_ إن وجدوا_ إن يراجعوا أنفسهم، ويستعرضوا ما حدث خلال السنوات العشرين الماضية على الأقل، وكيف أن رفض متابعة طريق السلام والحل القائم على أساس دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل، قد عزز من قوة اليمين واليمين المتطرف في مجتمعهم، وكيف أن مظاهر الحياة المدنية قد تراجعت، وكيف تفشت روح ومظاهر العنصرية وحتى الجريمة داخل المجتمع الإسرائيلي، ثم كيف انتهى الحال بوقوع الشلل السياسي، حين تنافس اليمين واليمين المتطرف على رفع وتيرة التطرف، خاصة تجاه الجار الفلسطيني، وكيف أن إسرائيل، وجدت نفسها في موقع متعارض مع كل العالم، رغم كل المظاهر الخادعة التي أحاطت بالتطبيع، خاصة في كيفية معالجة الملف الإيراني، وأنها لم تجد سوى من ينتمون لعهد الحرب الباردة، من ذوي النزعة العنصرية في الولايات المتحدة، وهي أهم حليف دولي لها، ولم يجدوا سوى دونالد ترامب وحاشيته يتفق معهم، وهذا الذي سرعان ما لفظه الشعب الأميركي، نظراً لأن العصر قد تجاوز تلك النزعة التي كان يتحلى بها.
في حقيقة الأمر أن الأمور لا تنفصل عن بعضها، فقبول الجار الفلسطيني، وفق صيغة حسن الجوار، وعبر الانفصال، حتى لا يكون هناك فصل عنصري، يحتاج تقليم أظافر التطرف اليميني الإسرائيلي، وتراجع سطوته الداخلية، ويحتاج التقليل من جوهر إسرائيل كدولة عسكرية، أكثر منها دولة مدنية، كما أنه يحتاج على الجانب الفلسطيني، محاربة الإرهاب والتطرف والتزمت السياسي، والإعلاء من قوة القانون، والاعتدال السياسي، وكما هو معروف بأن القوى اليمينية والمتطرفة سياسياً، كذلك المتزمتة دينياً، لا تنفتح كثيراً على الآخر، لهذا نجد التوافق والتداخل بين المستوطنين المحتلين، سارقي الأرض وقطاع الطرق والمتدينين اليهود، مع اليمين الإسرائيلي المتشدد سياسياً.
وعلى الجانب الفلسطيني، نجد التشدد والرفض، رفض القبول بالحل السياسي الوسط، لدى الفصائل الدينية والقوى والشرائح اليمينية، التي ترسم السياسة على مسطرة الأيديولوجيا.
فعلي الجانبين لا بد من وجود قوى الاعتدال السياسي، مدعومة بالمدنيين، من حاملي راية القانون وحقوق الإنسان، والمقتنعين بمنطق المساواة بين البشر، الرافضين للعنف والتطرف، ملخص القول هو أن تحرير فلسطين وإقامة دولتها المستقلة يحرر إسرائيل نفسها من التطرف والعنصرية، ومن رهاب الخوف والعزلة.