القدس مرة أخرى.. ما الذي فعلناه لحمايتها؟

كتب رئيس التحرير: بخطط وخطوات مدروسة تتعامل دولة الاحتلال الإسرائيلي مع مدينة القدس بكل تفاصيلها، المادية والمعنوية، الثقافية والدينية والوجودية، أما نحن فكل ما نجيد فعله هو ردات الفعل، وليس في كل مرة! هذه خلاصة التعامل الصهيوني والتعامل العربي الإسلامي الفلسطيني مع محور القضية الوجودية للشعب الفلسطيني.

حتى رائحة البهارات في أسواق القدس لو استطاعت إسرائيل محوها من جو المدينة المقدسة لفعلت، فهي تريد لكل ما في القدس أن يتغير، وأن ينطق بالعبرية، لذلك فهي تضخ الملايين والمستوطنين والخطط والدراسات، ونحن نتصدى لكل هذا العمل المنظم بمقابلات تلفزيونية وتصريحات، حتى زيارات المستوى السياسي والرسمي والتنظيمي للقدس والأقصى "اختفت"!

الاستيطان المرعب في القدس لن يختفي ببيان صحفي لفصيل فلسطيني أو لحكومة أو جماعة، وتهويد بيوت المقدسيين لن ينتهي بتهديدات كُتبت للاستهلاك الإعلامي، والتقسيم الزماني والمكاني الذي تسعى إسرائيل لترسيخه لن يفشل دون تحرك على الأرض.

دفع الفلسطينيون ثمن كرامة القدس من دمائهم، لذلك ثبتت وصمدت مدينتهم، ثورات أكلت لحمهم اندلعت نصرة للقدس، لذلك كان المحتل يحسب ألف حساب قبل أن يغير واقع أولى القبلتين، أما الآن، وهو يرى الانبطاح العربي شبه الكامل، والتشرذم الفلسطيني القاتل، والتراخي الرسمي تجاه الأقصى والمدينة المقدسة فلن يتردد أبداً في أن ينفذ خططه التي بدأها في المؤتمر الصهيوني الأول.

غياب التخطيط الفلسطيني جعل ردات الفعل هي من تتحكم بالقرار الوطني، صحيح أن الحرب الأخيرة التي شنتها دولة الاحتلال على غزة كانت بسبب القدس، لكن ما يثبت أن ردات الفعل لا تُثمر على المدى البعيد هو أن شيئاً لم يتغير في الواقع المقدسي قبل الحرب أو بعدها، فإسرائيل ماضية في مخططاتها، ونحن ماضون في تصريحاتنا الإعلامية!

الواقع العربي والإسلامي يكاد يُعلنها ولو خفية وليس جهراً أن القدس مسؤولية الفلسطينيين، لقد تبرأوا منا ولو لم يعلنوا ذلك في الصحف، والواقع الفلسطيني يكاد يُعلنها ولو خفية أيضاً أن القدس مسؤولية المقدسيين أنفسهم! 

لو كان الفلسطينيون بفصائلهم وتنظيماتهم وحكومتهم وقياداتهم مؤمنون أن كل حجر في القدس مسؤولية كل فلسطيني لما كانت وزارة القدس بميزانية مخجلة وبمهمة شكلية، ولما كانت بيوت المقدسيين تضيع وتسقط في يد المستوطنين، ولأسسنا صندوقاً قومياً فلسطينياً "حقيقياً" يقوم بمهمة شراء المنازل الفلسطينية خوف تسريبها من ضعاف النفوس، ولباتت البلدة القديمة محمية ومحصنة من غول الصهيونية والاستيطان، لكننا في قرارة أنفسنا تركنا القدس للمقدسيين!!

 هبة الشيخ جراح التي حُفرت في ذهن العالم وأعاقت بشكل كبير سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل غابت مثيلاتها عن المشهد المقدسي اليوم، فهل سنطلب من أهالي القدس العُزل الذين أبعدهم الاحتلال واعتقل الآلاف منهم أن يكونوا رأس الحربة كما كانوا في قضية الشيخ جراح؟ أين قيادات منظمة التحرير والسلطة الوطنية والوزراء والمحافظين من القدس؟ أين محور المقاومة والذي وعد بردود عنيفة في حال تم المس في المسجد الأقصى؟

الموقف خطير جداً ويتطلب تحركاً شعبياً قوياً وتحركاً سياسياً عابراً للقارات، على الكل أن يتحرك، وأن لا يظل صامتاً (كالعادة)، أو ليعلنها المسلمون جهاراً نهاراً أنهم تبرأوا من أولى القبلتين، فالوقوف على الحياد خيانة!

الأردن صاحب الولاية الدينية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس عليه دور كبير في لجم إسرائيل ودفعها للتقيد بالاتفاقيات الموقعة في وادي عربة أو غيرها.

ولكي تتحول النظرية الفلسطينية إلى واقع عملي، على الجسد الفلسطيني كله أن ينتفض وفق خطط وليس ارتجالاً.