اتفاقات ابراهيم : هل نجحت في تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط ؟
سعت اتفاقات التطبيع والتي يشار اليها باتفاقات ابراهيم الموقعة بين دول عربية واسرائيل برعاية امريكية في آب من العام 2020 الى تحقيق عدد من الأهداف أبرزها :
اختراق اسرائيلي علني للمحيط العربي ، والاعلان عن نهاية عصر الرفض الأيديولوجي لاسرائيل ولجملة اللاءات الشهيرة لا للاعتراف بها ولا للتفاوض معها ولا للسلام، مع النجاح في تجاوز العقبة الفلسطينية (بالنسبة للدول المطبعة ) .
الثاني: تغيير الخريطة الجيواستراتيجية للوضع الاقليمي، وتشكيل جبهة عربية اسرائيلية تقف ضد جبهة ايران وملحقاتها.
الثالث: تحقيق انجازات شخصية لقادة الدول الأطراف على غرار الراحل أنور السادات وجيمي كارتر وتعزيز النفوذ الاقليمي لدولهم باعتبار أنهم صناع سلام .
بعد مضى عام وشهر على الاتفاقات ، لا يمكن إنكار زخم ودفء العلاقات الثقافية والتجارية والتبادل الدبلوماسي بين الدول المعنية ، ناهيك عما أعطته هذه الاتفاقات من دافع للسياحة المتبادلة وللتعاون الأكاديمي والتكنولوجي والرياضي وخلافه. لكن لماذا تبدو قواعد اللعبة السياسية في الشرق الاوسط وكأنها تراوح مكانها دون تغيير ملموس ؟ خاصة بعد أن البعض من الجانب الاسرائيلي أظهر تململاً وعدم رضا عن الثمار السياسية لعملية السلام المنشودة المشار اليها.
أولا: ما يقال عن تأثير الدومينو (هرولة باقي الدول العربية نحو التطبيع مع اسرائيل) إثر الاتفاقات لا يزال مفقوداً . السعودية الدولة ذات الرمزية الدينية الأكبر في العالم العربي والاسلامي لا تزال تحتفظ بموقفها التقليدي من اسرائيل رغم ما يشاع من تطور في العلاقات الخفية بينهما .
ثانياً: لم تفلح حتى اللحظة الاتفاقات في خلق جبهة عربية اسرائيلية موحّدة لكبح نفوذ ايران في المنطقة . لأسباب تتعلق باللاعب الامريكي وعزوفه من جهة عن المواجهة العلنية مع طهران وتفضيله للبقاء من جهة أخرى في اطار دائرة المفاوضات والحل الدبلوماسي وعدم تأجيج الأوضاع. كما أن سياسة الدول المطبعة تجاه ايران وخاصة الامارات والبحرين تحاول الابتعاد قدر الامكان عن تبني سياسة مواجهة مباشرة مع ايران لأسباب جغرافية وتاريخية وحسابات موازين القوى . والحقيقة أن ما فعلته اتفاقات ابراهيم هو تعزيز الشكوك الايرانية إزاء الدول الخليجية المشاطئة لها وزيادة نشاطها العدائي في الخليج العربي ورفع منسوب ديناميكيتها للقوة واستراتيجيتها الدفاعية، فضلا عن فتح آفاق تعاون جديدة بينها وبين روسيا في مجال الأمن السيبراني على غرار الدول المطبعة مع اسرائيل.
ثالثا: على المدى البعيد كان المأمول من هذه الاتفاقات تعزيز النفوذ العربي للدول المطبّعة في الداخل الفلسطيني على حساب الدور المصري والقطري. لكن لأسباب فلسطينية داخلية تتعلق بحسابات طرفي الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وربّما ــــ أيضاً ـــــ عدم رغبة الدول المطبّعة وتفاديها الغوص في تعقيدات المشكلة الفلسطينية، بقي نفوذها في حدوده الدنيا ولم يحقق أية تقدم رغم محاولات الدعم الانساني المستمرة .
رابعاً: وهو الأهم والأشد تأثيراً في قياس قدرة الاتفاقات على تغيير قواعد اللعبة السياسية هو الجانب الأمريكي. فالهدوء الذي طبع الذكرى السنوية للاتفاقات المذكورة دليلاً كافياً على منسوب الاهتمام بها من قبل ادارة بايدن والذي يبدو أنه قليل ويفتقد الدعم والزخم وتوفير الموارد. فرؤية ادارة بايدن لملف السلام في الشرق الأوسط مختلف كليًّا عن الادارة السابقة نتيجة للخبرة الطويلة التي تتمتع بها الادارة الحالية، والتي أعلنت عن موقفها الرسمي (حل الدولتين) دون خطوات عملية. ومن الواضح أنها لا تعقد آمالاً عريضة على تحقيق أي تقدم في الملف الفلسطيني. فهي على يقين أن الطرف القوي اسرائيل غير مستعد لأية تنازلات والطرف الضعيف الفلسطينيين يعاني من مشكلات هيكيلية وإبقاء الوضع على حاله هو أقصى ما تتمناه. واتفاقات ابراهيم / برأي الادارة الحالية/ لن يكون لها صدى مدويًّا الا اذا أحدثت انفراجة في المشكلة الفلسطينية وهو الأمر البعيد .. ومما لاشكّ فيه أن شبحا ترامب ونتنياهو يخيّمان على فحوى الاتفاقات، وهو آخر ما تريد إدارة بايدن الاعتراف به ودعمه، فمنذ توليها الحكم أزالت مصطلح ” اتفاقات ابراهيم” من المراسلات الرسمية وأصبح يشار اليها باتفاقيات التطبيع دون إبداء تفسيرات رغم الخطب الانشائية المكررة بدعم التقارب بين اسرائيل ودول عربية. ويبدو أنه لا مانع لديها في ترك الاتفاقات علامة مخصصة لإدارة ترامب وترك الاحتفال بها حصراً على الجمهوريين الذين يخططون للعودة للبيت الأبيض بعد ثلاث سنوات .