سعيد عياد: وكلّ هذا الشغف
مقالات

سعيد عياد: وكلّ هذا الشغف

كم كان مليئاً بالأفكار والمشاريع يقوده شغف عميق للحياة والأدب!
مبكراً يرحل تاركاً لنا رسم قصص لم يكتبها بعد، أو قصصاً لم تكتمل؛ فقد كنا فعلاً ننتظر تجلي النضج الثقافي والأدبي في مشروع سرديات واعية، مشوقة، عن الناس ولأجلهم، بما ملك من مشاعر ووعي ولغة مدهشة، ارتقت بالإعلام، واستلهمت وضوح اللغة منه.
هل أخذته الكلمة في عالم الصحافة والإعلام من الكلمة في عالم الأدب والفكر!
كل وله دوره، لكن يبدو أن الصحافة والإعلام اختارته، خصوصاً أنه من الصحافيين القلائل الذين درسوا الصحافة أكاديمياً.
- قصص الأدب والقصص الصحافية، ما الجامع بينهما؟
- الإنسان!
ومن عرفه أكثر منا، دوماً تحدث عن إنسانيته. وهي من بقيت.
سمعت به قبل أن نلتقيه، وحين التقينا قلت: هذا فنان، ما له والصحافة؟ يمكن أن يكون نجماً فنياً.
وجهه الجميل، وقامته، وحضوره، واكتمل ذلك الإنسان بمحبته وتواضعه الجميل.
أخذ الراحل نعيم الطوباسي يعدد أسماء أعضاء مجلس النقابة، فوقف الأخ سعيد وقتها مع زملائه في المجلس. إذاً هذا هو سعيد عياد، الأجمل فينا. ليلتها لاحظت كم كان هذا الإنسان مهذباً ورقيقاً، فلم أسال من يومها لم أحبه الكل؟ لم يكن هناك من خيار: فإما أن تحب سعيد عياد أو تحبه أكثر.
نحن اخترنا أن نحبه أكثر..
وكثيرون معي وأكثر.
سيتحدث الكثيرون عن مهنيته العالية في الصحافة والإعلام؛ فنحن إزاء مناضل وإنسان معاً، حيث كانت عضوية مجلس النقابة عملاً نضالياً فعلاً، وقد كان شجاعاً في نشاطه الإعلامي ووطنيا، منحازاً إلى قضيته العادلة ووعيه المهني، خصوصاً أن سعيد عياد جاء إلى أروقة الصحافة من عالمين: الدراسة الأكاديمية والخبرة.
كنا نجده دوماً في الميدان؛ فقد آثر العمل الميداني على العمل المكتبي رغم عمله في مرحلة معينة مديراً عاماً للأخبار في التلفزيون. وبذا فقد شكل مع عدد من الزملاء في الصحافة المسموعة والمرئية والمكتوبة ظاهرة الإعلامي الخبير في الميدان، ولعل ثقافته ولغته كانتا مدخلين للتميز.
ظهرت في لغته الإعلامية اللغة المثقفة الواعية والراقية، لذلك نحن أيضاً إزاء نموذج الإعلامي القارئ، وانعكس كل ذلك على مواده الإعلامية.
كما ظهرت لغته جمالياً وإعلامياً، أي اللغة الجميلة دون تعقيد، القريبة من الناس، وفي الوقت نفسه الارتقاء بالكلمة. والارتقاء هذا المنسجم مع شخصيته، لم تمنع وجود فضاء جريء تميز به، خصوصاً في مقابلاته.
ولعل اللغة الجميلة قد قادته إلى عالم الأدب، حيث يظهر أن الفتى سعيد عياد كان موهوباً وهو طفل، ولعله كان يكتب النصوص الأدبية، وهذا يتفق مع شخصيته، التي جمع فيها الرومانسي الحالم مع الإعلامي المقاتل. لذلك، وجدناه يكمل دراساته العليا مقترباً من عالمه الأول.
كان مقيماً في بيت لحم، لذلك كان تواصلنا محدوداً، لكن مع عالم التواصل الاجتماعي، تبادلنا الرسائل، وقد لفت نظري تأثيره على أجيال متعددة، أكاديمياً معلماً ومدرساً، وزميلاً صحافياً، وكاتباً في مجالات الاهتمام، والتي كان ينحاز فيها للناس والمهنية العالية.
وبشكل يومي تقريباً، رحنا كما الآخرون، نتعرف على فكر دكتور سعيد عياد، وما يؤمن به، وما يثيره من تساؤلات، حيث بات أكثر تحرراً سواء في الكتابة، أو الرأي، كما يليق بكاتب، حيث كان يميل للمهنية في الإعلام، فلم يكن متحيزاً ألا لفلسطين وبيت لحم الحبيبة، التي عشقها سعيد عياد، كما لم يعشق كاتب مدينته.
كنا صديقين افتراضيين، أكثر ما كنا صديقين يتواصلان في الواقع. وما كان دوماً يشجعني على متابعته هو فكره العميق، اجتماعياً وسياسياً، حيث كان صاحب فكر حر فعلاً، ولعل وعيه الاجتماعي هو ما أصّل وعيه السياسي، وأظن أن ذلك، أي حالته الثقافية هذه، هي ما دفعته للذهاب إلى الجامعة، كمكان حرّ فكرياً وثقافياً؛ فاحتضنته جامعة بيت لحم مقدرة خبراته، وما يجمع في شخصيته من علم وأدب وإعلام وإنسانية. والحقيقة أنه كان وفياً لجامعته، بادلها حباً بحب، فلم يبخل عليها، فزاوج الأدب والإعلام، وصار له زملاء وزميلات على الدرب، للارتقاء الثقافي؛ فالإعلام جانب ثقافي رديف لأي فعل إبداعي. كذلك، وهذا مهم، فقد صار له تلاميذ ومريدون/ات، وبذا فقد تميز بتأثيره الإعلامي والأدبي معاً.
ومن أهم بصمات الدكتور سعيد عياد، رئيس دائرة اللغة والإعلام، في جامعة بيت لحم، هي بصمته في الارتقاء بالرواية الفلسطينية، والجائزة التي أسسها واعتنى بها، والتي صارت فعلاً ثقافياً مميزاً، توجت بنشاطات نقدية في عالم الرواية والأدب، حيث تطورت وأحدثت حراكاً أدبياً، واستقطبت لا كتاباً فقط، ينشطون في كتابة الرواية فقط، بل تنشطت أقلام أكاديميين، وكان ذلك جميلاً، وبنينا عليه المزيد من الآمال.
يأتي انسجام الأدب والإعلام في شخصية سعيد عياد، في سياق تاريخ الصحافة العالمية والعربية، والذي يقودنا إلى ملاحظة اعتماد الصحف العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، على مقالات الكتاب، أسوة بنشور ما أطلق عليه بالـ Article، عالمياً؛ فكانت الصحافة هي التي خلقت هذا الشكل الأدبي، ألا وهو المقال، والذي ظل يتبلور اليوم، وغداً، خاصة في تنوع أشكاله ومضامينه، وفقاً لتخصصات الإعلام.
وهنا، ونحن نتذكر الزميل الجميل د. سعيد عياد، وعيوننا على المستقبل، فإننا نطمح إلى ارتقاء الأدب والثقافة بالإعلام، كذلك ارتقاء الإعلام بالأدب والثقافة، وارتقاء كل أولئك بالمجتمع، على مستوى الأفراد والجماعات.
سنكتشف عما قليل عالم سعيد عياد، ما خطه ونشره ولم نطلع عليه، ولعل هناك مخطوطات لم نطلع عليه، والظن أنها تحمل أدبيات جميلة، لربما تحوي كتاباته الأولى، وكتابات لم ينشرها لعله كان يؤجلها، ولربما كتابه "المهمشون" الذي تضمن21 قصة قصيرة، والذي اطلعنا على عدة حلقات منه عكست فكر الكاتب واتجاهاته في الانحياز للناس، ويمكن تلمس ذلك من خلال ما اختاره دكتور سعيد من عنوان واسم لهذه القصص.
إننا أمام كاتب وصحافي، وأديب، وهذا جميل بحد ذاته، حيث حررت لغة الصحافة لغة سعيد عياد من التعقيد التقليدي من ناحية، كما ارتقت ذائقته وثقافته بلغته الإعلامية، كما قلنا من قبل.
اكتمل هذا النضج المعرفي والإنساني والوطني، من خلال الثقافة والإعلام، من منظور انتماء الكاتب لناسه، وتقوية بقائهم، بمختلف الأساليب، وفي مقدمتها الوعي.
ما بقي؟
الكلمة، الجسر، لا التي تصف فقط، لا الكلمة المرآة، حتى وإن كان ذلك ضرورياً وجميلاً، بل بالتي تحدث أمراً، وتصنع تغيراً.. تبدعه، خصوصاً في مراحل التحولات، التي تكشف ما في النفوس.
والكلمة هي الكلمة.. في الأدب والفن، والإعلام، لكن كيف سنصنع تغيراً ونحن في حالة ضيق أفق معرفي وثقافي؟ وهل هناك طريق لاختصار الطريق على الجيل الجديد، ليكتشف كل ذلك في مرحلة مبكرة وهو في عزّ العطاء!
نحن بحاجة لتحرير الجيل الجيد من ثقل الماضي، وثقل الحاضر، تلك هي رسالة دكتور سعيد مراد. تلك هي الرسالة التي عاش بها ولها، والتي أعادته للبشر الذين انطلق من بينهم، وظل وفياً لهم.
لعلي أختم بشيء أتوقعه عن العزيز سعيد عيّاد، وهو أن الدلائل تشير أنه كان منسجماً ما بين الفضاءين الخاص والعام؛ فقد عاش كلماته، مكتفياً بنطقها وبثها على الورق والشاشة.
رحل الجميل، فظل الأجمل.
دوماً والآن وغداً، ليس أمامنا إلا أن نحب سعيد عياد أو نحبه أكثر. نحن اخترنا أن نحبه أكثر.. ونحترمه..كثيراً وأكثر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.