عندما كان للحركة الطلابية وزن وحضور!
كتب رئيس التحرير: تاريخ الحركة الطلابية في فلسطين طويل، وإسهاماتها في الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية كثيرة وتحتاج لمئات وآلاف السطور لتأريخها وكتابتها، أبرزها دورها بعد الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي خلال انتفاضة الأقصى الأولى، والدور الطليعي لها عندما كانت منظمة التحرير وأركانها منفية في الخارج.
كانت الحركة الطلابية في فلسطين ركناً من أركان الثورة بل عمودها الفقري في معظم مراحل الثورة الفلسطينية، كان أبرزها مع انطلاق الثورة عام 1965 حيث تأسس الاتحاد العام لطلبة فلسطين عام 1959 وأصبح لديه حوالي خمسين فرعاً في كل دول العالم، فكانت معظم قيادات الثورة من قيادات اتحاد الطلبة ومعظم قادة الانتفاضة والخلايا العسكرية هم من قيادات مجالس الطلبة، وتصدر الطلاب قيادة الأسرى في السجون الاسرائيلية.
انتخابات مجالس الطلبة كان محورها سياسي بامتياز حيث سيطرت الفصائل الفلسطينية المتقدمة في المواجهة مع الاحتلال قيادة مجالس الطلبة وكان قرار تلك المجالس له وزن ثقيل لدى قيادة منظمة التحرير وكان يؤخذ بقراراتها وتوصياتها وتوجهاتها في القضايا المفصلية.
دور اتحاد الطلبة لم يقتصر على المشاركة في الخلايا المسلحة في دول العالم، بل كان له تأثير سياسي على قرارات الدول التي كانوا يعيشون فيها من خلال التشبيك مع الاتحادات المماثلة لتلك الدول ومع الأحزاب الفاعلة في تلك الدول.
هذا الدور أخذ بالضعف والتشرذم، حتى وصل الأمر إلى تحول الحركة الطلابية إلى مجالس صبيانية، لا يؤخذ برأيها، وليس لها رأي سياسي أو اجتماعي أصلاً، عدا عن غياب الوعي شبه التام بالقضايا المصيرية، وبدل أن تؤثر الحركة الطلابية بالمجتمع نحو الأفضل، باتت انعكاساً لما يجري من مساوئ داخل المجتمع، فبات دورها الأساسي مناطحة إدارات الجامعات لتبيان قوتها فقط!
غياب الحركة الطلابية هو نجاح للاحتلال الإسرائيلي، الذي فرّغ الجامعات الفلسطينية من مضمونها الاجتماعي والسياسي والفكري، ولم تعد منارات لتوجيه الرأي العام والسياسيين، فتجد قرارات الطلبة تعبر عن لا وعي كبير في الوضع الفلسطيني، أو طريقة تحصيل حقوقهم من الناحية الأكاديمية، ويتمثل ذلك باستخدام القوة والعنف وإغلاق أبواب الجامعات بالجنازير الحديدية ومنع إدارة الجامعة والطلبة من الدخول، إضافة لاستخدام القوة والأسلحة البيضاء داخل الجامعات خلال الشجارات، وهذا بعيد كل البعد عن تاريخ الحركة الطلابية.
في بعض الجامعات أيضاً غابت انتخابات مجالس الطلبة لسنوات، لاعتبارات سياسية أو لمحاولة إدارات الجامعات إخماد أي حراك طلابي ضدها.
ما يحدث في الجامعات خطير جداً، بل هو استهداف منظم لمنع عودة الحركة الطلابية لدورها الطليعي، هذا عدا عن التراجع أكاديمياً، بعد التراجع الاجتماعي والسياسي والنضالي بشكل عام.
الحركة الطلابية تعاني لأسباب كثيرة داخلياً وخارجياً، والقائمين عليها من داخل الأحزاب الكبيرة والصغيرة معزولون تماماً عن واقع الطلبة في الجامعات، وعن التراجع الخطير في الدور المنوط بها، هذا إذا كان يعلم القائمون أو المتابعون للحركات الطلابية الدور الحقيقي لها!
بعد كل هذه الصورة السوداوية للحركة الطلابية وواقعها، من المسؤول؟ وما الحل؟ وكيف تعود الحركة الطلابية لسابق عهدها؟
المسؤول كُثر، الأحزاب الفلسطينية، السلطة الفلسطينية بشكل عام، الجامعات، الأسر والبيوت، الطلبة أنفسهم، فالمنظومة كلها مسؤولة عما جرى ويجري، والحل لن يكون فردياً أو حزبياً أو من خلال إدارات الجامعات فقط، بل هو حل جماعي لمحاولة النهوض مجدداً.
ستعود الحركة الطلابية لسابق عهدها باهتمام الأحزاب بتثقيف أعضائها، ومن خلال عودة الجامعات للاهتمام بالفكر على حساب العلامات والمواد النظرية، ومن خلال اهتمام العائلات بشخصيات أبنائهم وعقولهم، ومن خلال بناء الطالب لنفسه، ومطالعته لتاريخ بلده، كذلك سيتغير الحال إذا كان المسؤولون في الأحزاب قدوة لعناصرهم في الحركات الطلابية.
الحل هو بالوعي وزيادته، فالوعي بالواقع يُظهر بشاعته، وسيدفع بالطلبة لمحاولة التغيير، هذا التغيير الذي سيُعيد مجد الحركة الطلابية، سياسياً واجتماعياً.