الخليل وماذا بعد..
مقالات

الخليل وماذا بعد..

جرى اقتتال وحرق ممتلكات ‏وإثارة رعب، فمن هو غير ‏متورط في الاقتتال العائلي ‏خائف على ان تتكرر ‏الظاهرة بين كل عائلة ‏اختلفت او قد تختلف مع ‏عائلة أخرى، ثم ان الترابط ‏العائلي الذي تشتهر به ‏الخليل والذي هو الحامي ‏الأساسي لأهلها من الفتن ‏يتعرض لاهتزاز خطير.‏

اما المدينة الكبرى عاصمة ‏المحافظة الأكبر، وصاحبة ‏الاسهام المميز في الحياة ‏الاقتصادية، وأهلها أصحاب ‏مبادرات نهضتها ورفع نسبة ‏التعليم فيها والذين لم يتخلفوا ‏عن ركب الكفاح قمة ‏وقاعدة، وطنيا وقوميا ‏ودينيا، وانتجت رموزا ‏كبرى حفروا أسماءهم في ‏الذاكرة على نحو لا يزول، ‏وأُعفي نفسي من ذكر نماذج ‏خشية ان أتذكر من أتذكر ‏وأنسى من أنسى.‏

الخليل التي سكنت فيها روح ‏وذكرى “أبو الأنبياء” ‏وتسمت أجيال من البنات ‏والابناء بأسماء ساكني ‏الاضرحة في ذلك المسجد ‏العتيق، والتي كان كل ‏معتنقي الاجتهادات الفكرية ‏والسياسية والعقائدية ‏يتعايشون ويتصاهرون ‏ويحتفلون معا بمناسباتهم ‏السعيدة ويؤدون الواجب ‏حين تكون المناسبات حزينة، ‏والذين حكموا انفسهم ‏بأنفسهم حين تناوبت عليهم ‏وعلى وطنهم سلسلة ‏احتلالات” واستثني الاشقاء ‏العرب مما وصفته ‏بالاحتلالات”.‏

الخليل هذه سادنة الإيجابية ‏في الوئام العشائري وعازلة ‏السلبي منه هي الان تعاني..‏

ويتحسر أهلها على القيم ‏العظيمة المتوارثة التي ‏سادت مجتمعهم وعلاقاتهم، ‏فهم الان قلقون على تلاميذ ‏المدارس من ان لا يعود ولو ‏واحد منهم سالما الى بيته ‏بفعل طلقة طائشة، وخائفون ‏على ابنتهم المتزوجة من ابن ‏احد طرفي الاشتباك، خشية ‏ان يصطف ابنها قبالة اخواله ‏في حرب عصبية نعرف ‏كيف بدأت ولا نعرف متى ‏تنتهي.‏

الخليل المدينة والجبل مليئة ‏بالعقلاء واهل الخير ممن ‏يوصلون الليل بالنهار وهم ‏يعملون لوقف الحرائق ومنع ‏الدماء من ان تراق، واذا ‏كان الوئام الاجتماعي ‏ضرورة في كل وقت الا انه ‏الأكثر ضرورة في هذا ‏الزمن الذي نعيش زمن ‏الاحتلال والاطماع التي لا ‏تتوقف ذلك ان الخليل تنفرد ‏بوضع خاص عن أوضاع ‏كل المدن الفلسطينية، ‏فالاحتلال العسكري ‏والاستيطاني موجود في ‏القلب وعلى الأطراف، ‏يسيطر على الجزء الاعز ‏من المدينة التاريخية، ويعمل ‏على اقتطاعها نهائيا من ‏حاضنة الوطن الازلية، واذا ‏كان العنوان الان ‏H1‎‏ و ‏H2‎‏ ‏فالمآل لو بقي الحال على هذا ‏المنوال فكل المدينة بشكل او ‏بآخر ستكون ‏H2‎‏.‏

الجهد العشائري مشكور حين ‏يعمل لمحاصرة اقتتال بين ‏عائلتين، غير ان امر الخليل ‏صار اكبر بكثير من هذا ‏الجهد على أهميته والحاجة ‏اليه، ففي الخليل ازمة سلطة ‏توجد بكثافة في حالة الهدوء ‏وتختفي تماما في حالة ‏الازمة، تتقاضى ضرائب ‏وجمارك ولديها جيش جرار ‏من الموظفين مدنيين ‏وامنيين، هذا اذا كان من ‏غير اللائق ان نقول ‏عسكريين.‏

وما أن تنشب مشاجرة حتى ‏لو كانت في غاية المحدودية، ‏فلا نرى غير قيامها ‏بمناشدات اهل الخير للتدخل ‏ولم يبقَ الا ان تناشد المجتمع ‏الدولي للقيام بمهامها مثلما ‏تفعل بالسياسة.‏

الخليل نسخة طبق الأصل ‏عن القدس واهل الخليل ‏مقدسيون كما المقدسيون ‏خليليون، تجمعهم فلسطينية ‏ازلية يعيشون في أكناف ‏عاصمة الوطن حيث ‏الأقصى والقيامة وفي ‏عاصمة التاريخ حيث الحرم ‏الابراهيمي وسبحان الذي ‏منح البركة والقداسة ‏للمدينتين… الان ونحن ‏بصدد الخليل تحديدا وما ‏جرى فيها، فإذا كان ذا طابع ‏عشائري ثأري الا انه اختبار ‏مفصلي لوجود سلطة من ‏عدمه، ونتائج هذا الاختبار ‏لا تحددها بيانات الرسميين ‏ولا ادبيات الفصائل ولا ‏طلبات السلطة الرسمية من ‏اهل الخير ان يعملوا ما ‏يتعين عليها ان تعمله هي.‏
اهل الخليل ورجال الخير ‏فيها لن يتأخروا ولن يتوانوا ‏عن أداء واجبهم في ‏محاصرة النار وحقن الدم، ‏غير ان ما يتعين علينا تذكره ‏ونحن في هذا الحال، ان يدا ‏واحدة لا تصفق وما دامت ‏اليد الأخرى غائبة فالحاضر ‏الوحيد الذي يبقى هو القلق ‏والخوف وارتهان المستقبل ‏بفراغ الحاضر.‏

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.