لنخرج من الدائرة المغلقة
على قناة (ناشونال جيوغرافيك) كنت أتابع برنامج "علم البسطاء"، تناولت الحلقة موضوع ميل الناس للسير في دوائر عندما يضيعون في مواقع متنوعة مثل الصحراء والغابات، يقول الباحثون، إن البشر مبرمجون بيولوجيا على ما يبدو للسير حول أنفسهم عند الارتباك، يكون الفشل في النظام الحسي الحركي وراء السلوك المدمر للذات.
يقول معهد "ماكس بلانك" لعلم التحكم البيولوجي: "إن قصص الأشخاص الذين يسيرون في دوائر عندما يضيعون يمكن في الواقع شرحها علميا". "لا يسير البشر في خط مستقيم عندما يغيب عن بصرهم النقاط المرجعية، مثل المباني أو التلال أو الشمس أو القمر." ذلك ناتج عن اضطراب في الجهاز العصبي. عندما يفقد الأشخاص مؤشراتهم الخارجية، وجد الباحثون أنه من الصعب عليهم إعادة ضبط مسارهم والحفاظ على مسارهم لإبقائهم في رحلتهم.
إذاً، تتراكم المعلومات غير الدقيقة في الأعضاء الحسية، ما يؤدي إلى مسار دائري، وهذا ما نجده في حالة مجتمعنا ـــ للأسف ـــ نسير بدوائر متنوعة: دائرة العائلة، دائرة العمل، دائرة مواجهة الاحتلال. بمعنى أصبحنا نسير في دوائر سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، عادات وتقاليد.
حتى بيننا كأفراد أصبحنا نسير في دوائر، لهذا أصبحنا نستخدم عبارة "ما تلف وتدور معي" وكأن حالة التيه والضياع أصبحت حرفة لدى البعض في الهروب من حالة فقدان الهدف أو تنفيذ ما يجب تنفيذه بأكمل وجه، ما يؤدي إلى مراكمة ما يجب أن يتم تنفيذه فيكون المخرج هو اللف والدوران حول الذات الذي سيؤدي إلى التوقف الكامل وبأسرع مما نتخيل.
إن عدم وجود رؤية واضحة، وهدف نجتمع عليه، جعلنا كما نحن عليه، ما جعل مجتمعنا يصاب بأمراض خطيرة وبدأنا نتعايش معها كأنها جزء من حياتنا اليومية، دون إعلاء الصوت، كل في موقعه، بأنه آن الأوان بالتوقف برهة من الزمن من أجل إعادة التفكير في تصحيح المسار وتخطي أي عقبات أو دلالات كانت بالماضي جزءا من المسار الذي أوصلنا إلى هنا.
عامل الوقت ليس في صالح من يسير في دوائر، بل هو القاتل المُتنكر بزي المُخلص بوهمه أن الطريق التي يسير بها هي أفضل الطرق للوصول إلى الهدف المجهول، إذا نحن، الآن، كمجتمع وأفراد بحاجة إلى قرارات كثيرة من أجل تغيير مسار حياتنا وخروجنا من دائرة الفشل أو الضياع التي وقعنا فيها. فاللوم ليس عملية إصدار أحكام فحسب، بل هو قوة محركة.
علينا الخروج من الدوائر التي وضعنا أنفسنها بها، والحل يبدأ أولا بكشف الهدف الحقيقي الذي نريد ان نصل له، وهذا ليس قاصرا على السياسيين، المفكرين، رجال الدين والمثقفين، أو اعتبار الهدف جزءا من الخيال في ظل الإحباطات، بل على العكس كلياً إن الحل يكمن في اتخاذ قرارات حاسمة يتحمل الجميع مسؤولياته حسب منصبه وموقعه، وإلا تصبح حياتنا عبثية وفوضوية كما هي عليه، الآن، أو فارغة بلا أي مضمون كالسير في دوائر مغلقة.
وعلى هذا الأساس، لنستخدم العقل وليس العاطفة، ولا مجال لليد التي ترتعش في الجراحة التي يحتاجها المجتمع! لأن العقل هو الوسيلة المثلى والأولية للوصول إلى الأهداف، وحقيقة القضية الفلسطينية وتبعاتها، وإذا أدركنا ذلك، ستتحول حياتنا من الفراغ إلى القيمة، ومن العبث إلى المعنى، وهو ما يسهم بشكل جذري في الوقاية من مشكلات عديدة أهمها التشاؤم، والشعور بفقدان المعنى والهدف... لنخرج من المتاهة التي وضعنا أنفسنا بها بتحديد الهدف.