الديمقراطية في العالم العربي تحت فوهة البنادق!
كثيرة هي التحديات التي تستهدف آمال الشعوب وتطلعاتهم التي ذهبت جميعها ادراج الرياح، بعد ان تم الانقضاض على ثوراتهم واستهدافها من قبل المتربصين بها، فبنوايا مبطنة و تحت واجهة تصحيح المسار ليس الا ..!
وجدت الأنظمة العسكرية مبرراً للتنكيل بالثورات الوليدة ومصادرة مكتسباتها والتخفي ورائها، سعياً منهم للاستئثار بالسلطة والهيمنة عليها، ففي الوقت الذي تختفي فيه الانظمة العسكرية في العالم الحر نراها تنمو وتزدهر في عالمنا العربي المكلوم الذي ابتلي برجال عسكر لا يرضون سوى بالحكم المطلق بديلاً، والتبعية نهجاً ودرباً اصيلاً، يمارسون هواياتهم المفضله .."الانقلابات" بعروضها الدموية التي تقودها المؤسسة العسكرية ليتشكل على اثرها ما بات يعرف بالدولة العميقة التي يتحكم بها ويديرها غالباً الجنرالات وكبار الضباط لصالح مجموعة معينة هي في حقيقة الأمر الحاكم الحقيقي لتلك الدولة، لتصبح فيما بعد نائبة عن المستعمر ومن يقوم بمقامه، فلربما العسكر وطبائعه ليس بالامر المستجد في المنطقة العربية.
حيث نرى المؤسسات المدنية فيها تنهار، بينما تقوى العسكريه منها والامنية و التي على اثرها تم توريث اجيالاً عديده من الشعوب الفقر والتخلف، مما جعلهم يعيشون على هامش الحضارة الانسانية، بعدما عاشوا ارتجاجاً قوياً تمثل في ثورات الربيع العربي التي كان لنهايتها مفعولاً عكسياً عليهم، بعد ان وقعت تحت قبضة العسكر وبراثنه، ففاقت نتائجها الكارثية وتكلفتها المادية والبشرية ومصادرتها للحقوق والحريات ما كان مرجو منها، وتلك اسباب كانت على الاغلب كفيلة لاشعال حروب اهليه حزبية وطائفية وفتن داخلية، لا يعرف لها سقف زمني او حد، على الرغم مما حملته عاصفة الربيع العربي في بداياتها من بشائر خير في دول عانت لعقود من سوء حال ناجم عن فساد الانظمة الدكتاتورية واستبدادها.
ففي خطوة ليست ببعيده عما يحدث في العالم العربي العائم على بحر من الانقلابات والتي على ما يبدو باتت جزءاً من قدره المحتوم، يواجه السودان اليوم وكمثالاً حياً يرزق، انقلاباً متكامل الاركان والاوصاف هدفه ابقائه في دوامه من عدم الاستقرار على اكثر من صعيد لتدميره معنوياً وجسدياً، بحيث يصبح بلداً غير قادر على حمل لواء التنميه لعقود، فبنوايا مبطنة لفرض واقع جديد، تم مؤخراً اطلاق الرصاصة الاخيرة على الشراكة الهشة في بلد كان من المفترض انه يتجه لتسليم قيادة الفترة الانتقالية للمدنيين ويخشى الآن انه يتجه الى المجهول بعد دخوله دوامة نزاع حول الشرعيات بما من شأنه ان يحول دون اتمام العمليه الانتقالية بعدما توسع الشرخ و ساد جواً من انعدام الثقة، بصوره لم تعد تحتمل الشك بين المكونين العسكري والمدني، سببه الرئيسي هو الإطاحه بالمكون المدني من صدارة المشهد السياسي من قبل العسكر كونهم ووفق منظور الغلبة للاقوى هم من يملكون بفعل قوتهم القدرة على ترجيح كفة الصراع في الاتجاه الذي يرغبون به و يريدونه.
وبوضعهم البلاد على السكه التي تتوافق مع اجندات من يمولهم، حتى وان تعهدوا ظاهرياً بتسليم السلطة الى الجناح المدني المنتخب فهذا ليس بضمانه، فلطالما احتضن العسكر الثورات في بدايتها واعتبر نفسه شريكاً فيها، ثم ما لبث ان انقض عليها، فالامر في حد ذاته لا يعدو كونه ثرثره ووعود في الهواء، وكيف لا وهم اصحاب اليد العليا والكلمة الاولى والاخيرة في كل بلد.
وهذا ما اثبتته مؤخراً الوقائع على الارض، عندما اعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان تعيين نفسه رئيساً لمجلس السياده السوداني بعد انقلابه على الحكم المدني ، وهل كان الجيش ليسلم الحكم حقاً وهو من لم يكن يوماً يؤمن بغير لغة السلاح ثقافة، او حتى من عرفه تسليم الحكم لغير العسكر...؟! وهو الذي من المفترض عليه بل ومن واجبه حماية الحياة السياسية والانتقال الديمقراطي للسلطة وان يعمل كإطفائي بإخماده للحرائق المندلعة في جسد الدوله الواحده ونفوس طوائفها و ساساتها الذين ما فتئوا يذبحون بعضهم البعض من الوريد الى الوريد، حتى بات اليوم بفضل قوته تلك هو العقبه الاكبر ومشكلة المشكلات بحرقه البلد بما فيها ومن فيها و بسيطرته الكامله على مفاصل الدولة، وخصوصاً ثرواتها واقتصادها، على حساب الاستقرار الاجتماعي ومستقبل الديمقراطية فيها والذي بدوره فجر اسئلة استحقت جميعها الرد على من يزعمون بأن للانقلاب اهدافاً اخرى حسنة السيرة والسلوك غير تلك التي خبرناها وعهدناها له، خصوصاً ان العسكر لم يكن يوماً مرحباً بالثورات العربية شأنه في ذلك شأن بعض الدول التي الود ودها الغاء مدنية الدولة التي يحكمها القانون الى تلك التي تحكمها البندقيه.
فعبارة " فتش عن المستفيد بعد الانقلابات" تجعلنا لا نستبعد الخيوط الاقليمية والدولية التي تحضر دائما في المشهد الانقلابي عبر ادوات الداخل وعلى رأسها العسكر، والعين هنا تتجه نحو امريكا ومن خلفها اسرائيل اللواتي لطالما راهنتا على الجيش لحماية مصالحهما في الشرق الاوسط ودعمته مالياً و لوجستياً بمواقفهما الملتبسه حيال هذه الانقلابات، خصوصاً انه لا يمكن لانقلاب ان يتم وينجح اوتكتب له الحياه ما لم يكن مختوماً بختم امريكي، حتى وان بدت ظاهرياً الوقائع على الارض غير ذلك ...؟!
فلربما يرى البعض خصوصاً اولئك الذين يسعون الى شرعنة الانقلابات، انه من الاجحاف عدم الاعتراف بفضل الجيش والعسكر الذي عين نفسه وصياً على البلاد والعباد، خصوصاً في حماية الدول والحفاظ عليها وانقاذها من جحيم لم يكن ليطاق، كان سيتسبب به من محاولة سيطرة الارهابيين والتكفيريين على الحكم امثال داعش ومن يسير على شاكلتها، حيث حاصرت وجوعت ودمرت وما تزال، بل و لربما في ظله كان افضل مما كان بتفانيه، كما يرى هؤلاء في اخراج البلاد من الوضع المزري والظروف الاقتصادية المتردية التي فاقمتها، بالاضافة الى جائحة كورونا وانهيار العملة المحلية مقابل الدولار، الصراع الحزبي على الحكم الذي تسبب بدوره في استنزاف الطاقات والموارد وأفقد الدوله وضعاً طبيعياً للممارسات الحزبية السليمة....؟!
فقد لا يحتاج المرء الى عناء كبير لحسم فيما اذا كانت الانقلابات التي تعم البلاد العربية اليوم هي الخلاص والمنقذ الوحيد كما هو الحال في نظر اولئك الذين يقدمون الجيش على انه الحل، لدول كانت وما زالت تعاني الاستبداد بقدر ما تعاني التخلف الناجم عن التهميش والتفقير، ففي السودان تحديداً الذي عايش ثلاث انقلابات في عام واحد لم يكن ليجلب له الانقلاب يوماً الرخاء بقدر ما عمّق من ازماته وافقره وكبّله بالديون وجلب له الفساد الذي أودى بحياة الآلاف جوعاً وهو البلد القادر على إطعام القارة الافريقية بأكملها، والذي بدوره كان حافزاً لاحداث ثورة شعبية مليونية جعل منها ملهماً وهادياً للشعوب التي كانت وما زالت تئن تحت حكم العسكر وظلمه....!