هرتسوغ يؤجج التطرف الإسرائيلي
رغم التحذيرات الفلسطينية المتعاقبة، أقدم الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ على اقتحام الحرم الإبراهيمي في الخليل، بما يعيد للأذهان حادثتين كانتا سبباً في اندلاع المواجهات الدموية العنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأولى حين اقتحم اريئيل شارون، باحات المسجد الأقصى عام 2000 وكان ذلك سبباً في اندلاع المواجهة التي فتحت الباب أمام عملية السور الواقي، وبالتالي الى اجهاض السير على طريق أوسلو، والثانية، حين اقدم الإرهابي اليهودي باروخ غولدشتاين على ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 والتي أودت بحياة 29 وجرح 150 من المصلين المسلمين العرب الفلسطينيين في الحرم، هذا الذي يقتحمه الرئيس الإسرائيلي بما يعني نكء الجرح والتسبب في إشعال الغضب، وربما العودة الى دائرة العنف المتبادل بين الجانبين بما لا يستوي بما هو عليه الرجل من مكانة وإن كانت معنوية، إلا انها مسؤولة عن تهدئة الأجواء بما يفتح الباب لحسن الجوار، وليس إلى سوئه.
أما لماذا يفعل هرتسوغ هذا، وهو الذي سبق له وأن ترأس حزب العمل متحالفاً مع آخرين، ليشكل ما سمي بالمعسكر الصهيوني، ولكنه فشل في الوصول الى منصب رئيس الوزراء، فبالطبع ليظهر أولاً انه مخلص لتديّنه، وأكثر من ذلك للحوز على بعض الضوء الإعلامي، الذي لم ينل منه شيئاً، حتى وهو يجلس على مقعد المنصب الشرفي، ولأن اقتحام هرتسوغ للحرم الإبراهيمي يذكّر بما سبق وأن قام به شارون، الذي كان حينها نائباً غير مهم في الكنيست، لكن الاقتحام أعاد له البريق ومن ثم فتح الأبواب أمامه ليصل لمنصب رئيس الوزراء، بما يعني بأن طريق التطرف ما هو إلا وصفة شبه مضمونة لوصول السياسيين الطامحين للمناصب الوزارية وحتى لمنصب رئيس الوزراء.
ما يمكن تسميته بسباق التطرف، انما هو ظاهرة في إسرائيل ممتدة، منذ ان قبض اليمين على مقاليد الحكومة، منذ أكثر من عقدين، وإن كان ذلك قد حدث عبر مرحلتين، الأولى، هي إقدام شارون كرئيس للوزراء على تشكيل حكومة «وحدة وطنية» ضمت الى جانب الليكود الذي كان يرأسه حزب العمل، ثم بعد ذلك بسنوات إقدامه على تشكل «كاديما» الذي اعتبره حزباً وسطياً، مع أنه كان يمثل يسار اليمين، أو يمين الوسط، وأدى تشكيله الى تآكل اليسار وحزب العمل، لكنه أبقى على الليكود، الذي قبض على الحكومة في المرحلة الثانية لتتحول إسرائيل بشكل تام نحو اليمين، بحيث صار يتسابق نحو التطرف اليميني ليس أعضاء الليكود وحسب، بل المنشقون عنهم، باتجاه أكثر يمينية، حيث ظهر في هذا السياق كل من أفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت، وايليت شاكيد، وجدعون ساعر.
كثر هم المتطرفون من بين قادة اليمين الإسرائيلي الذين لا يتوقفون عن تأجيج نار الغضب والتوتر، عبر التطاول على المقدسات الإسلامية، الخاصة بالحرم القدسي الشريف أو الحرم الإبراهيمي، وهنا نستذكر إيتمار بن غفير، موشيه فيغلين، والحاخام المتطرف يهودا غليك النائب عن الليكود، لكن ربما يكون الطريق الذي تعبد أمام بينامين نتنياهو، لبيرمان، بينيت وشاكيد، هو ما يعتبر حافزاً أمام المتطرفين اليمينيين لمواصلة هذا الطريق، هذا ما لم يتم وضع حد لكل هذا الاتجاه، الذي لن يؤدي الا الى كوارث للمنطقة عموماً بما في ذلك إسرائيل نفسها.
فرغم جلوس بينيت على مقعد رئيس الحكومة، بشكل مثير، وهو لا يمثل إلا عدداً محدوداً من النواب الذين يمثلون حزبه اليميني في الكنيست، ورغم انه يقود ائتلافاً حكومياً مشكلاً من كتل برلمانية متعددة ومتنوعة، فيما من هم من غير اليمين اكثر ممن هم من اليمين، إلا أنه لم يظهر مواقف تتناسب مع كونه رئيس حكومة، بل واصل إعلان مواقفه التي تمثل حزبه اليميني المتشدد، وكذلك تفعل إيليت شاكيد، العضو الثاني بعد بينيت في الأهمية ضمن قادة حزب اليمين الجديد، خاصة حين يصرحان علنا برفضهما لقيام الدولة الفلسطينية، وحتى لحل الدولتين، كذلك تأيدهما المطلق للاستيطان.
حقيقة الأمر أنه ليس فقط الظروف الإقليمية، الناجمة عن الحروب الداخلية التي اجتاحت الكثير من الدول العربية منذ عقد من السنين مضى، هي السبب في تعثر الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل عدم وجود شريك في عملية السلام على الجانب الإسرائيلي، في ظل هذا السباق المحموم بين القادة الإسرائيليين على إظهار التطرف والتشدد، لكسب ود ناخبيهم، بعد انحياز مركز الثقل داخل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين بشكل واضح، ثم كذلك انشغال الحالة الفلسطينية بالانقسام الداخلي، الذي منعها بالمجمل عن ان تقوم بالضغط على الجانب الإسرائيلي ليصبح قابلا للحل الوسط، كما حدث بعد عام 1987، مع اندلاع الانتفاضة الشعبية، التي كانت احد الأسباب التي ساهمت في وصول اليسار الإسرائيلي للحكم بفارق بسيط ومع شبكة أمان عربية، عام 1992.
اي ان المجتمع الإسرائيلي يبقى بحاجة الى مساعدة خارجية، لإنقاذه من وحل التطرف اليميني، وحتى لا يقع كل العبء على الجانب الفلسطيني الذي بقي وحده يقاتل من اجل السلام والحل السياسي القائم على أساس الشرعية الدولية، والذي هو أيضاً يتعرض لضغط التشدد كرد فعل على التطرف اليميني الإسرائيلي، لابد للمجتمع الدولي من ان ينتبه لهذا الأمر، خاصة وان اليمين الإسرائيلي، في ظل استمرار السماح له بتجاوز استحقاق الانسحاب من ارض دولة فلسطين المحتلة، يتجاوز حدوده للعبث في كل الإقليم، بل ويتجاوز الشرق الأوسط الى أفريقيا وغيرها.
التطرف الإسرائيلي، لا يتجاوز القانون الدولي ولا القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، واحتلاله لأرضها وحسب، بل أنه يدخل أنفه في معالجة الدول العظمى للملف الإيراني، ويذهب بعيدا الى وسط أفريقيا، ويتصرف كما لو كان دولة عظمى، إقليميا على الأقل.
وفق هذا السياق، فإن غض العالم لنظره عن التطرف الإسرائيلي، وعدم وضع حد للاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر القاعدة الأساسية لكل ما هي عليه إسرائيل من خروج على القانون الدولي، او عجز العالم عن ردع هذا الاحتلال ولجم ذلك التطرف الإسرائيلي، سيعني أننا على موعد مع كارثة إقليمية، هي هي تباشيرها، تظهر على شكل حروب في اكثر من موقع، وفي كل منها يشم المتابع رائحة إسرائيل، لذا فمن أجل الجميع، لابد من البدء بحملة تطالب بتطبيق القانون الدولي بكل حذافيره على دولة إسرائيل، من خلال تشكيل جبهة إقليمية ومن ثم دولية لمكافحة التطرف الإسرائيلي.