دخول القضاء في مأزق
سواء كان صحيحا أو غير صحيح ما يقال عن التوقيت الذي صدر فيه قرار المحكمة الدستورية والسرعة التي تم فيها اتخاذ قرارها خلافا للمعهود عنها، وذلك بالغاء الفقرة 3 من المادة 54 من القرار بقانون رقم 41 لسنة 2020 بشان المحاكم الإدارية في الطعن الدستوري رقم 2021/10، فلعل هذا القرار يشكل درسا لمن يعتبر نفسه حجة في القانون يصيغه كيف يشاء ويرفعه للمشرع للتصديق عليه معتقدا انه لا يوجد فقيه غيره على صعيد الفقه والقضاء، وان مداركه وعلمه لا تدركه الابصار والالباب، فهذا القرار يفهم منه بأنه هو المسؤول عن الحالة المزرية التي وصل اليها التقاضي امام المحاكم الفلسطينية، وخاصة الادارية، في ظل هذا النهج والتجاهل لقدرات الغير في النقد والنقض، عند اعداد هذه القوانين، والذين ربما يعلمون اكثر مما يعلم ويفقهون اكثر مما يفقه، فلا ضير لو استعان بخبراتهم وانجز قانونا سليما معافً من اي عوار دستوري، ولو كنت مكان قضاة المحكمة الدستورية لاضفت نص المادة 55 من هذا القانون، المشار اليها ادناه، ليضاف لتعليل ومبررات قرارهم، حيث تحمل هذه المادة في ثناياها كذلك صحة ما ذهبت اليه هذه المحكمة، علاوة على ما ساقته من تبرير وتعليل، اذ ان هذا النص اعتبر ان المحكمة العليا بصفتها محكمة النقض هي محكمة درجة اولى عندما اشترط احالة القضايا المنظورة امامها الى المحكمةالادارية وليس للمحكمة الادارية العليا وهو ما يعني انها لا تتساوى معها في الدرجة وانما تتساوى مع المحكمة الادارية وفقا لصريح هذا النص، وبالتالي، فان مبدا المساواة امام القضاء والقانون يتطلب اخضاع قرارتها للطعن من محكمة اعلى درجة منها بسبب هذه المساواة بين المحكمتين ولا يكفي النص في الفقرة 3 من المادة 54 على ان قراراتها غير قابلة للطعن فيها؛ لان مثل هذا النص مصاب بالعوار الدستوري فلا يجوز باي حال من الاحوال ان تكون قرارات محاكم الدرجة الاولى محصنة من الطعن فيها؛ لان في ذلك اخلال بمبدأ المساواة امام القانون والقضاء، الذي نصت عليه المادة 9 من القانون الاساسي المعدل لسنة 2003، بين من صدر القرار لصالحه والمتضرر منه الذي حرم من حق الطعن فيه امام محكمة اعلى في الدرجة.
ومن المفارقات التي ينبغي الالتفات والانتباه اليها الحالة التي ستنجم عن احالة قضاياها بعد تشكيل المحاكم الادارية وفقا لهذا النص، فسوف تكون الاحكام التي اصدرتها هذه المحكمة قبل يوم من الاحالة غير قابلة للطعن فيها، والاحكام التي ستصدرها المحكمة الادارية في اليوم التالي للاحالة اليها قابلة للطعن فيها!!! وهو خلل قانوني غريب ليس من السهل تجاوزه وتفاديه، لان فيه وأد للعدالة واغتيال لها.
إن السؤال المثير للاستهجان كيف يضع من صاغ هذا القانون المحكمة العليا محكمة النقض في سياق ومصاف محاكم الدرجة الاولى عندما وضع نص الماد 55 وهي محكمة تقف على راس القضاء والمحاكم، وتُنقض وتُلغى امامها الاحكام القضائية؛ لتصبح قراراتها هي محل للالغاء من محكمة هي دونها في الدرجة؛ اليس الاصل هو المحكمة العليا وليست المحكمة الادراية العليا!!!؟؟؟ اي استهتار هذا بالمحاكم وترتيبها ودرجاتها، وبحقوق الناس والمراكز القانونية التي استقرت منذ حوالى اثني عشرة شهرا وربما وصل فيها عدد القضايا المفصولة ألآلاف، وهو ما يجعل من حقوق الناس واستقرار الاحكام القضائية والمراكز القانونية خاضع للنزوات، والخصومات وتصفية الحسابات بين دعاة الاصلاح، التي اضحت لا تخفى على احد، والتي جاء ابو شرار بزعم غير صحيح من اجل تخليص القضاء منها واخراجه من مأزقه بسبب هذه الخصومات المزعومة، فأدخل بدلا من ذلك كل السلطة القضائية في نفق مظلم بالتعديلات والالغاءات للقوانين التي كان معمول بها وثبتت صلاحيتها طوال الفترة السابقة لعهده، او بسبب اصدار تشريعات جديدة متناقضة ومتهاترة لا تصلح لحسن سير مرفق القضاء بدليل التعديلات المتكررة لها خلال فترة وجيزة لم تزد عن اثني عشرة شهرا والتي جاءت في الاغلب والاعم منها لتصفية الحسابات .
أسفي على الجهد المسكوب لثلاثة من قضاة محكمة النقض بصفتها الادارية طيلة سنة من العمل الدؤوب والمتواصل الذين لم يتوانوا في اصدار الاحكام القضائية التي حظيت باحترام وتقدير جل المتقاضين امامهم بسبب توازنها وموضوعيتها وتحقيقها للعدالة، رغم انني على الصعيد الشخصي لا اقر بكل القوانين التي اصدرها ابو شرار خلال عهدته والتي تشكلت بموجب احدها محكمة النقض بصفتها الادارية.
المستشار أسامه الكيلاني
قاضي المحكمة العليا السابق