رحلة عباس المغاربية.. والحلقة المفقودة
مقالات

رحلة عباس المغاربية.. والحلقة المفقودة

لفت نظر المراقبين المستقلين ‏للجديد في الزيارة التي قام ‏بها الرئيس محمود عباس ‏الى الجزائر.. ان معظم ما ‏حدث في هذه الزيارة كان ‏جديدا، من حيث البروتوكول ‏‏.. كانت الترتيبات غير ‏مسبوقة، على كثرة الزيارات ‏الفلسطينية للجزائر، ‏خصوصا في زمن الراحل ‏ياسر عرفات..‏

الرئيس الجزائري على رأس ‏المستقبلين في المطار ، ‏اطلاق واحد وعشرين طلقة ‏مدفعية ذلك مع كل ما يتطلبه ‏الحد الأقصى من بروتوكول ‏استقبال رئيس دولة، والى ‏جانب ذلك تقديم مائة مليون ‏دولار كمنحة لموازنة ‏السلطة فوق الالتزامات ‏الجزائرية المقررة في القمم ‏العربية في وقت تعجز فيه ‏السلطة عن توفير رواتب ‏الموظفين. اما ما هو ليس ‏بجديد فهو اعلان الرئيس ‏الجزائري عن مواصلة الدعم ‏السياسي لفلسطين، مع تركيز ‏على القمة المزمع عقدها في ‏آذار مارس من العام المقبل، ‏حيث تعهد الرئيس الجزائري ‏ان تكون القضية الفلسطينية ‏على رأس جدول اعمالها. ‏وهذه وان كانت لفتة من ‏الدولة المضيفة الا انها ‏ستكون بمثابة اجماع عربي ‏وفق ما درجت عليه القمم ‏العربية جميعا.‏

غير ان ما لفت نظر ‏المراقبين المستقلين اكثر ‏بكثير من كل ما تقدم.. هو ‏توقيت الزيارة، بحيث ‏تزامنت مع ازمة حادة بين ‏الشقيقين اللدودين.. الجزائر ‏والمغرب، والتي وصلت ‏اعلى مستوى من القطيعة ‏والاستنفار والوقوف على ‏السلاح كما لو ان الأمور قد ‏تتطور الى حرب.‏

ابرز الخاسرين جراء أي ‏اختلاف عربي عربي ينتج ‏قطيعة وعداء هي القضية ‏الفلسطينية، وتبدو الخسارة ‏مضاعفة حين يطال ‏الاختلاف المثلث المغاربي ‏الذي كان على الدوام الجدار ‏الاستنادي للحالة الفلسطينية ‏خصوصا حين يقسو المشرق ‏عليها، وما اكثر وافدح ‏قسوته.‏

فمن المشرق خرج ‏الفلسطينيون واعني ثورتهم ‏مطرودين من كل الساحات ‏وكان المثلث المغاربي … ‏الجزائر المغرب تونس، هو ‏التعويض الثمين الذي ‏يحصل الفلسطينيون عليه ‏جراء ما خسروا… ‏

في المغرب قام المغفور له ‏الملك الحسن الثاني بهندسة ‏تحقيق حلم منظمة التحرير ‏لتكون الممثل الشرعي ‏الوحيد للشعب الفلسطيني، ‏ذلك رغم صعوبات كثيرة ‏حدثت في قمة الرباط التي ‏يصر الفلسطينيون على ‏تسميتها بالتاريخية.‏

‏ وفي الجزائر عقد المجلس ‏الوطني التوحيدي الهارب ‏من المشرق، فأنتج دولة ‏المنفى الفلسطينية وكانت ‏الدولة الجزائرية اول من ‏اعترف بها.. اما تونس فقد ‏أقدمت على مجازفة استقبال ‏الخارجين من بيروت ثم ‏طرابلس دون قيد او شرط، ‏وحولت نفسها الى لبنان ‏فلسطيني آخر منه تحققت ‏الكثير من الإنجازات ‏السياسية، اما الجانب الأهم ‏في الامر فقد تجسد في ما ‏قاله محمود درويش عن ‏تونس .. انها الدولة الوحيدة ‏التي لم نخرج منها ‏مطرودين، وكان يقصد دول ‏المشرق وصقيعها الذي لا ‏يحتمل.‏

لو لم تكن هنالك ازمة حادة ‏بين ضلعي المثلث المغاربي ‏الجزائر والمغرب، لكانت ‏المحطة التالية لرحلة الرئيس ‏عباس هي الرباط، وهذا ما ‏ملأ قلوب الفلسطينيين ‏بالمرارة لأن رصيدهم ‏الأساسي يتجسد باجماع ‏الاشقاء في المثلث وغيره ‏على دعمهم وفتح أبواب ‏عواصمهم امامهم بكل الحب ‏والرضا.‏

لو كان ياسر عرفات على ‏قيد الحياة وفي السياسة لا ‏جدوى من كلمة لو، لشق ‏لفلسطين طريقا متعدد المزايا ‏والنتائج هو الوساطة، كان ‏هذا هو طريقه الامن ‏للافلات من محظور تحديد ‏موقف الى جانب طرف دون ‏الاخر في الخلافات العربية ‏الثنائية، وكذلك لإدامة مبدأ ‏ان فلسطين محل اجماع حتى ‏بين المختلفين، وللحقيقة فإن ‏اخوتنا اضلاع المثلث ‏المغاربي الدافىء لا ينشدون ‏انحيازا فلسطينيا بل ولم ‏يطلبونه أصلا، لكن ‏الفلسطينيين ينشدون وئاما ‏عربيا يتجاوز العاطفة ‏الإيجابية التي تملأ قلوب كل ‏المغاربيين والمشرقيين ‏واقصد هنا المجتمعات إزاء ‏فلسطين، وما نرجوه وندعو ‏اليه ان يعود المثلث ‏المغاربي الدافئ تحديدا الى ‏واقعه المنشود ليس فقط من ‏اجل فلسطين وانما من اجل ‏ما هو اكثر اتساعا والحاحا ‏وهو الوئام العربي الشامل ‏الذي يؤمن للأمة حضورا ‏قويا وفعالا في المعادلات ‏الدولية التي لم يعد فيها مكان ‏لغير الكيانات الكبرى ‏المتفاهمة ومتكاملة ‏الإمكانيات، وهذا ما ينقص ‏عالمنا العرب وما يغذي ‏أطماع الاخرين فيه بل وما ينقص ‏الفلسطينيين الذين يحبون ‏ويراهنون على وحدة ‏الاخرين ويعتمدون عليها، ‏اما طبقتهم السياسية فلا تحب ‏وحدتهم وكأني بالجزائر ‏تفكر في دعوتهم لعلها ‏توحدهم!!‏

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.