متى تخرج "حماس" من جلدها؟!
منذ دخولها الشأن العام، وحركة حماس تحرص على أن تقدم نفسها باعتبارها حركة سياسية عقيدية وسطية، وحقيقة الأمر أنها في بعض المواقف، وحتى بالمقارنة مع بعض الحركات السياسية التي تجعل من الدين الإسلامي عقيدة إيديولوجية لها، والتي تشددت وتطرفت إلى حدود بعيدة، تبدو حماس معتدلة أو حركة تنتهج حقا الوسطية السياسية، لكنها في كثير من المواقف، خاصة تلك التي تجمع بين ما هو موروث في حقل الحكم، وما هو موروث في السياسة، لا تظهر لا اعتدالا ولا وسطية تذكر.
وحتى ندخل في الموضوع مباشرة، نقول إن أي محاولة للاقتراب من طبيعة حكم حماس لقطاع غزة، المستمر منذ أكثر من خمسة عشر عاما، تظهر الحركة كنظام حكم مستبد، بل في منتهى الاستبداد والتطرف، وذلك في حقلي السياسة والمجتمع، فنظام حكم حماس يعتبر مجرد وجوده ضارا بل يلحق الضرر البالغ بالقضية الفلسطينية، لما يعنيه من انقسام في الموقف الرسمي الفلسطيني، وفي التمثيل، وكذلك وهذا هو الأهم، في الكفاح من أجل دحر الاحتلال، لا يتوقف ضرره على الموضوع السياسي الوطني العام، بل ألحق الضرر بالمجتمع الفلسطيني، خاصة في غزة التي يحكمها منذ عقد ونصف العقد.
لن ندخل هنا في السجال السياسي النظري، الذي يحتمل المماحكة، لكننا نريد القول إن حماس، قد أظهرت وهي تحكم قطاع غزة إخلاصا بل وانسجاما مع كل متواليات الجماعات الأصولية، من طالبان إلى القاعدة وداعش، فهي تنفرد وحدها في كل ما أرسته من "مؤسسات حكم" وبالأخص الأجهزة الأمنية، وهي تطرفت في كل ما يخص ما تسميه المكتب الحكومي، بما يشمل ذلك القضاء، الذي ما زال عسكريا في إطاره العام، يدير الظهر ليس لمؤسسات دولة فلسطين وحسب، بل لكل ما تناشد به منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية العاملة في القطاع، من التريث في إصدار أحكام الإعدام، على سبيل المثال، ومن التشدد في إطلاق الأحكام ضد المواطنين العاديين، خاصة حين يعترضون على إجراءات حكمها المستبد، أما حين يتعلق الأمر بأمراء الحكم منها، أو ما يتعلق بما يلحقه أداء أجهزتها الأمنية، أو جناحها العسكري من أضرار بحق المواطنين، حين تتسبب تلك الأجهزة بحدوث انفجارات أو ما شابه ذلك، فإنها تهز أكتافها، والأمثلة عديدة تستعصي على الحصر.
وحماس التي تعتبر الديمقراطية مجرد "شورى" وفق ثقافتها، تظهر كنظام حكم ينتمي للعصور الوسطى، وهي التي جاءت للحكم عبر انتخابات عامة، وقد أكدت ما توقعناه يومها، من أنها تشارك في الانتخابات العامة لمرة واحدة فقط، هي تلك المرة التي تصل فيها للحكم، ثم تغلق الباب، أو أنها تعتبر صناديق الاقتراع، مجرد "سلم" تصعد عبره للسلطة ثم تقوم بتحطيمه، حتى تبقى هي جالسة على كرسي الحكم، إلى ما شاء الله، وهذا ما حدث خلال خمسة عشر عاما مرت بالتمام والكمال.
لن ندخل في جدال خلال هذا المقال، حول علاقة استبداد نظام حكم حماس في غزة، بالانقسام، وإن كانت الحقيقة تقول إنها هي التي أقدمت على الانقسام، وما زالت تراهن على استمراره للبقاء أولا في حكم غزة، وثانيا بالطموح للسيطرة على الضفة، ومعها "م ت ف"، ولهذا هي تردد هذه الأيام القول بضرورة إعادة ترتيب "م ت ف" كمدخل لإنهاء الانقسام، وليس بتمكين حكومة السلطة الرسمية من حكم قطاع غزة، وإجراء انتخابات عامة، وفق ما اتفق عليه سابقا من إجراء حزمة انتخابات متتابعة، تشريعية، رئاسية، ومجلس وطني.
لكننا نريد الإشارة إلى ما يخص المواطنين من حقوق عامة مباشرة، لا تصل للمستوى السياسي، أي إجراء الانتخابات البرلمانية العامة، حيث يعني ذلك إنهاء الانقسام أولا وإعادة السلطة للشعب، وإن كان ليس بالضرورة أن يعني خروج حماس من الحكم، لكنه يعني إسقاط حكمها المتفرد والمستبد.
أي أننا نقصد الإشارة والدخول في عدم إقدام حماس على إجراء أي انتخابات من أي نوع في قطاع غزة، منذ سيطرت عليه وحكمته وما زالت تحكمه بالحديد والنار، حيث لم تشهد مدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة طوال تلك الفترة أي انتخابات محلية من أي نوع، كذلك اختفت كل مظاهر الاحتفاء بالانتخابات النقابية والشعبية، بل إن النقابات والاتحادات الشعبية، لا تكاد تظهر أو تفعل ما يدل على وجودها، فيما تم قمع كل حراك شعبي أو شبابي، لمجرد محاولته إظهار الوجع الذي يشعر به الناس.
بالطبع إجراء الانتخابات المحلية، أي انتخاب المجالس البلدية، لا يكرس الانقسام، ولا يمنع الانقسام حدوثه، وإجراء الانتخابات المحلية يجري حتى في ظل الاحتلال، وقد جرت انتخابات محلية في الأرض الفلسطينية المحتلة قبل ظهور السلطة الوطنية، وأسفرت عن فوز شخصيات وقوائم وطنية بالضد من إرادة ورغبة الاحتلال، وتجري الانتخابات المحلية في البلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وعادة ما تعتبر الانتخابات المحلية "مصنعا" أو مطبخا لصنع القادة المحليين، وتخطيط البرامج السياسية الوطنية.
وها هي تجري بشكل دوري إلى حدود كبيرة في الضفة الغربية، الجناح الآخر من الوطن، حيث لا يمنع الانقسام من ذلك، لكن حماس تمنع إجراءها في قطاع غزة، وبالنظر إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات في مرحلتها الأولى التي جرت يوم السبت الماضي، قد وصلت إلى ثلثي الناخبين، أو 66% بما يعني أن الشعب الفلسطيني تواق جدا لممارسة حقوقه الطبيعية، وأن حماس ما زالت تهز أكتافها لرغبة الشعب ولحقه في ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية.
في مؤتمره الصحافي أوضح الدكتور حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية أن الانتخابات المحلية في مرحلتها الأولى شملت 154 لجنة، إضافة إلى 162 فازت قوائمها بالتزكية، وأن نسبة الزيادة في عدد الناخبين قد بلغت 13% عن الانتخابات السابقة، بما يعني أنها كانت ناجحة جدا بكل المقاييس، وهذا أمر يظهر إلى أي مدى هي السلطة الوطنية نزيهة في هذا الأمر.
ما زال الأمل يحدو الدكتور ناصر بأن يتم تجاوز الإحباط الذي رافق المرحلة الأولى المتمثل بعدم مشاركة قطاع غزة، وذلك من خلال موافقة حماس على إجرائها عبر المرحلة الثانية، التي ستُجرى في السادس والعشرين من آذار المقبل، وحيث إننا لا نتوقع أن توافق حماس من تلقاء نفسها على ذلك، فإننا ندعو إلى إطلاق حراك شعبي يطالب بإجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، يجبر حماس على تغيير جلدها وطبيعتها الاستبدادية في الحكم، وإن كان في محطة واحدة، هي محطة الانتخابات المحلية.