الانتخابات المحلية حماس خسرت.. وفتح لم تكسب
مقالات

الانتخابات المحلية حماس خسرت.. وفتح لم تكسب

ذات لقاء اقترحت على الرئيس محمود ‏عباس، بوصفه القائد الأعلى لفتح، ان ‏يجنب الانتخابات المحلية محظور ‏التنافس بين القوى السياسية، خصوصا ‏حين تقرر حركة حماس مقاطعتها، ‏ولكي اسوّق اقتراحي أظهرت ‏المحتوى الإيجابي له بأن يترك ‏للمواطنين المستفيدين من خدمات ‏المجالس المحلية حق الاختيار الحر ‏لمن يوصلونه الى قيادة المجالس، ‏وبالتأكيد فإن اعتماد صيغة كهذه ‏ستكون نتائجها افضل بكثير من ما ‏تفرزه الانتخابات الممهورة بأختام ‏وشعارات الفصائل.‏

لم يؤخذ باقتراحي ليس كما قدر ‏البعض انه مثالي، ولكن لأن حمى ‏التنافس بين القوى السياسية “الفصائل” ‏بلغ حد الإدمان، فصارت أي انتخابات ‏على أي مستوى مجرد مناسبة لاظهار ‏التفوق في النفوذ، فإن لم يكن حقيقيا ‏فيمكن تكييفه وادعاءه بما يلائم مصالح ‏المتنافسين.‏

جرى في هذه الآونة تكييف الانتخابات ‏على مقاس التنافس على النفوذ، وكانت ‏النتيجة ان حماس خسرت ليس في ‏الصناديق، وانما في صدقية ما تسوقه ‏من حرص على الديموقراطية الوطنية ‏عبر مواصلة تبني الانتخابات العامة، ‏فالمقاطعة عادة لا تترك اثرا طيبا في ‏نفوس الناس الذين لا يحبون ‏الانتخابات الانتقائية بمعني ” كما نريد ‏والا فلا”.‏

اما فتح فقد خسرت في الصناديق حين ‏فازت القوائم المستقلة بنسبة اعلى مما ‏حصلت عليه الحركة الكبرى، المتهمة ‏بأنها ما تبنت الانتخابات المحلية الا ‏لتفادي الانتخابات العامة، وبتفصيل ‏اكثر فان القوائم الكثيرة التي فازت ‏بالتزكية وان كانت تضم عددا من ‏مناصري فتح الا انها لا توفر للحركة ‏صدقية تبني فوزها كانجاز لها، وهنا ‏يظهر توافق سلبي بامتياز بين حماس ‏وفتح على الانتخابات الانتقائية، لأن ‏المقاطعة تخدم اجندة حماس فهي ‏الأكثر انسجاما مع مصالحها وكذلك ‏اجراء الانتخابات بالصورة التي حدثت ‏هو شكل من اشكال الانتخابات ‏الانتقائية التي اعتمدتها فتح منذ تأجيل ‏الانتخابات العامة او الغائها او حتى ‏برمجة مراحلها.‏

ما الذي افرزته الحالة التي شرّعتها ‏الصناديق وأفقدها ايقاعها تجنب ‏الانتخابات العامة؟؟؟

اول ضحايا ما حدث هي الوحدة ‏الوطنية، الواقعة تحت وطأة الانقسام ‏الذي وصل حدود الانفصال، والامر ‏هنا لا يفسر او يبرر بمن هو على حق ‏ومن هو على باطل وانما بالخلاصات، ‏فلقد اضيف الى بنود ملف الانقسام بند ‏قوي التأثير السلبي ولتأكيد ذلك فإن ‏اعلان النتائج تزامن مع كارثة مخيم ‏البرج الشمالي التي لا يختلف اثنان ‏على انها شكل من اشكال الامتدادات ‏الكارثية للانقسام المتكرس على ارض ‏الوطن.‏

ان ما هو اخطر من الانقسام السياسي ‏او الفصائلي هو المناخ الذي يخلقه، ‏والذي يجسد مستنبتا لصراعات ‏فلسطينية فلسطينية تسيل فيها دماء ‏وهذا ما حدث اكثر من مرة في ‏المخيمات البعيدة جغرافيا والاقرب الى ‏حبل الوريد سياسيا ووجدانيا.‏

الحالة الفلسطينية العامة أصبحت اشبه ‏برمال متحركة لا تصمد على ارضها ‏اية صيغة من صيغ التنافس على ‏النفوذ، ولا توفر حسما لمصلحة قوة ‏تجاه القوة المنافسة وأكرر القول بأن ‏حماس خسرت وفتح لم تكسب.‏

غير ان الانتخابات المحلية انتجت ‏معطىً جديدا لم تقصده القوى السياسية ‏المقاطعة او المنخرطة فيها وهي ان ‏العشائرية زحفت بنفوذها على الحياة ‏الفلسطينية من خلال الممرات الممهدة ‏التي انتجها ضعف أداء السلطة ‏واخفاقاتها خصوصا في مجال انهاء ‏النزاعات الداخلية غير السياسية مع ‏ضعف افدح في معالجة الملفات الأكثر ‏تأثيرا في الحياة الوطنية مثل الانقسام ‏السياسي والتراجع الكبير للوضع ‏الاقتصادي والمالي دون ظهور بوادر ‏علاج مقنع لهذه الملفات.‏

الخلاصة… اود القول ان الانتخابات ‏المحلية كذلك لا تصلح في كل احوالها ‏كمؤشر على حجم النفوذ السياسي، فلا ‏القوى السياسية التي تضع اختامها ‏وشعاراتها على قوائمها تخوض ‏الانتخابات وفق برامج، ولا المواطنون ‏الفلسطينيون الذين يصوتون يدلون ‏بأصواتهم وفق خلفيات سياسية، لذا لو ‏سمع القوم نصيحتي بترك الانتخابات ‏المحلية للمواطنين المستفيدين منها، ‏لكانت النتائج افضل، مع ان النتائج ‏الحالية اقتربت مما اقترحت.‏

ان اكثر ما يجسد الحالة الفلسطينية ‏المأساوية هو تكرس معادلة ان الممكن ‏مستحيل، وان المستحيل هو المخرج، ‏والمستحيل ما نحن فيه الان على كل ‏الصعد.‏

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.