صناعة الأمل والمواطن
لم يعد المواطن الفلسطيني جاهزاً أن يرى الأمور بعين الإيجابية، بل بات يشكك في الكلام الذي نطقه الشخص نفسه إن كان حقيقة أم غير ذلك، فتراه حائراً بين الصخب الدائر والواقع المعاش، رغم أنه يشهد كل يوم احتفاء بإنجازات لم يعشها بالمطلق ولم يرها، لذلك تراه عابساً وهو ينتظر المصعد، وهو ينتظر الدور لتجديد رخصة القيادة، وهو يقف على إشارة المرور.
العلاج بسيط، يبدأ من إجراء بسيط ولا يحتاج أكثر من تعليمات الى إجراء يتطلب أعباء مالية، ولكنه في دائرة الممكن، الى إجراءات استراتيجية تتعلق بالسياسات ورسمها بما يتناسب مع الوضع الراهن، بحيث يعود المواطن يشعر انه جزء من الحل وجزء من امتلاك أدوات الضغط والتأثير، ولا يُعقل أن نرهن كل القضايا بالعمل الحكومي، بل هناك قضايا بإمكان القطاع الخاص أن يكون مساهماً بها، وليس بالضرورة مالياً بل غير ذلك، وأدوار لمؤسسات العمل الأهلي ضمن اختصاصاتها وهذه لها أثر كبير، ولكن كل هذه المكونات يجب أن تكون ضمن الرؤيا الوطنية العامة لإستراتيجيات التنمية في فلسطين، وأن تصاغ هذه الرؤيا بالشراكة ليتم تقاسم الأدوار بشكل منطقي، وإلا ما هي الفائدة من إطلاق الحوار الاجتماعي، والحوار الاقتصادي، والحوار التربوي، لنصل الى تنمية قطاعية ضمن رؤيا لكل قطاع وبالتالي ضمن الرؤيا الشاملة الوطنية.
المواطن لا يطلب مصباح علاء الدين ولا كنزَ مغارة علي بابا، بل يتطلع الى قضايا بسيطة ممكنة، سواء على صعيد العلاج والتأمين الصحي والحق بالصحة، الى الحق بالتعليم وجودته، الى منظومة متطورة وعصرية لحماية حقوق المستهلك وتحقيق العدالة الاجتماعية، والحق بالعمل، وهذه قضايا أساسية يتطلع لها المواطن بحيث لا يتحول الى سلعة، ولا تتحول الحقوق الأساسية الى سلع محتكرة وليست سلعاً إنسانية، سواء عندما نبالغ في وصف استرداد التكلفة مثلاً في قطاعي المياه والكهرباء، ونصبح أمام عدادات مسبقة الدفع ندفع مسبقاً، وكأننا نتعامل مع سلعة وليس مع حق أساسي من حقوق الإنسان بالوصول الى مصادر المياه والكهرباء.
قصص كثيرة بادر المواطن إلى تنظيم نفسه خلالها ليكون جزءاً من الحل، سواء الجمعيات التعاونية الزراعية والاستهلاكية والإسكانية بغض النظر عن التقييم لها، وتنظيم المجتمع لنفسه ضمن مؤسسات تطوعية تحفظ مستوى الحياة لقطاعات مختلفة هي متجانسة فيما بينها، وهذه القصص يجب ان يؤسس عليها ويبنى عليها ونصيغها كقصة نجاح، وهذه بمجموعها يجب أن ترافق بسياسات عامة نصيرة لها ولضمان استمراريتها ونجاحها، بعيداً عن لعبة الترصد لها من خلال العمل الورقي الروتيني، ولا نقلل من أهمية الشفافية والمساءلة.
من حقنا أن نؤكد أهمية مشاريع الريادة والابتكار كبوابة أمل في المجتمع ومأسستها وصياغة حكايتها لتكون مرشداً للآخرين، وتقود الى تشبيك المبدعين المحتملين مع النجاحات في هذا القطاع، ومن الأهمية بمكان عدم تحويل هذا القطاع وكأنه لغز لا يتمكن منه الا أناس بعينهم، رغم أنه متاح بشكل واضح.
اليوم بات ملحاً لفتح الأبواب على مصراعيها على قاعدة الشراكة في كل المؤسسات، ولم يعد مجدياً ولا شفافاً ظاهرة إغلاق الباب في المؤسسات والجمعيات أمام أناس مهتمين بعدّ آخر عضوٍ محسومٍ دخل هذه المؤسسة وتلك الجمعية، ليكون بإمكان كل الطاقات التطوع والمشاركة في الحياة العامة، وعدم تسجيل انتصارات شخصية على ظهر تلك المؤسسات وجعل النجاحات مسنودة بشخص دون الآخرين.
ولعلنا نقف اليوم أمام نتائج الانتخابات البلدية التي جرت مؤخراً ونتائجها التي عبرت عن حالة الاحتقان، سواء أبناء التنظيم السياسي الذين يحاصرون في سعيهم لنيل حق الترشح لصالح الأبوات التاريخيين، وكذلك الحال لأبناء العائلة التي يحتكر كبيرها مفتاحها ويكرر ذات الأسماء دون اعتبار لوجود كفاءات علمية وإدارية وسياسية في العائلة يجب أن يفتح المجال أمامها، فقد كنت يوماً في إحدى الدول العربية والتقيت أعضاء برلمان تلك الدولة بحكم المؤتمر الذي كنت مشاركاً فيه، فحدثونا عن التجربة البرلمانية ودورها وأثرها، وقال أحدهم لي رداً على استفساري: لم يعد بالإمكان اليوم أن يقرر أحد في العائلة مَن هو مرشحها للانتخابات ويغلق الباب، اليوم في العائلة عشرون محامياً وآخرون أطباء وسياسيون وكتاب، وبالتالي بات المقياس مختلفاً تماماً.
دعونا نفتح أبواب الأمل أمام المواطن الفلسطيني لينتقل من العبوس إلى الأمل، ولنتقن معاً صناعة الأمل، ليس الحكومة فقط بل الكل الفلسطيني شريك في صناعة الأمل بإمكانيات بسيطة ومتواضعة، ويجب أن يشعر الكل انه بالإمكان أن يكون شريكاً في مشروع الأمل وليس نزعه.