تعالوا معاً نخلّص أنفسنا بأنفسنا
مقالات

تعالوا معاً نخلّص أنفسنا بأنفسنا

- طبعاً بأيدينا نحن، وهل من مخلّص لنا غير أنفسنا؟!
- إذا أردنا!
- كيف؟
- باختصار، ومن الآخر، كل منا يستطيع ذلك؛ من مزارع في أرضه إلى معلم في غرفة الصف، إلى تربية على الانتماء، والحفاظ على المال العام، لزرع المحبة في قلوبنا. إن أي لبنة تبنى بصدق في وطننا، إنما تقوينا سياسياً، وتقطع الطريق على كل المتقولين، مهما كانوا، ليكونوا أوصياء علينا. نحن قادرون على فعل الكثير، بل وأن نكون رواداً ورائدين ورائدات في مختلف أشكال الإبداع الإداري والسياسي والثقافي والاقتصادي.
- يعني؟
- إن محصلة كل الأفعال البسيطة، تعني التقدم بقوة نحو التحرر. وهذا هو السلاح الأمضى.
إن تقوية أملنا بالتحرر، سيعني الكثير، حيث سيمكننا من البقاء القوي، ولعلنا قبل سنوات كنا قد مضينا في هذه الطريق، ومع تقديرنا لكل جهد وطني سياسياً وإدارياً ومالياً، فإننا ما زلنا بحاجة للموضوعية، وحسن الأداء، فاحترام عقل الجمهور يعني استعادة ثقته. فما يتحدث به الناس اليوم في العلن مسموع، وهو الحديث الوطني والمسؤول.
لعل آخر التحركات السياسية الخجولة والبطيئة تدفعنا لنكون أكثر جرأة وسرعة، عبر المحبة والاحترام داخل مجتمعنا. ومن السهل الوصول الى تسويات كثيرة في مجالات الحكم والإدارة، عبر الاستئناس بالآراء المسؤولة التي تنبع من حرص وطني.
دوماً تساءلت بحسرة وحزن مغلف بغضب وتأمل: لماذا حين يقترب أي حل للقضية الفلسطينية، فإنه يبتعد في آخر سنتيمترات أو أمتار! وليس هذا حديثاً بل منذ الأربعينيات.
لربما حين نعود لحلول الماضي، نجد مبررات ما حين نود التقييم والبحث، لكن اليوم، نحن أحوج للفعل والانطلاق.
مؤخراً عدت لمقترحات التفاوض منذ عام 2006، بل ومن قبل ذلك، وحتى لا نغرق في التفاصيل، فقد قطعنا مسافة لا بأس بها، كان يمكن أن تتبلور، لتنفيذ رؤية حل الدولتين.
وحتى لا نغرق في الاتهام والحكم على بعضنا وعلى الجانب الآخر، لنتطلع للمستقبل بأمل وإرادة، عبر تقدير ما تم إنجازه؛ فلا ينبغي لنقدنا للوضع العام لمجتمعنا، أن يقلل من جهود قيادتنا في التفاوض الجاد.
والآن، علينا أن نلتقط الفرصة، كي نعود بأفعال فلسطينية، لا بردود أفعال، في ظل اقتراب الإدارة الأميركية للملف الفلسطيني، وبعض التحرك العربي، لنبادر فوراً إلى عرض مواقفنا العاقلة والناضجة والمتقبلة حتى على إسرائيليين موضوعيين، يؤمنون بضرورة حل الصراع: بدولة أو دولتين، أو أي حل ذكي يضمن كرامة الشعبين.
إن تتبعنا الأحداث فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً ودولياً، منذ توقف العملية السياسية التفاوضية، سنستطيع وصفها ببضع فقرات، والأهم، هو أننا مكاننا، وإسرائيل التي تظن أن تكسب من خلال "إدارة الصراع"، تكتشف كل يوم أنها الخاسرة الكبرى، لأن تأخير الحلول، رغم مكاسبها المؤقتة، سيعمق قلقها الوجودي والسياسي؛ فليس بالسلاح وحده يحيا الإنسان والدول!
لقد انشغل المجتمع الفلسطيني، شعبنا  العريق بقضايا، أو تم إشغاله بها، وفق برمجة غادرة معتمدة على علم نفس الشعوب، لأجل "إلهائنا" وتفريغ طاقاتنا في قضايا ليست هي صاحبة الأولوية. واحترامنا للناس والأهل ربما يمنعنا أو يخفف من نقدنا تجاه ما تم من مبالغات وثأر، والبحث عن خلاص أفراد وجماعات، من هنا وهناك، عبر سياسة إقصاء الآخر مهما كان وتخوينه، وشيطنته، علماً بأننا نحن واحد: شعب واحد ومجتمع واحد.
- طيب؟
- اصبر قليلاً!
الهدف الأساسي هدف وطني وسياسي، لا هو فردي ولا فئوي، ولا بدّ من تحقيق هدف التحرر من الاحتلال، لأنه لا يؤخر استئنافنا للحياة فقط، بل يبقي حالة من إشكاليات الإدارة والحكم، وإشكاليات العلاقات الداخلية بين شعبنا، وعلاقاتنا كشعب مع الآخرين، دولاً وشعوباً، وبالطبع مع إسرائيل المحتلة.
كيف نلتقط الفرصة؟
في حديثنا مع العالم، ومع إسرائيل، نحن شعب تحت الاحتلال، نسعى للتخلص منه عبر التفاوض الجاد، وعلى إسرائيل في هذه الأيام، خاصة في سياق الحديث عن إعادة استئناف العملية السياسية، أن تعمل على فعل إجراءات تحترم شعبنا، بإبعاد المستوطنين عن نقاط التماس، ووقف فعلي لأية استفزازات الاستيطان، وبالطبع التوقف عن القمع للمحتجين عن حق وعدل. كذلك إعادة أموالنا المحتجزة، فإسرائيل والولايات المتحدة، وآخرون، يعرفون معنى وجود أسر تستحق الدعم والحديث عن أسر الشهداء والأسرى، بل وإن ذلك أصلا من واجبات الدولة التي تقوم بالاحتلال. كذلك، تسهيل ظاهر للتنقل والعمل، خاصة التنقل بين الضفة وغزة كوحدة سياسية واحدة. كذلك لا بدّ من حل المشاكل اليومية والحياتية لمواطني القدس، بوقف الإجراءات الاحتلالية، ومراعاة زيادة السكان، والسماح بالبناء ومراعاة الدخول المالية وتصاريح البناء. كذلك لا يمكن الاستمرار بتفاصيل حياة كهذه لأهل قطاع غزة. إن ذلك يمكن أن يعيد الثقة بين جميع الأطراف.
أما واجبات القيادة السياسة، والحكومة معاً، فمن المهم أن يتطور أداء الحكومة هذه وغيرها، لتكون رافعة للقيادة السياسية لشعبنا، بحيث يتم استعادة الجمهور. إن ثقة شعبنا بقيادته سيقويها وهي تستأنف العملية السياسية.
إن طرق استعادة الجمهور معروفة، وهي تنجح بمجرد السير فيها.
وعليه، فإنه عند العودة للحديث الجديّ، لدينا إرث مهم في الرؤية السياسية الفلسطينية الواضحة، والتي تتميز بالمصداقية. وكل من سيطلع على مقترحات التسوية، سيجد أن هناك مجالاً فعلاً للتسوية، إن صدقت النوايا.
بالرغم من وجود من ينادي بحل الدولة الواحدة، فإن حل الدولتين هو الأكثر واقعية وعملية، وعليه إجماع على مختلف المستويات.
ليس لدي الكثير من الكلام، فلدى الشعب دوما إن استعاد الوحدة والأمل والمحبة أن يبدع الكثير؛ فشعبنا الذي استطاع الصمود والبقاء، وإبقاء الأرض خضراء، يستحق الاحترام، احترام عقله ومشاعره.
لنلتقط كل الخيوط، لنبدع هنا ..هنا يعني هنا على الأرض وبين الأهل والشعب، لنغير الواقع، ونخلق مجتمعا على الأرض حتى ولو ضاقت، لنجعلها تتسع بقلوبنا.. وقتها ستمتد الأيادي والعقول تجاهنا.
الطريق طويل لكن نقطعه بالسير فيه، فليس أماننا إلا أن نحيا حياة أكثر جمالاً ومهنية وتنظيماً، استجابة أولاً لحقوقنا كمواطنين، وثانياً لتقوية بقائنا هنا، وأولاً وأخيراً لتحقيق التحرر.
طريق مرتبة نظيفة، يسير عليها مواطنون ملتزمون، فيها سيارات ملتزمة بقواعد السير من داخلهم، مؤسسات وفضاءات، صوت، رائحة، ملمس.. مكان جميل للحياة، فرص للعمل، ثقافة وفنون، أطفال وكبار السن، نساء بحقوق واحترام، موسيقى.. ماذا بقي؟
إنه الممكن، وهو بين أيدينا، وبدونه لن نحقق ما نصبو إليه.
سيصير الصعب ممكناً بالأفعال الطيبة التي تحببنا بالوطن كمكان للعيش.
عندها سنجد أنفسنا في عمل وترفيه وسرور، بدلاً من الاقتتال على إعراب كلمة هنا، بين مدرسة بصرية وكوفية.
ستتحسن المنظومة، فلا تتغول عناصر على غيرها، ولا تتجاوز. نحن مواطنون سواء، نتميز بخصوصية أننا نسير في طريق تحرر وطني.
بورك النظام والجمال والعمل والفعل.
لو نقترب من بعضنا سنزداد طاقة.. قادةً وشعباً.. وإن شئت حكاماً ومواطنين.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.