المكتبة الوطنية الفلسطينية أكبر من الدولة، انها دولة الذاكرة
مقالات

المكتبة الوطنية الفلسطينية أكبر من الدولة، انها دولة الذاكرة

من لا ذاكرة له لا وطن له، استعادة الذاكرة الوطنية الفلسطينية المهددة والتعبير عن كل تجلياتها التاريخية والانسانية والثقافية والوجودية هي جوهر الهدف الاستراتيجي والرؤية بعيدة المدى لمشروع انشاء المكتبة الوطنية الفلسطينية والذي صدر بمرسوم من السيد الرئيس ابو مازن عام 2019، باعتبار المكتبة الوطنية فعل ثقافي مقاوم لمشروع الإبادة الصهيوني المادي والثقافي الذي يستهدف الكيانية والهوية الوطنية الجامعة للشعب الفلسطيني.
لا غرابة ان الاحتلال الاسرائيلي انشأ مكتبته الوطنية قبل انشاء دولته المستعمرة، وجمع فيها الكتب والمنشورات التي تؤسس للرواية الصهيونية حول ارض الميعاد، وأرض بلا شعب، وقام بنهب واخفاء وسرقة الكنوز الثقافية والفكرية الفلسطينية خلال حربي 1948 و1967، وتحويرها بما يخدم روايته الصهيونية المختلقة لاضفاء الشرعية التاريخية على وجوده واحتلاله لأرض فلسطين.
من يدخل المكتبة الاسرائيلية او المتاحف الاسرائيلية العديدة يجد المئات من المخطوطات والمنتوجات الثقافية الفلسطينية التي تم الاستيلاء عليها، وقد وضعت كخلفية او ظلال للتاريخ اليهودي او لاسرائيل القديمة كما يزعمون، وان هناك جهدا يبذله علماء الاثار التوراتيون لانتاج السردية الاسرائيلية بواسطة منظومات محو واخفاء وانتاج معرفة بديلة يطغى عليها الزمان التوراتي.
مشروع المكتبة الوطنية الفلسطينية هو مشروع الدولة، بل اكبر من الدولة لانها دولة الذاكرة الفلسطينية الممتدة والعميقة عبر التاريخ الفلسطيني الطويل، وهي مشروع ثوري بامتياز وعلى خط الاشتباك مع الرواية الصهيونية التي تسعى الى طرد الفلسطينيين من الوعي، من المكان والزمان، فاستملاك الماضي هو دائما من أجل الهيمنة والسيطرة في الحاضر.
مشروع المكتبة الوطنية هو مشروع سيادي، السيادة على الثقافة والتاريخ واللغة ورموز الهوية، واستعادة الحياة الحضرية للشعب الفلسطيني التي طمست بفعل سياسة الابادة والتطهير العرقي المادي والثقافي الذي مارسه الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
مشروع المكتبة الوطنية هو مشروع قومي، تستعيد الامة مبررات وجودها على هذه الارض، فالأمة التي لا تمتلك مكتبة وطنية لا وجود لها، فمهمة المكتبة الوطنية الحفاظ على التراث الثقافي والفكري للشعب الفلسطيني وحمايته من التدمير والنهب والاتلاف والتزوير، فالمكتبة تستعيد الماضي ولتصمد في الحاضر وتبني المستقبل.
المكتبة الوطنية هي التعبير العالي الواضح عن الوطنية الفلسطينية وتعبيراتها العديدة في الادب والمسرح والقيم والعادات والتقاليد والبناء المعماري في اللباس واللهجات والحكايات والتجارب الفردية والجماعية، وهو علامة وطنية وشاهدا على السعي للاستقلال والتحرر وتعزيز الروح الوطنية وعملية الصمود والمقاومة والتمسك بحق تقرير المصير والوصول الى السيادة والاستقلال والمشاركة في صنع الحضارة الانسانية.
المكتبة الوطنية الفلسطينية هي الحاضنة للهوية الثقافية الفلسطينية والتعبير عنها بكل عناصرها ومكوناتها، وهي اداة للمقاومة في مواجهة محاولات الطمس والازالة والاقصاء والتهميش، وقد اثبتت الثقافة الفلسطينية ان لها دورها المهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرية وعنصر اساسي مكون للهوية وتماسكها وصمودها.
ان مشروع المكتبة الوطنية الريادي يحتاج الى دعم وتمكين وتعاون وتوفير الامكانيات، فهو مشروع تاريخي نضالي يستحق كل الجهود من اجل انجاحه كمعلم فلسطيني حضاري على ارض فلسطين، هناك الكثير من المهام التي تنتظر المكتبة الوطنية في عملها وابرزها استعادة الممتلكات الثقافية التي نهبها وسرقها المحتلون وجمع تراثنا الثقافي من دول الشتات ومن مراكز ومتاحف في دول اجنبية، صياغة رواية موحدة للشعب الفلسطيني، وضع القوانين الناظمة لعمل المكتبة الوطنية، الرقم الوطني، الرقم الدولي، قانون حماية حق المؤلف، نظام الايداع، نظام نشر الانتاج الثقافي وتوزيعه، قانون تنظيم المتاحف وغيرها.
المكتبة الوطنية الفلسطينية هي مكتبة الدولة والوطن، وهي المكتبة القيادية المسؤولة عن حفظ الموروث الثقافي والادبي والانساني للشعب الفلسطيني اينما وجد في الوطن وفي الشتات وتنظيمه والحفاظ عليه وعرضه محليا واقليميا وعالميا وفهرسته والقيام بدور مركز الايداع الدائم لجميع الاصدارات في فلسطين واصدار الفهرس الموحد والتعاون بين المكتبات والمساهمة في وضع المعايير والتشريعات المكتبية والمعلوماتية واعداد الدراسات والبحوث وانشاء المكتبة الرقمية ومركز الببلوغرافيا الوطني وتطوير قاعدة للمعلومات الوطنية، وعمل بوابة الكترونية مركزية لكافة المتاحف الفلسطينية والتنسيق مع دور النشر ومكتبات الجامعات وغيرها من المهام التي تجعل من المكتبة الوطنية العنوان الوطني والفكري والثقافي لدولة  فلسطين.
المكتبة الوطنية تعزز الانتماء والقيم والعقيدة للوطن وحفظ تراثه واثاره ذات القيمة التاريخية، تشكل مرآة تعكس ماضي وحاضر المجتمع، فالمكتبة تعزز مكونات الهوية الثقافية والتعبير عنها عن طريق عكس تاريخ المجتمع وحاضره، ومن هنا تكمن اهمية المكتبة الوطنية في حماية التراث الحضاري للشعب الفلسطيني في ظل عدم اعتراف اسرائيل بسريان القانون الدولي على المناطق الفلسطينية المحتلة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.