المطلوب في هذه اللحظة
الكل في البلد يتحدث عن الوحدة الداخلية صمام الأمان عبر الإذاعات والتلفاز، وعبر الجلسات الاجتماعية وجلسات العصف الذهني، والكل مقل في العمل من أجلها بأي شكل من الأشكال، لأننا نقدس الحزب السياسي كعنوان على حساب القضايا الأخرى، ونرفض تقديم أي تنازل للمصلحة العامة ونصر على المصلحة الفئوية، حتى تعليقاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي تكون حسب الجهة التي تكتب، وليس حسب مضمون ما كتب، حتى أننا لا نترك شاردة ولا واردة ولأهداف حزبية أو ذاتية لنعلق عليه وندعو من يعلق معنا في ذات الاتجاه.
في صلاة الجمعة، أمس، استمعت للخطبة التي كان عنوانها عن "الشتاء بستان المؤمن"، وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد اشتعلت تعليقاً على مضمون الخطبة، والاعتراض أن هناك مواضيع أهم، ولكن خطيبنا وضع الأمور في سياقها الصحيح عن تبدل الليل والنهار وتبدل الفصول، ونعمة الأمطار وكيف نستغل هذا الفصل بتقوى الله وعبادته، وتحدث عن الوحدة الوطنية والأسرى، وحياة المؤمن الصحيحة في تقوى الله وعبادته، فاستغربت واستهجنت تلك الحملة من الذباب الإلكتروني ضد مضمون الخطبة.
هذه الأيام عنوان النقاشات العامة ما يسمى التسهيلات الاقتصادية وتصاريح العمل من قبل الاحتلال، ولكننا لا نمتلك حلولاً، بل كلمات موجهة ضد ويجب أن نرفض ونعرج على الحكومة، خصوصاً وزارة العمل ونذهب صوب القوى والأحزاب ونقسوا على كل شئ، ونغادر دون حلول خلاقة أو اقتراحات، بل إلقاء اللائمة على الكل دون حلول، تخيلوا يا جماعة، جزء كبير ممن يتلقون التطعيم الثالث من حملة الشهادات الجامعية الذين يريدون التوجه للعمل في المنشآت الإسرائيلية، فقط تعليق دون اقتراح عملي.
منذ اليوم الأول الذي اعتبرنا الملف الاقتصادي والمالي هو شأن رجال الأعمال، والذين يمتلكون المال ونغلفهم ببعض المختصين كعملية تجميلية فقط، بتنا نراوح مكاننا، وذلك ليس تقليلاً من شأن هؤلاء جميعاً، بل هو بالأساس دور حكومي يضع الرؤيا والمرجعيات، ويقوم بدوره في تقوية قدرات القطاعات الاقتصادية، وتهيئة بيئة الاستثمار والتسهيلات، ودور القطاع الخاص التنموي والاستثماري واضح المعالم بحاجة لبيئة ليواصل أعماله، ولا يطلب أن يكون هو كل الاقتصاد الفلسطيني، بل يعتبر نفسه مكوناً من مكوناته وليس كله، ويتوافق مع ذلك دور النقابات العمالية والحركة النقابية، ودور المستهلك كونه جزءاً أساسياً من الاقتصاد الفلسطيني ونموه ورفع قدراته.
وفي هذا السياق، تنشط لقاءات اقتصادية بوساطة الاتحاد الأوروبي، لتفعيل استخدام الحاويات المغلقة لنقل البضائع المستوردة عبر معبر الكرامة، والتي ستمر عبر ماكنة الكاشف الضوئي، وهذا الخبر ينشر من قبل الاتحاد الأوروبي على أساس أنه إنجاز، وكأن دورهم فقط هو التوسط لتحسين مستوى معيشة الشعب الفلسطيني كما يبغي الاحتلال تحت يافطة ما يسميه (تسهيلات اقتصادية وهي مزعومة)، بدلاً من أن يلعبوا دوراً سياسياً ضاغطاً لإنهاء الاحتلال.
وتفتح الموانئ الإسرائيلية أذرعها لاستقبال الوفود التي تذهب من أجل الاطلاع على الإجراءات للتخليص والشحن، ما يظهر أن الأمور في الموانئ تسير على خير ما يرام.
وفي كل مفصل من مفاصل حياة الشعب الفلسطيني، يعتقد الحزب السياسي أن إبراق رسالة أمل وتفاؤل مسألة مهمة، حتى إن كانت ضبابية، فتارة أننا أمام مشاريع ضخمة قادمة وأمام استثمارات كبرى قادمة، ولا يزال المواطنون يناشدون إتمام مشروع طرق عالق منذ أعوام وآخر في محافظة أخرى، ومستثمر يتبرع لتعبيد طريق رئيس ووضع أثاث الطريق فيقابل طلبه باستفسارات وكأنها اتهام له، وتغيب مشاريع الإسكان التي تشرف عليها الحكومة رغم أنها مكون من رؤية الحكومة، وتظل قضايا المدن الصناعية مجرد خبر عاجل بانتظار تحويلها إلى واقع على الأرض، خصوصاً في جنين.
يجب أن يصوب التصور العام أن الاقتصاد مسؤولية الحكومة في الجزء الأكبر، والشأن السياسي والإفراط بالتفاؤل به شأن منظمة التحرير الفلسطينية المطلوب تفعيلها وليس هدمها بالمطلق، والوحدة الداخلية مسؤولية الكل الفلسطيني، والأحزاب والقوى يجب أن تتواضع وتضع المصلحة العامة فوق مصلحتها لأنها أداة وليست هدفاً، ولعل حركة "فتح" يجب أن تشكل نموذجاً في هذا الاتجاه في ذكرى انطلاقتها، وأن تقدم المزيد من التنازلات في الملف الداخلي من أجل إنجاز الوحدة الداخلية، رغم أن المحللين السياسيين والخارجين من أحزابهم لا يجدون دوراً إلا إطلاق الذباب الإلكتروني لتحميل حركة "فتح" ما لا تحتمل، ويدعون أنهم مستقلون سياسياً، بينما اتضح أن معظمهم طرف، ولعل حركة "حماس" مطالبة باتخاذ خطوة إلى الأمام باتجاه الوحدة الداخلية، لأن الكل تمرجل علينا لأننا مشتتون منقسمون ولسنا على قلب رجل واحد.