لابيد يقدم أوراق اعتماده إلى اليمين
عادة ما يكون وزير الخارجية أولاً ووزير الدفاع ثانياً في إسرائيل بمثابة الرجل الثاني في الحكومة بعد رئيس الوزراء، واذا كانت الحكومة مشكلة من حزب كبير متحالف مع أحزاب صغيرة، تُمنح وزارة الخارجية أو الدفاع للحزب الأكبر من بين الشركاء، فيما تُمنح الوزارة الثانية للشخصية الثانية في الحزب الحاكم، أما في حال كانت هناك حكومة وحدة وطنية، فإن الحزبين الكبيرين، يتبادلان رئاسة الوزراء مع وزارة الخارجية، وهكذا، حتى عند ترتيب الائتلاف الحكومي، يتم توزيع الحقائب الوزارية بناء على حجم تمثيل كل حزب مشارك في الائتلاف، في الكنيست، وبالطبع ما زال الاستثناء بدافع عنصري، ونقصد بذلك عدم تولي أي عربي منصباً وزارياً، بغض النظر إن كان حزبه مؤيداً للحكومة أو معارضاً لها، والحديث هنا عن نواب الأحزاب العربية، وليس عن نواب عرب، دروز خاصة وصلوا لمنصب وزاري ولكن كممثلين لأحزاب صهيونية، ليكود أو عمل.
ومكانة وزير الخارجية أو وزير الدفاع في إسرائيل، تمنحه قوة يمكنه من خلالها الظهور على بعد مسافة واضحة من رئيس الوزراء، حتى لو كان الرجلان من حزب واحد، والأمثلة عديدة في هذا المجال، بدءاً من ثنائية ليفي أشكول كرئيس للوزراء وموشية دايان كوزير للدفاع في حرب العام 1967، وليس انتهاء بالثنائية الحالية، مروراً بثنائية مناحيم بيغين _ أريئيل شارون عام 1982، وثنائية اسحق شامير_إسحق رابين/شمعون بيريس عام 1987، ورغم أن الحكم في إسرائيل مؤسساتي، أي أنه لا يخضع للقرارات الشخصية أو الفردية، إلا أن ثنائية أو مثلث الحكم كما هو الحال حالياً، تؤثر على طبيعة السياسة العامة الإسرائيلية خاصة في المواضيع التي يدور حولها الجدل.
ومع صمت أحزاب اليسار الممثل بحزبي العمل وميريتس، كذلك أحزاب اليمين، وبالتحديد كل من أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، وجدعون ساعر زعيم حزب "أمل جديد"، تظهر تأرجحات السياسة العامة للحكومة الإسرائيلية في تصريحات ومواقف كل من نفتالي بينيت رئيس الحكومة، ويائير لابيد وزير الخارجية، وبيني غانتس وزير الدفاع، وأحيانا تبدو مواقف الرجال الثلاثة متباينة أكثر مما هي متوافقة، وقد يعود الأمر الى أن كلا منهم ينتمي لحزب مختلف، بل إن أحدهم وهو رئيس الحكومة، سبق له وأن كان رئيس "يشع" المجلس الإقليمي للاستيطان، وهو يعد زعيم اليمين المتطرف، فيما يعتبر وزير الخارجية وسطياً، بل عدّه البعض من قبل كممثل لليسار الاجتماعي الليبرالي، نظراً لخلفيته الإعلامية، أما وزير الدفاع فهو يمثل الحضور الأمني في السياسة، وما زال يتعامل مع السياسة من المدخل الأمني.
وإذا كان الإسرائيليون يتفقون أو يتوافقون حول الموقف من الملف الإيراني، وإن كانت تصريحات وزير الخارجية تبدو مناسبة لتسويق الموقف الإسرائيلي المعارض للعودة لاتفاق العام 2015، مع الحرص على العلاقة مع واشنطن، بحديثه مؤخراً عن أن إسرائيل لا تعارض من حيث المبدأ الاتفاق مع إيران، ولكنها ترفض الاتفاق السيئ، وتريد اتفاقاً جيداً، فإنهم أي الإسرائيليين يُظهرون اختلافات أعمق فيما يخص الملف الفلسطيني، وإن كانوا يُجمعون من حيث المبدأ على التراجع عن سياسة حكومات اليمين السابقة التي كانت تفضل "حماس" على السلطة، فإنهم يختلفون فيما يمكنهم أن يتخذوه من موقف تجاه الاستحقاق القادم لا محالة، وهو التفاوض مع الجانب الفلسطيني.
هنا يُظهر التباين بشكل عملي، وإذا كان ملف غزة لا يتطلب موقفاً آنياً، ذلك أنهم يتفقون على التهدئة وعدم اندلاع أي مواجهة عسكرية، خاصة خلال فترة التراشق الإعلامي مع إيران والتهديد بالحرب أو العمليات العسكرية، فإن ملف الضفة الغربية بالمقابل يحتاج إجراءات ومواقف يومية. وإذا كانت جوقة اليمين، بمن فيها رئيس الحكومة نفسه، يطلقون حرب الشوارع والساحات ضد كل ما هو فلسطيني من القدس الى طول الضفة الغربية وعرضها، انسجاماً مع موقف بينيت الرافض لمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية، والمؤيد للضم، فإن بيني غانتس يحاول أن يمنع المواجهة بأي شكل كان، وذلك استناداً للتقارير الأمنية، لذا فهو أقدم خلافاً لزميليه على لقاء الرئيس محمود عباس مرتين، أتبعهما باتخاذ قرارات عديدة تندرج في خانة تثبيت دعائم الثقة المتبادلة أو حسن النية.
وقيل بأن لقاء الرئيس محمود عباس بغانتس كان بتشجيع أميركي، أتبعه وزير الدفاع الإسرائيلي بالسفر الى عمان ولقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وهذا يعني بأن غانتس يدرك أهمية الأردن والسلطة في إدارة الحالة في الضفة الغربية والقدس، بما يمنع على أقل تقدير انفجار الواقع وخروج الحالة عن السيطرة، وهو يدرك أيضاً بأنه مضطر لأن يسمع الحديث عن حل الدولتين من كل من الرئيس عباس والملك عبد الله، وأنه وخلافاً لكل من بينيت ولابيد، يلتقي رئيس السلطة ومسؤوليها، وفقط يحاول أن يقلل من المعارضة الداخلية لما يقوم به بالقول بأنه يبحث في القضايا الأمنية، وليس في الملف السياسي.
حركة غانتس التي أظهرته كرجل دولة قوي ومسؤول، بل ومختلف عن زملائه من عدميي السياسة، أثارت حفيظة منافسه على خلافة بينيت في مقعد رئيس الوزراء، أي يائير لابيد، بما اضطره لإطلاق تصريح بلا مناسبة، حيث قال إنه لن يتفاوض مع الفلسطينيين حتى بعد استلامه رئاسة الوزراء، ورغم أنه أشار بشكل واضح للقاء غانتس الرئيس الفلسطيني، قال إنه ليس هناك من سبب سياسي يبرر لقاءه الرئيس عباس، بما يعني أنه يرفض لقاء غانتس _أبو مازن، لكنه لا يعلن ذلك بشكل صاخب خشية منه على الائتلاف الحاكم.
لماذا يفعل لابيد ما يفعل، وهو الذي ما زال يقول بأنه مع حل الدولتين، والجواب من المؤكد أن له علاقة بطموحه في منصب رئيس الوزراء، وهو يحرص على الوصول للموعد المتفق عليه بالتناوب دون تفكك الائتلاف، فيما غانتس بدرجة أولى وبينيت بدرجة ثانية، لا يهتم كثيراً ببقاء الائتلاف حتى ذلك الموعد، بل إن غانتس يسعى منذ الآن لتهيئة الأجواء ليكون بديل بينيت في منصب رئيس الوزراء.
ما يطلق طموح غانتس ولابيد لوراثة بينيت وهو حي، هو ضعف بينيت الشخصي والحزبي، فهو يمثل الطرف الأضعف في الائتلاف الحكومي، ويبدو أن مدخل غانتس هو العامل الخارجي، الأميركي خاصة، الذي يفضل العودة لسياسة احتواء كل الأطراف، بدلاً عن الانحياز للطرف الإسرائيلي فقط، فيما لابيد يراهن على اليمين، الذي أقنعه من قبل باستبدال بنيامين نتنياهو بنفتالي بينيت، بحيث يكون قادراً على إقناعه مجدداً باستبدال بينيت به، لذا فهو برفضه اللقاء مع المسؤولين الفلسطينيين يخاطب اليمين، ويقدم أوراق اعتماده له، حتى لا يتجاوز التبديل الطابع الشخصي، ولا يصل لمستوى الانتقال في المواقف السياسية بالتراجع عن عدمية اليمين المتطرفة، والانتقال بالحكومة من اليمين الى الوسط فضلاً عن اليسار بالطبع.