عرب المليحات.. الدفاع المشهود والظهير المفقود!
لطالما شكلت الأغوار بعدا جيوسياسيا مركزيا للمخططات الأستيطانية الأسرائيلية، وخطة الضم الأخيرة التي تستهدف الأغوار ما هي الأ حلقة من ضمن سلسلة طويلة من المشاريع الأستيطانية التي بدأتها حكومة الاحتلال منذ احتلال الضفة الغربية في العام 1967،ولا تزال مستمرة في قضم وتقطيع أوصال الضفة الغربية،وتنتشر التجمعات البدوية في منطقة الأغوار بشكل واسع والأغلبية العظمى من البدو هم لاجئون يعانون ويلات التهجير القسري والتطهير العرقي المستمر منذ عام 1948،ويعيشون بمرارة الحنظل فصول نكبة محدثة وليست لفصولها نهاية،ويثمل ترحيل البدو هدفا أستراتيجيا في منظور حكومة الاحتلال الاسرائيلي،فانتشار البدو في مساحات شاسعة ومتفرقة يعرقل بلا شك تقدم مشاريع الضم المتزايد للمناطق المصنفة(ج)،وقد انتهجت حكومات الأحتلال المتعاقبة سياسات قاسية ومتدحرجة ضد التجمعات البدوية والرعوية،وتلك السياسات قائمة على فكرة استخدام جميع الوسائل لتهجير البدو بما في ذلك العنف المباشر من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين،وسياسة هدم المنازل ومصادرة الممتلكات والحرمان من البنى التحتية والخدمات الأساسية ومنع التوطين والحرمان من خدمات الصحة والتعليم.
وضمن هذه المعطيات الصاخبة فأن مشاريع الضم الجديدة لمنطقة الأغوار استحدثت نموذجا جديدا للأستيطان يتمثل فيما يسمى بالأستيطان الرعوي وهو شكل جديد من أشكال الأستيطان الأستعماري يختلف عن النماذج الأستيطانية الأخرى بكونه يوظف الثروة الحيوانية في التوسع على الأرض والسعي لأثبات ملكية الأرض للمستوطنين وذلك عبر محاكاة(النموذج البدوي الفلسطيني)،ويستهدف المستوطنون مساحات واسعة ومفتوحة من الارض ويسيطرون على ما يفوق اي تمدد طبيعي لأي مستوطنة قائمة،فالمستوطن بقطيع من الأغنام والأبقار يجوب اي ارض فلسطينية تقع عليها عينه وكانه صاحبها ،ثم ما يلبث من ان يقوم بنصب خيمته فوقها ويفرض سيطرته عليها،وكل ذلك يحدث بحماية من جيش الاحتلال الأسرائيلي ،فاسرائيل لم تدخر وسيلة للسيطرة على الارض الا وفعلتها،وكان اخرها هو الاستيطان الرعوي،وتكمن خطورة هذا النوع من الاستيطان بأن المستوطن يثبت اقدامه في اي ارض تصل اليها اغنامه، وهو وسيلة سريعة وسهلة لتهويد الأرض ،ويكون فيه المستوطن هو رأس حربة من خلال قيامه بدور لا تستطيع الحكومة الاسرائيلية القيام به بشكل مباشر،فهو استيطان يبدأ من القاع الى رأس الهرم وليس العكس وتتكامل فيه الأدوار في سبيل الأطباق على الارض الفلسطينية ومدعوم من الحكومة الاحتلالية ومن مجلس المستوطنات.
والمتمعن في الاحداث التى جرت وتجري في منطقة عرب المليحات والتي تقع شمال غرب اريحا وعلى نهاية طريق المعرجات وتحيط بها الجبال من الجهة الغربيةن،ويسكنها البدو منذ العام 1967،وهي منطقة تفتقد لكل مقومات البنية التحتية والخدمات الأساسية ويسكنها ما يقارب(1200)مواطن يعود اصلهم الى صحراء النقب،وتوجد فيها مدرسة اساسية يتلقى فيها الطلاب تعليمهم حتى الصف التاسع الأساسي،وايضا يوجد فيها جامع للصلاة يصلي فيها اولئك المعذبون صلاة يمكن تسميتها بأنها(صلاة الصبر والصمود) متضرعين الى الله ان يمنحهم ارادة البقاء والصمود، في الوقت الذين هم يشعرون بانكشافهم ووحدتهم امام دولة احتلال عنصري وبغيض لا يرحم ،وفي ظل تراخي مؤسسات السلطة الفلسطينية والاحزاب الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية في دعمهم والوقوف معهم،سيجد بان تلك المنطقة والتي تتعرض بشكل يومي لهجوم مبرمج من قبل ثلاثة مستوطنات رعوية مدعومة من جيش الاحتلال الاسرائيلي ومن مجلس المستوطنات، بان هؤلاء المواطنين الفلسطينين يقفون وحدهم كالرماح في وجه غول الاستيطان،وان السلطة الفلسطينية تفتقر لاية خطة استراتيجية لحماية التجمعات البدوية ودعمها في مواجهة الاحتلال والاستيطان ممثل بالاستيطان الرعوي ،فقد نفذ المستوطنين الرعاة وخلال عشرة ايام عدة هجمات متفرقة ومتنوعة ضد عرب المليحات منها مثلا محاولة بعض المستوطنين بتاريخ 25/12/2021 تفتيش منازل السكان هناك، الا ان المواطنين تصدوا لهم بصدور عاررية ولكنها تفيض عزة وشهامة،وهجوم اخر يوم 3/1/2022 حاول فيه المستوطنين سرقة اغنام لمواطن بدوي اثناء رعيها،وهجوم اخر حاول فيه المستوطنين في غياهب الليل احراق بعض البيوت من عرب المليحات،وقد قام المواطنين في تلك المنطقة بتشكيل لجان حراسة لحماية انفسهم وصغارهم واغنامهم ،وقد توجهوا بكتب للسيد محافظ اريحا والاغوار والسيد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان طالبين منهم النجدة وتقديم بعض الدعم اللوجستي لتمكين لجان الحراسة من عملها، الا ان مطالبهم ذهبت ادراج الرياح ولم تجد اذان صاغية وذلك بسبب عدم الاهتمام بقضايا البدو اولا وثانيا لجهل المسؤلون بالوظيفة السياسية التي يقوم بها البدو والتي تتمثل بالدفاع عن الاراضي الفلسطينية،فالمواطنين هناك دفاعهم مشهود وظهيرهم مفقود ومنكشفين تماما امام احتلال كولونيالي ومستوطنين مشبعين بالعنصرية والكراهية،ويشعرون بمرارة الاغتراب والوحدة في في اوطانهم ،ولكنهم مشتبثين بالامل وارادة الصمود والبقاء حتى الموت،فالسلطة الفلسطينية عاجزة تماما ولم ترغب في دعم التجمعات البدوية لمواجهة الهجوم الذي يستهدفهم والذي يهدف الى القضاء على الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة وطمس الهوية الفلسطينية للمكان وخلق واقع ديمغرافي جديد يتفوق فيه اليهود على الفلسطينين .
من الواضح بأن مشاريع الضم الجديدة في حال تنفيذها ستعطي اسرائيل الضوء الأخضر لأفراغ المنطقة من اهلها، واحكام السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية،وبذلك ستكون التجمعات البدوية الاكثر عرضة وهشاشة للتهجير القسري والمستقبل المجهول،ولا شك بأن استهداف البدو الذين يعتمدون اقتصاديا على قطاع الثروة الحيوانية والمعتمد على وجود المراعي سيؤدي بالمئات من العائلات المقيمة بهذه التجمعات الى البطالة والعوز وارتفاع معدلات الفقر،وسيحرم الاقتصاد الفلسطيني من فرص الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالانتاج الحيواني،بالأضافة ان تلك التجمعات البدوية بتواجدها تحافظ على الهوية الفلسطينية للمكان وتعمل على تحقيق ميزة التفوق الديمغرافي الفلسطيني في تلك المناطق، خاصة اذا علمنا بأن البدو تزداد اعدادهم بكثرة لأسباب تتعلق بطبيعة الحياة البدوية وما له علاقة بمفهوم العزوة والعشيرة ،وهذا الامر يجعل قضية التجمعات البدوية قضية سياسية بامتياز ،فاثار عمليات التهجير المستمر لا تتعلق بالبدو فقط ،بل ايضا بمخططات استيطانية تعمل على اعادة ترسمي الحدود بعيدة المدى.
في خضم المشهد السريالي المحتدم والمشتبك بين التجمعات البدوية والمستوطنين من شبان التلال ،نجد بأن الاهتمام المحدود ان وجد اصلا من قبل السلطة الفلسطينية وبعض المؤسسات الدولية الفاعلة في الاراضي الفلسطينية،يركز على البعد الانساني لوضع هذه التجمعات البدوية دون السعي لايجاد حلول سياسية تنطلق من مبدأ السيادة على الأرض بدلا من البحث عن حلول اغاثية لكارثة أنسانية لا تنتهي الا بحل سياسي ،وتركزت تلك السياسات البائسة بتقديم بعض الدعم القانوني وبعض المساعدات الاغاثية وتدخلات خدماتية محدودة الفاعلية، وتدور تلك السياسات في حلقة مفرغة من البناء والهدم وكسب الوقت للمرواغة ،اذ تعمل اسرائيل على باستمرار على اعادة تدمير وتقويض كل المساعدات والبنى التحتية التي تحاول المؤسسات الدولية توفيرها لبعض التجمعات البدوية المنكوبة والمهددة بالتهجير،ويزداد ضعف التدخلات الانسانية مع غياب استراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع قضية البدو انطلاقا من مبدأ السيادة لا الحماية ،وتكمن اشكالية هذا النهج الانساني في التعامل مع قضية التجمعات البدوية والرعوية بانه يعزز بقاء الحال على ما هو عليه ويستسلم للواقع الأستيطاني الذي تفرضه سلطات الاحتلال ،فهو يعمل على ايجاد سبل للتكيف بدلا من التغيير ،ويعمل ايضا علىى عدم تسييس القضية وذلك بابعادها عن السياق الاستعماري في جميع الاراضي الفلسطينية ،أضافة الى ان هذا النهج يحول البدو الفلسطينين الى متلقين للمساعدات وغير فاعلين سياسيا ومفتقرين الى حقهم في تقرير المصير ،كما ويعمل على تهجير واقصاء السكان من المناطق المصنفة (ج) وتهميشهم سياسيا وجغرافيا بصورة عامة.
إزاء تلك الاحداث والمعطيات نخلص الى القول بأن السياسة الأسرائيلية والاحتلالية تجاه البدو وترحيلهم بدأت منذ النكبة في العام 1948،وتصاعدت وتيرتها بعد اتفاقية اوسلو واصبحت اكثر شراسة وبشكل طردي مع زيادة الرغبة في التوسع الاستيطاني ،لذلك فالبدو يواجهون تهديدا وجوديا خطيرا منذ محادثات واي ريفر وباتت اكثر خطورة من اعلان شارون حرب التلال في محداثات وي ريفر الثانية،والهدف من ترحيل البدو هو السيطرة على ظروف التطور الديمغرافي والقضاء على اية امكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا عبر تقطيع اوصال الضفة الغربية وعزلها عن محيطها الخارجي وتحويلها الى معازل وكانتونات تشبه معازل الهنود الحمر،لذلك فالبدو هم خير ترياق ضد سرطان التوسع الاستيطاني وهم في حالة اشتباك يومي ووجودي مع المستوطنين وشبان التلال،لذلك المطلوب اليوم وضع واعداد خطة استراتيجية ووطنية وشاملة ومتكاملة للتعامل مع قضايا البدو باعتبارهم مكون من مكونات الصمود وليست قضية تجمعات سكانية ،وانخراط الشعب الفلسطيني في قضية التجمعات البدوية باعتبار قضيتهم هي هم وطني للجميع والشروع في حملة اعلامية واسعة النطاق للتعريف بالدور السياسي الذي يقوم به البدو في حماية الاراضي الفلسطينية،وتشكيل مجالس قروية مقاومة في اتلجمعات البدوية ذات الكثافة السكانية،وتشكيل الوفود وارسالها للدول العربية والاوروبية للتعريف بقضية البدو وجلب المشاريع لدعم صمودهم ،وضرورة التحرك الدبلوماسي لعرض قضية البدو على المؤسسات الدولية وعقد مؤتمر وطني للتعريف بمشاكلهم ودورهم في مقاومة الاستيطان،وكذلك تقديم الدعم اللازم للجان الحراسة التي تتولى حراسة مضارب البدو ليلا من قطعان المستوطنين السائبة،ودعوة الوفود الرسمية والشعبية لزيارة التجمعات البدوية واطلاعهم على الواقع المأساوي للتجمعات البدوية وتفعيل العمل الجماهيري المقاوم لسياسات الاحتلال في المضارب البدوية ،ربما تسلبني اخر شبر من ترابي، ربما تسطو على ميراث جدي،من اثاث واوني وخوابي، ربما تحرق اشعاري وكتبي، يا عدو الشمس لكن، سأقاوم، سأقاوم، سأقاوم، على ما قال الراحل سميح القاسم .