حدث ذلك يوم أربعاء!
مقالات

حدث ذلك يوم أربعاء!

هل كانت السيدة الشاعرة الجميلة (ش) تناكفني وهي تبحث في شوارع رام الله عن الملامح البشرية الأقرب لقلبها، أم كانت تتحدث بما ينبض قلبها من هواجس وطموح؟!، ولم أكن أنا بحاجة للبحث عن الملامح البشرية الأقرب لقلبي، فقد كانت هذه الملامح تمشي معي تلك اللحظة، كنّا نمشي في شارع ركب، أتذكّر تاريخ ذلك اليوم الموجع تماماً، ٢-٦-١٩٩٦، كان يوم أربعاء، أتذكّر الساعة والدقيقة والطقس والأجواء السياسية، وأتذكّر أن محل الحجل للبصريات لم يكن قد فتح فرعاً داخلياً فيه لمعاملات الهوية ولم الشمل (والممغنطة)، وأتذكّر أنّ عامل محل ورد الكردي الذي كان محل حمص شهير قبل ذلك، كان يفتح المحل لحظتها، ويتبادل النكات بصوت عالٍ مع مروان الجعبة صاحب مكتبة الجعبة.
 توقفتْ على الرصيف أمام محل (نوفتيه)، كان يقف أمامه شاب طويل، نظرتْ طويلاً إلى الشاب، شهقتْ، وقفزتْ من فمها هذه الكلمات: (أريد شاباً مثل ذلك الشاب، هذا الشاب)، افتعلتُ ضحكةً حاولتُ أن أُدخلَ فيها قليلاً من المرح، ولا أعرفُ إن كانت قد كشفتها بها أم لا، مضينا معاً، انتهى ذلك اليوم بعشاء خفيف في (زرياب)، انضمّ إلينا فيما بعد أربعة  أصدقاء شعراء وصحافيين، وظلت الجملة الموجعة تقفز في داخلي:
 (أريد شاباً مثل ذلك الشاب، هذا الشاب).
خمس وعشرون سنة مضت، غادرت (ش) إلى مدينتها البعيدة، لكنّ جملتها المرعبة لم تغادر داخلي:
 (أريد شاباً مثل ذلك الشاب هذا الشاب)، علمتُ أن (ش) تزوجتْ، وأنجبتْ أولاداً كثيرين، وعلمتُ أنها تركت الشعر، وصارت مديرةً لمؤسسة نسوية، وحين كانت تتصل بي وتطمئن على  أخباري، وأخبار الأصدقاء، كانت تتكلّم في أشياء كثيرة، ولكنّي لم أكن أسمع في صوتها سوى جملة واحدة: (أريد شاباً مثل ذلك الشاب، ذلك الشباب).
ما لا تعرفه العزيزة (ش) أن ذلك الشاب صار صديقاً لي فيما بعد، كنت أكنّ له إعجاباً خاصاً بتأثير إعجابها به، كانت صداقة طبيعية جداً جاءتني في سياق طبيعي، فقد أحضر ابن أخيه إلى مدرستي، كان ابن أخيه ذكياً جداً، ومبدعاً في الكتابة، ومن خلال ابن أخيه وزياراته المتكررة للمدرسة، صار هذا الرجل صديقي، وعلمتُ منه أنه يكتب القصة القصيرة، انضم معنا إلى نادي القصة القصيرة، وصار كاتباً مشهوراً.
لم يتزوج هذا الشاب أبداً مثلي تماماً، والمشهد الذي صعق قلبي وجمّد دمي، كان حين مشيتُ معه مرة في شارع ركب قريباً من محله، عزمني على فنجان قهوة، دخلت معه إلى المحل، جلسنا هناك نتحدث حول أشياء كثيرة، دخلت امرأة فاتنة في الأربعين، ساومته على فستان قصير، ركض إليها، أعطاها الفستان بنصف الثمن، سألته: هل تعرفها؟
-لا.
 إذاً، ما سرّ هذا الاندفاع تجاهها؟، فصعقني:
(زياد، أريد امرأة مثل هذه، مثل هذه).

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.