«المركزي» و«المركزية»: السياسة والتنظيم
لولا إعلان عدد من الفصائل الفلسطينية مقاطعتها لأعمال المجلس المركزي المنوي عقده، مطلع الشهر القادم، ولولا اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح قبل يومين الذي أعلن عن اتخاذ قيادة الحركة عدداً من القرارات التي تتعلق بعضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة مجلسها الوطني، لما تذكر الكثيرون لا موعد انعقاد المجلس الذي كان مقرراً يوم أمس، ولا من سيحضر جلسته أو من سيقاطعها من فصائل.
والحقيقة التي لابد من ذكرها بكل بساطة في هذه المناسبة، هي أن اجتماعات المجلس المركزي لم تكن دائما تنال الاهتمام الكبير، ذلك أن اجتماعات المجلس الوطني هي التي كانت تملأ الدنيا وتشغل الناس، والتي وإن كانت لا تنعقد بشكل عادي سنويا، كما نص نظامه الأساسي ولائحته الداخلية، والذي كان يعتبر أعلى سلطة في «م ت ف» التي كانت تعتبر بدورها دولة فلسطين في المنفى، هي التي كانت محط اهتمام القاصي والداني من فلسطينيين وعرب وغيرهم.
لكن مع ظهور السلطة قبل ثلاثة عقود، ظهر المجلس التشريعي كمنافس للمجلس الوطني، أو حتى كبديل له، مقابل ظهور حكومة السلطة كبديل عن اللجنة التنفيذية، وحتى في الوعي العام، صار هناك تداخل بين المؤسستين القياديتين الفلسطينيتين، وتكفي هنا الإشارة إلى أنه بالمجمل عقد المجلس الوطني 22 دورة منذ تأسيسه العام 1964 حتى الآن، منها دورتان فقط خلال عهد السلطة واحدة العام 96 عقدت في غزة، والثانية كانت استثنائية عقدت برام الله العام 2009.
وبقي الأمر عند حدود المنتصف، ذلك أن السلطة لم تصل إلى الهدف المنشود من تشكلها وهو أن تتحول إلى دولة، ولو كان الهدف قد تحقق، لكانت دولة فلسطين المقامة على الأرض الفلسطينية، ستعني حلا تلقائيا لكل من السلطة والمنظمة، لكن لأن ذلك لم يحدث بقيت كل من السلطة ومنظمة التحرير، بشكل غير لائق، وكانت كلتاهما قد تشكلت من أجل تحقيق هدف إقامة الدولة، لذلك فإن بقاء الهيكل السياسي متجاوزا وقته دون تحقيق هدفه الذي أقيم من أجله، لا بد أن تتخلله مظاهر العجز والضعف والترهل، ولم يتوقف الأمر عند حدود بقاء السلطة تعتمد على الدعم الخارجي، ولا بقاء المنظمة عند حدود عدم التجديد والتفعيل فقط، بل يمكن فقط تصور أن عضوية مجلسها الوطني لم تتغير منذ عقود!
وقد أبقت القيادة الفلسطينية على «م ت ف»، ولو كعنوان أو كهيكل شكلي إلى حدود ما، بدافع سياسي، وهو أن يكون هناك عنوان سياسي وإطار قيادي للشعب الفلسطيني، في حال الإطاحة بالسلطة، إن كان بفعل ذاتي، كما هددت القيادة مرارا، أو بفعل معاد، وذلك حتى لا يجد الشعب الفلسطيني نفسه، في لحظة ما مشتتا سياسيا، لكن ولأن الوقت لا يرحم، ولابد من التوقف أمام استحقاقاته، فإنه ما كان ممكنا الاستمرار في تجاهل بعض المتغيرات التنظيمية على الأقل التي طرأت على مؤسسات «م ت ف»، خاصة لجنتها التنفيذية.
وأهم تلك الاستحقاقات، هو الوفاة الطبيعية لبعض أعضائها، حيث اعتادت الفصائل الممثلة فيها أن تقوم بتعيين عضو منها كبديل عمن يتوفاه الله من ممثليها، وقد حدث هذا آخر مرة عند وفاة الدكتور صائب عريقات العام 2020، والذي كان يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لـ «م ت ف»، منذ العام 2015 حتى ذلك العام، دون أن تقدم حركة فتح على تعيين عضو آخر في اللجنة التنفيذية، فضلا عن تعيين أحد أعضائها في اللجنة المذكورة في منصب أمين السر، والذي يعتبر المنصب الثاني في الأهمية بعد رئيسها.
وبالطبع لا يمكن القول، إلا أن السبب في ذلك كان يعود إلى عدم الاتفاق الداخلي حول ذلك البديل، وإن كان المرشح الأبرز لمنصب أمين السر هو عزام الأحمد، عضو اللجنتين المركزية في فتح والتنفيذية في «م ت ف».
لكن تقديم سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني منذ عقود، ولأسباب لها علاقة بالتقدم في السن مؤخرا استقالته من رئاسة المجلس، فرض على قيادة فتح، الإسراع في اتخاذ عدد من القرارات التي يسهل اتخاذها معا، عليها اتخاذ القرار المناسب، وهكذا أعلن قبل يومين عن القرار المتعدد البنود والذي يشمل ترشيح كل من روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني، كذلك ترشيح حسين الشيخ عضو مركزية فتح لعضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة.
ما لفت الانتباه هنا، هو موقف الجبهة الشعبية الذي استكثر على فتح تسمية مرشحها لرئاسة المجلس الوطني، ورغم أن النظام الأساسي واللائحة الداخلية لـ»م ت ف» لا تشترط عضوية المرشح لرئاسة المجلس الوطني أن ينتمي لفصيل بعينه، وكان من قبل خالد الفاهوم، وبعده الشيخ عبد الحميد السائح رئيسين للمجلس الوطني، دون أن يكونا من فتح، لكن وبحكم حجم فتح، ولأنه من حقها كأي فصيل وحتى كأي مستقل أن ترشح من تراه مناسبا للمنصب، فقد اتخذت ذلك القرار، وفقا للتقليد، أما «الشعبية» فإنها وفقا للتقليد المتعلق بالتوافق الداخلي - حيث كانت تجري، منذ المجلس الوطني التوحيدي السادس عشر الذي عقد بالجزائر العام 1987، تسمية رئيس ونائبي رئيس المجلس الوطني بالتوافق - اعترضت على قرار مركزية فتح، لأنها منذ 35 سنة، حازت الشعبية على منصب نائب رئيس المجلس الوطني بالتوافق، وهي بذلك تريد من خلال اعتراضها، رغم أنها أعلنت مقاطعتها لاجتماع المجلس المركزي، أن تحتفظ بعضوية نائب رئيس المجلس الوطني الذي كان يشغله تيسير قبعة قبل وفاته قبل عدة سنوات.
المهم أنه إذا كان يمكن ملء موقع عضو اللجنة التنفيذية الشاغر بعد وفاة عريقات، وحتى تسمية أمين سر اللجنة التنفيذية، من خلال اجتماع المركزي، فهل يمكن للمركزي أن يقوم بانتخاب رئيس المجلس الوطني ؟ نعتقد أن ذلك غير ممكن لأن انتخاب رئيس ونواب رئيس المجلس الوطني يجب أن يتم في دورة انعقاد المجلس الوطني، أي أن استقالة الزعنون تفرض عقد دورة حتى لو كانت استثنائية للمجلس الوطني، وعدم الاكتفاء بعقد دورة المجلس المركزي.
الموضوع يبدو معقداً، رغم عدم أهميته كثيراً، ذلك أن عقد دورة مجلس وطني تعني إما تكريسا نهائيا للانقسام، أو وضع حد له، وفي الحالتين، ما زال الشعب الفلسطيني مرهونا بمصيره ومستقبله لفصائل شائخة ومترهلة، ما زالت تحتفظ بهياكل تنظيمية قديمة تقف حائلا آخر على طريق انعتاق وتقدم الشعب الفلسطيني نحو مستقبل أفضل.