الإدارة أشبه ما تكون بالأبوة والأمومة
قد يسأل البعض أيهما أسهل تربية ورعاية الأبناء أم إداره منظمة أو مؤسسة؟ هل الأبناء بحاجة إلى عناية واهتمام أكثر من اهتمام الاداره بالعاملين في المنظمة أو المؤسسة؟ لاشك أن الاطفال بحاجة إلى رعاية واهتمام أكثر من الشباب. ويعتمد الاطفال على والديهم وقد لا يظهروا الامتنان بشكل صريح. بالتأكيد يوجد قواسم مشتركه بين إداره المؤسسه وإداره الأسرة من حيث التخطيط و التنظيم والتوجيه والاتصال والتحفيز والرقابه مع ضروره توفير بيئه عمل وبيئه أسريه ملائمة.
ليس من الضروري ان تكون احد الوالدين حتى تكون مديرا جيدا. وما تناولته في مقالتي هذه هو تشبيه البيت بالمؤسسه والابناء بالعاملين والعكس صحيح حيث ان المؤسسه تشبه البيت والعاملين هم الابناء.
ماهي اوجه الشبه بين الاداره والابوه والامومه ؟
اولا. الانضباط. سواء كنت مديرا في مؤسسه اوابا جالسا مع باقي افراد الاسره فمن المهم متابعه الافراد والابناء والتاكد من التزامهم بالتوجيهات والتعليمات والقواعد التي وضعتها. بصفتك ابا او اما حتما قد تجد ان احد افراد الاسره يسئ التصرف وبالتالي مخالفا التعليمات والارشادات.نفس الشي قد يحصل في المؤسسه فتجد على سبيل المثال بعض العاملين يسيؤؤا التصرف وبالتالي ترى ضروره اتخاذ اجرأت واسقاط عقوبات.افساح المجال للعامل في المؤسسه لمخالفه الانظمه والتعليمات يخلق حاله من الفوضى والارباك داخل المؤسسه مما يؤثر على الاداء وسير العمل وسمعه المؤسسه.نفس الشي ينطبق على الاسره فاساءه التصرف من قبل احد الابناء سيحدث بعض المشاكل مما يتطلب من ولي ألامر التدخل واتخاذ اجراأت تصحيحيه و قد يتطلب ذالك خسائر ماديه ومعنويه انت في غنى عنها كما وان اساءه التصرف من احد الابناء قد يشجع الابناء الاخرين على اساءه التصرف ايضا سواء داخل الأسره او خارجها.
ثانيا. المحاسبه والمساءله .التزام وانضباط الابناء وتحمل المسؤؤليات من الصفات التي يسعى اولياء الامورالى غرسها في اذهان وعقول ألابناء.الامركذالك ينطبق على العاملين فتجد المديريحرص على اختيار الموظف المناسب بأن يكون على قدرعال من المسؤؤليه.كما من الصعب ان يتحلى العامل او الموظف بالنزاهه خاصه اذا انحدر من اسره و بيئه فاسده بعيده عن الاخلاق.الأبناء منذ الصغر يتعلمون النظام والانضباط والاخلاق من أولياء الامور وبالتالي ارى من الضروي مدح الابناء وشكرهم كلما كان ذالك ممكنا. وبالتالي قد يلجآ اولياء الامور الى استخدام محفزات او اللجوء العقوبات لترسيخ القيم والمبادئ لدى ابنائهم .كما وقد يلجأ ولي الامرالى اتخاذ عقوبات في حال قصر الابناء وخالفوا التعليمات مثل حرمان الابن او الابنه من الموبايل او قياده السياره في حال عدم التزامهم بتنظيف غرفهم اوالتأخر عن العوده للمنزل في الوقت المحدد مثلا.هذه نتائج طبعا سببها عدم الالتزام بالتعليمات والقواعد وبالتالي ضروره شعور الابناء باهميه الالتزام بها.وينطبق الامر كذالك على مدير المؤسسه حيث يقع على عاتقه تحديد الاهداف بوضوح وقد توضع الاهداف بشكل مشترك بين الاداره والعاملين"الاداره بالاهداف" مع التحذير من النتائج المترتبه في حال تم عدم الالتزام بتحقيقها.
الكذب و القاء اللوم على الاخرين موجود في المؤسسه والاسره. على صعيد الاسره قد توجد بيئه عدم الثقه.وعلى صعيد المؤسسه فان تحديد الصلاحيات وتحميل المسؤليات والالتزام بالمبادئ كالنزاهه والمصداقيه من الامور الحسساسه والمهمه لانجاح عمل اي مؤسسه. ولكن من الضروري ان نتذكر ان العاملين مثلهم مثل الابناء يقلدوا مايشاهدون. وعليه من المهم بان يقوم المدير بتعزيز نظام المساءله والمحاسبه.
ثالثا. اتخاذ القرار.هنالك عده أنماط لاتخاذ القرار سواء على صعيد المؤسسه او الاسره . يتوقف اتخاذ القرار على صعيد الاسره على عده امور منها طبيعه وخطوره وتوقيت وتكلفه القرار والمستوى العلمي والمهني لمتخذي القرار وكذالك المتأثرين من القرار والمستفيدين منه بشكل بشكل مباشر.
رابعا. ألمدح والثناء. الابناء و العاملين بحاجه الى التغذيه الايجابيه الراجعه. التعزيز الايجابي يعطي الابناء الثقه بقدراتهم مما يعزز لديهم الثقته بالنفس. الثقه بالنفس تتحقق من خلال الدعم والتوجيه الايجابي الذي يرافقهم في الكبر. كما وعلى المدراء ايضا مسؤؤليه تعزيز وتدعيم العاملين مما يشعرهم بالثقه وتحمل المسؤؤليه من خلال التغذيه الايجابيه الراجعه من قبل المدير.شعور المدير بدعم العاملين لقراراته يشعر العاملين بالاعتزاز بقدراتهم ودورهم في انجاح المؤسسه كما ويشعر المدير بالتزام العاملين بالتعليمات والقرارات الصادره عنه.
خامسا. الاحترام والتقدير. الاحترام والتقدير من الامور الهامه داخل داخل الاسره والمؤسسه. احترام الاب لابنه والمدير للعامل يوجد حاله من الاحترام والتعاون المتبادل بين الاطراف وينمي حاله التعاون والتنسيق الايجابي بين الاطراف مما يشجع على الانتماء وزياده الانتاج وتحسين جوده الاداء. على صعيد الاسره فان الاحترام يحفز السلوك الايجابي ويعزز من الثقه بالنفس. احترام العامل لمديره يمكن العامل من اكتساب المزيد من الخبرات والمعارف وبالتالي المزيد من التعاون والفرص التدريبيه وبيئه عمل ايجابيه.احترام الاطفال للابوين يجعلهم اكثراستماعا وبالتالي الاستجابه الافضل مع التاكيد على ان الاباء لديهم قدره أعلى على اتخاذ قرارات صائبه لمصلحه الابناء.
سادسا.ضبط النفس .على صعيد الاسره والمؤسسه يوجد فترات وحالات من عدم التعاون والانسجام وحالات من الصراع والاختلاف داخل المؤسسه و الاسره. وبالتالي مهاره ضبط النفس من قبل المدير وولي الامر مطلوبه.جلوس الاب مع الابناء ومناقشه وتوضيح بعض الامور بشكل هادئ بعيدا عن الصراخ أمر في غايه الاهميه.قد لا يستجيب الافراد والابناء بشكل عام لحالات الصراخ والتوبيخ ولجوء بعض الاطراف الى القسوه في حل الخلافات بين العاملين اوبين الابناء الا ان هذا الأسلوب في معالجه المشاكل قد لا يعطي نتيجه في الغالب.الاستماع للاطراف والتعرف على وجهات نظرهم بشكل هادئ من اكثر الطرق ايجابيه في حل الخلافات كما وان ضبط النفس وعدم الانفعال من قبل المديراو ولي الامريعطي نتائج افضل.
سابعا: الالتزام. كمدير او ولي أمرمن الضروري ابداء الالتزام من خلال ربط القيم بالافعال. من الضروري تعزيز ثقافه التغذيه الراجعه وبالتالي ليس من المقبول الانفعال والغضب في حال تقدم موظف او ابن بملاحظه او انتقاد.على الابوين قضاء الوقت الكافي مع الابناء والالتزام بالوعودات مثل ترفيه البناء واصطحابهم الى المتنزهات او التسوق او الاكل في المطاعم بدلا من تركهم لقضاء اوقاتهم مع الاصدقاء كما وعلى المدراء ايضا ابداء الاهتمام بالعاملين من خلال عقد لقاءات دوريه معهم والاستماع لهم ودعوتهم ومشاركتهم في المناسبات.
ثامنا. التوافق.قد يستمتع ويتشجع الابناء للعب كره القدم مثلا في حال وجود وتشجيع الاباء.وبالتالي على الاباء اظهار الاهتمام و الحماس والتشجيع للابناء مما يجعلهم يشعروا بالاهتمام بالاهميه وتقدير الاباء.بالتاكيد قد يتفهم الابناء ويقدروا انشغالات الاباء في الرد على الايميلات على الهواتف النقاله احيانا وبالتالي ارى ان اداره الوقت بشكل جيد من قبل المدراء والأباء عامل مهم. غياب المديرمثلا في اللحظه الاخيره عن اجتماع حدد مسبقا مع العاملين بسبب انشغاله وتأجيل ولي الأمرالذهاب للعشاء مع العائله في احدى المطاعم كما وعد بالتأكيد سينعكس سلبا على العاملين والاسره على السواء مما يشعرهم بانهم ليسوا ذات قيمه او أولويه. وعليه ارى ان الكفايه والفاعليه في اداره الوقت عامل مهم واساسي في دعم وتعزيز الثقه والعلاقه بين العاملين والمدير وبين اولياء الامور والابناء.
تاسعا :العواقب والنتائج . يقع على عاتق المدراء وأولياء الامور دورمهم في تعليم العاملين والابناء وتوجيههم . كما وعلى المدير توجيه العاملين وتحديد الصلاحيات والمسؤؤليات و اتخاذ اجراأت تصحيحيه مع اجراء تقييم دوري للأداء كما وعلى الابوين ايضا تحفيز وتشجيع الابناء على القيام بالمهام والواجبات الموكله اليهم كالواجبات المدرسيه مثلا حتى يتمكنوا من الذهاب في الرحله التي وعدوا بها.كما ولا بد من التأكيد على ان على المديروالابوين مسؤؤليه تسخير كل ما هو ممكن للعاملين والابناء لتمكينهم من القيام بالمهام والواجبات الموكله اليهم.
عناصر الالتزام والثبات والمكافأت والعقوبات مهمه لانجاح عمل المدراء والابوين. هذا وأكدت الدراسات وجود تشابه الى حد كبير بين الاسترتتيجيات الناجحه المتبعه من قبل المدراء والاستراتيجيات المتبعه من قبل اولياء كما واثبتت الدراسات امكانيه تطبيق الانماط القياديه المتبعه في اداره المنظمات على الاسره. من الاستراتيجيات المتبعه اتخاذ اجراأت بحق العاملين المقصرين كالوصول الى العمل متاخرا باستمرار ونشر الاشاعات. عدم اتخاذ اجراأت بحق العامل في هذه الحاله يجعل من السهل على العاملين الاخرين تقليد هذا السلوك وينطبق ذالك على الأبناء.فمن الضروري اتخاذ اجراأت تأديبيه بحق الابناء المقصرين والذين يسيؤؤا التصرف. من المؤسف ان الممارسات مثل الكذب وعدم اعطاء الحقيقه والقاء اللوم على الاخرين من الممارسات الشائعه في العمل والاسره معا وبالتالي زراعه جذور الخوف وعدم الثقه. عدم اتخاذ اجراأت تأديبيه بحق المخالفين والمقصرين يشجع العاملين والابناء الاخرين على ممارسه ذالك السوك كما وعلى أولياء الاموراستخدام طرق مختلفه في التعامل مع الأبناء في ظل العيش في بيئه معقده وعالم سريع التغير.
من الممارسات العمليه التي يتوجب على المدراء تطبيقها في مكان العمل والتي تنسجم تماما مع الاستراتيجيات المتبعه مع الابناء استراتيجيه الهيليوكوبتر والتي من خلالها يحوم المديراو الأب حول العامل اوالابن وينقذه من أي مشكله قد يتعرض لها ولا يستطيع حلها بمفرده مما يمكنه من انجاز المهام في الوقت المحدد وبالطريقه التي يريدها المدير اوالاب. من الاستراتيجيات الاخرى المتبعه الاستراتيجيه الاوتوقراطيه الدكتاتوريه والتي من خلالها يوصل المديراو ولي الامر رساله للعامل او الابن بانه ليس بامكانه حل المشكله بمفرده دون تدخل المديراو الاب وبالتالي تعالج الامور بالطريقه التي يريدها المديراوالاب خاصه وأنهم مسؤؤلون بشكل مباشرعن النتائج التي تتمخض عنها قراراتهم .هذا بالاضافه الى استراتيجيه المستشار والتي من خلالها يقدم المديرأو ولي الأمر الخيارات للعامل او الأبن في حال عدم قدرته على اتخاذ القرار بمفرده مع اظهار حاله من التعاطف معه خاصه اذا كانت النتائج سلبيه.هذا وتعتبر استراتيجيه المستشار الافضل في التعامل مع العامل أوالأبن كون هذه الاستراتيجيه تتيح للعامل أو الأبن تحديد الخيارات واختيار البديل الافضل من بين البدائل.
عاشرا: التحفيز
يقدم المدير المكافأه والشكر للموظف على قيامه بعمل خارق ومميز وبالتالي لا اوصي الابوين بتقديم الثناء والمدح وحتى المكافأه الماديه للابناء كحافزوتشجيع لهم على القيام بمزيد من الاعمال المميزة مما يستحق الشكر والثناء.
في النهايه اود التوضيح انك لست بحاجه لان تكون أحد الوالدين حتى تكون مديرا ناجحا ولا أقصد من خلال مقالتي تشبيه العاملين بالاطفال كما وأود التاكيد على ان الابوه والامومه كالاداره تتطور باستمرار باختلاف الظروف الداخليه والخارجيه كما وان بالامكان ان تتعلم الكثير حول الاداره من الابوه والامومه.
هذا ما اردت ان اوصله من خلال مقالتي وبالتاكيد هناك العديد من الكتب والابحاث المتعلقه باداره الافراد وتربيه الأبناء والعلاقه بينهما وعليه ارى ان اداره المؤسسه او الأسره علم وفن وليس بمقدور الجميع ان يحقق ذالك بالشكل المثالي المطلوب.
*عميد كليه التمويل والاداره\ أستاذ الاداره والسلوك- جامعة الخليل