خطاب "دولة الفصل العنصري" والعودة إلى المربع الأول
مقالات

خطاب "دولة الفصل العنصري" والعودة إلى المربع الأول

يُعتبر تقرير منظمة العفو الدولية ("آمنستي")، الذي أقرّ بأن إسرائيل بالحدود التي يسيطر عليها جيشها، من البحر إلى النهر، هي دولة فصل عنصري "أبرتهايد"، الثالث من نوعه الذي يصدر عن منظمة حقوق إنسان تعتمد على دراسة شاملة لطبيعة ممارسات إسرائيل السياسية والعسكرية على مدى الجغرافية والتاريخ، وتصنّفها نظام "أبرتهايد" يمتدّ من البحر إلى النهر، ولكنّه يتميّز في كونه يستند أساسا إلى "هبّة أيّار" باعتبارها نموذجًا لوحدة حال الجماهير الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر، "التي خرجت فيها الجماهير الفلسطينية استجابة لمظاهرات العائلات في الشيخ جراح، دعمًا لتلك العائلات واحتجاجا على ما يعانونه بشكل مشترك من الشرذمة والعزل ونزع الملكية"، كما جاء في التقديم للتقرير.

وجاء في مقدّمته أنّه "في 18 أيّار/مايو 2020 ، أغلق الفلسطينيون في مختلف المدن والقرى في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة المحتل مكاتبهم ومحالهم ومطاعمهم ومدارسهم، وتركوا مواقع البناء، ورفضوا الذهاب للعمل طوال اليوم. وفي مشهد لإظهار الوحدة لم يسبق له مثيل على مدى عقود، تحدى الفلسطينيون شرذمة الأراضي والعزل اللذين يواجهونهما في حياتهم اليومية، وانخرطوا في إضراب عام احتجاجا على القمع المشترك الذي يعانون منه على يد إسرائيل."

ولدى استعراضه لردة فعل إسرائيل على الهبة يورد التقرير، "رَّدت قوات الأمن الإسرائيلية على المظاهرات بالقوة المفرطة نفسها التي دأبت على استخدامها لقمع المعارضة الفلسطينية على مدى عقود، فقبضت بصورة تعسّفية على متظاهرين سلميين، وألقت قنابل يدوية صوتية وقنابل الصعق اليدوية على الحشود، واستخدمت القوة المفرطة ومياهًا مركَّبة كريهة الرائحة لتفريق المتظاهرين، كما أطلقت قنابل ارتجاجية يدوية على مصلين ومتظاهرين تجمعوا في ساحات المسجد الأقصى".

ما أردنا قوله إن الداخل الفلسطيني يقع في صلب تقرير "آمنستي"، الذي يصنّف إسرائيل دولة "أبرتهايد"، بل وفي صلب تقارير منظمات حقوق الإنسان الثلاث التي خرجت بهذا الاستنتاج، حيث سبق وأشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، مارست تمييزا منهجيًّا ضدّ الفلسطينيين وانتهكت حقوقهم داخل حدود الدولة ما قبل 1967"، فقد رفضت السماح للفلسطينيين بالوصول إلى ملايين الدونمات من الأراضي التي صودرت منهم"، كما أنّها "حرمت عشرات آلاف الفلسطينيين في منطقة النقب، العيش بشكل قانوني في المجتمعات التي عاشوا فيها على مدى عقود".

ويسلّط التقرير المذكور الضوء على التمييز في نظام المواطنة الإسرائيلي القائم على مسارين منفصلين، حيث يحتوي "قانون المواطنة الإسرائيلي" لسنة 1952، كما ورد، مسارا منفصلا مخصّصا لليهود بشكل حصري، ويمنحهم الجنسية بشكل تلقائي، وهو منبثق عن "قانون العودة" لعام 1950، الذي يضمن لليهود الذين يحملون جنسيات أخرى حق الاستقرار في إسرائيل. في المقابل، فإن المسار الخاص بالفلسطينيين يربط الحصول على المواطنة بإثبات الإقامة قبل 1948 في المنطقة التي أصبحت في ما بعد ضمن دولة إسرائيل، ووجود اسم الشخص في سجل السكان حتى العام 1952، وحضوره الدائم في إسرائيل أو دخولها بشكل قانوني في الفترة بين 1948 و1952.

بالمثل، يعود تقرير "آمنستي" هو الآخر إلى "أصل الحكاية" المتمثل بإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 كـ"دولة يهودية" ومناشدة كل يهود العالم بالهجرة إليها وكيف كفل لهم ذلك قانون العودة، الصادر عام 1950 وقانون المواطنة عام 1952، في حين لم تكفل قوانين إسرائيل الحق في المساواة للمواطنين العرب، وكذلك ظل مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، الذين هجروا خلال النزاع من عام 1947 إلى عام 1949، ممنوعين من العودة إلى ديارهم.

ويشير إلى تبلور جوهر نظام القمع والهيمنة على الفلسطينيين بوضوح في قانون (الدولة القومية لليهود في إسرائيل) "قانون القومية" لعام 2018، الذي رسّخ مبدأ أن "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأن الحق في تقرير المصير يقتصر على "الشعب اليهودي".

ويبيّن التقرير أنّ نظام للفصل العنصري، الذي أنشأته إسرائيل يقوم على القمع الممنهج للفلسطينيين والهيمنة الممنهجة عليهم مؤسسيًّا وأدامَتْهُ، وهو نظام ُيفرض في شتى أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال تعزيز القوانين والسياسات والممارسات التي تتسم بالتمييز المجحف. ويتبين، عند النظر إليه، بمجمله، أنّه يسيطر على كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين، وينتهك حقوقهم الإنسانية بشكل معتاد.

ويتبيّن، كذلك، أنّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أنشأت نظام الفصل العنصري هذا وحافظت عليه على مدى عقود في شتى أنحاء الأراضي التي سيطرت عليها، بغض النظر عن الحزب السياسي الحاكم في ذلك الوقت. وأخضعت إسرائيل فئات فلسطينية مختلفة لمجموعات متباينة من القوانين والسياسات والممارسات، التي تتّسم بالتمييز المجحف والإقصاء في أوقات مختلفة، مستعينة بالمكاسب التي حقّقتها على مستوى الأراضي، أوّلًا في 1948 ثم في عام 1967 عندما ضمت القدس الشرقية، واحتلت بقية الضفة الغربية وقطاع غزة.

كما يؤكد أنّه وعلى مدى عقود، شكّلت اعتبارات إسرائيل السكانيّة والجغرافية السياسية جوهر السياسات المتبعة إزاء الفلسطينيين في كل من هذه المناطق، وأنّه وبرغم إن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي يتبدّى بأشكال متباينة في المناطق المختلفة الواقعة تحت سيطرة إسرائيل الفعلية، فإنّ له في كل الحالات الغرض نفسه وهو قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم لمنفعة الإسرائيليين اليهود، الذين يتمتّعون بامتيازات بموجب القانون المدني الإسرائيلي، بغض النظر عن المكان الذي يقيمون فيه.

وأنّ هذا النظام صمم للحفاظ على أغلبية يهودية ساحقة تتمتع بإمكانية الوصول والاستفادة من أكبر قدر ممكن من الأقاليم والأراضي التي تم استحواذها أو السيطرة عليها، مع فرض قيود على حق الفلسطينيين في الطعن في نزع ملكية أراضيهم وممتلكاتهم، ويُطبَّق هذا النظام على الأقاليم والأراضي أو على كل مكان تسيطر فيه إسرائيل فعليا لمنع ممارسة الفلسطينيين لحقوقهم. وهو يتحقق في القانون والسياسة والممارسة العملية، وينعكس في خطاب الدولة منذ إنشائها وحتى اليوم.

وبدون شك، فإنّ هذا الخطاب تجاه إسرائيل هو بمثابة بداية فكاك من خطاب الدولة التي تحظى بالاعتراف والشرعية الحقوقية في حدود 67، ولكنّها تحتل أراضي فلسطينية وعربية، هي مطالبة بالانسحاب منها لإتاحة الفرصة للفلسطينيين لإقامة دولتهم، وهو يساهم في وضع علامات سؤال كبيرة ومن قبل منظمات دولية تتمتع بمصداقية حقوقية عالية حول شرعية إسرائيل ضمن أي حدود، باعتبارها دولة فصل عنصري، وهي بذلك تعيد العربة إلى ما وراء الحصان باعتبار احتلال 67 نتيجة لطبيعة إسرائيل الاستعمارية التوسعية القائمة على التفوق العرقي وليس سببا، وأنّ المطلوب التعامل مع السبب.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.