«أمنستي» توفر وسائل فعّالة للحدث
الفلسطينيون أكثر من يتفهم عمق المأساة التي ألمّت بعائلة الطفل المغربي ريان، ذلك أن هناك آلاف الأطفال والنساء والشباب الذين يشبهون بهذا الشكل أو ذاك الطفل المرحوم ريان.
مأساة هذا الطفل أشعلت منصّات التفاعل الاجتماعي على طول المنطقة العربية وعرضها، خلال خمسة أيام وبعد الإعلان عن وفاته، وتجنّدت وسائل إعلام وفضائيات كبرى لمتابعة وتغطية الحدث المؤلم، وكأن ذلك الحدث خلق انتفاضة إنسانية، وصحوة ضمير غير مسبوقة، لا ترقى إليها أي صحوة، بالرغم من المآسي الموجعة التي تنقلها الفضائيات عن أطفال اليمن، وسورية، وفلسطين، ولبنان، وليبيا، ومشاهد الغرقى من المهاجرين الهاربين من الجوع والفقر والقهر.
مأساة الطفل ريان تزامنت مع إعلان منظمة العفو الدولية تقريرها الخطير والمهم الذي يتعلق بوصف إسرائيل كدولة فصل عنصري لكن حجم ونوع التفاعل والاهتمام بذلك التقرير لا يرقى أيضاً إلى مستوى التفاعل مع مأساة الطفل.
التقرير الذي صدر بعد أربع سنوات من التحقيق الذي أجرته المنظمة الدولية، وأعلنت عنه من القدس يوم الثلاثاء المنصرم، الأمين العام للمنظمة أنياس كالامار، يشكل نقلة في نظرة المجتمع الدولي إزاء طبيعة المشروع الصهيوني من أساسه، لكونه لا يحصر الممارسات العنصرية بالأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وإنما يشمل كل ممارسات الدولة الإسرائيلية على كل أرض فلسطين التاريخية.
التقرير ذو بعد حقوقي وقانوني وإنساني، ويصدر عن منظمة تابعة للأمم المتحدة، ويستند إلى معاييرها وقراراتها، بالرغم من فعالية الدور الذي تلعبه القوى الداعمة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ليس الإعلام العربي فقط من تجاهل إعطاء هذا التقرير الأهمية التي تستحق، فلقد غابت مواقف الرسمية العربية وكأنها غير معنية، أو لكأن التقرير يضعها في حالة حرج سياسي وأخلاقي فيما تستقبل عواصم عربية مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين، ويستقبلونهم بحفاوة بالغة، ويعقدون معهم اتفاقيات خطيرة.
نتساءل هنا عن التوازن في السياسات والمواقف، ما يشكل اختباراً لصدقية الذرائع والمبررات التي ساقها ويسوقها المطبّعون العرب حين أبرموا اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، ألم يدّع هؤلاء أن ما فعلوه لن يكون على حساب مواقفهم الداعمة للحقوق الفلسطينية؟
منظمة التعاون الإسلامي أعلنت عبر بيان يبدو أنه يرفع الحرج عن دولها، ولا يلزم أحداً، رحبت فيه بتقرير منظمة العفو الدولية. لكن دول المنظمة السبع والخمسين، لم يصدر عنها مواقف منفردة، فيما سلوك بعضها يتابع محاولاته التقرب من إسرائيل وتعزيز العلاقات معها، في ظل غياب أو تغييب الرأي العام.
ينبغي أن يخجل العرب، بينما تصوت دول الاتحاد الإفريقي التي تعقد قمتها في أديس أبابا، لصالح تأجيل النظر في انضمام إسرائيل للاتحاد بصفة مراقب.
على المستوى الدولي، وفيما يعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيولي التقرير الاهتمام الذي يستحق دون أي مواقف أو خطوات عملية ملموسة، فإن بعض الدول الأوروبية رفضت التعاطي مع نتائج التقرير، ما يعني عدم انتظار سياسة أوروبية مختلفة.
ألمانيا رفضت على الفور التعاطي مع إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري، أما بريطانيا، فلقد أعلنت أنها تعتزم تعزيز روابطها الاقتصادية بدولة الاحتلال.
مثل هذه المواقف ليست غريبة، ويخطئ من ينتظر من الدولة التي أنشأت ودعمت المشروع الصهيوني أن تتخذ مواقف مختلفة.
أما الولايات المتحدة، الراعي الأساسي لإسرائيل ومشاريعها العدوانية والتوسعية فقد وصفت الناطق باسم خارجتيها نيد برايس إسرائيل بدولة فصل عنصري بالأمر السخيف.
الأسوأ من ذلك، أن برايس، «تعتقد أنه من المهم ألّا يحرم الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير، خاصة أن إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم ويجب علينا عدم تطبيق معايير مزدوجة» كما تقول، هي تعكس سياسة الولايات المتحدة التي ترى أن اليهود شعب، وتتجاهل أن تصف هذا الشعب بأنه موجود على أراضيها وجزء من المجتمع الأميركي، ولا يرغبون في الانتقال إلى إسرائيل. وتتجاهل السياسة الأميركية، أن مكونات ما تسميه بالشعب اليهودي هم في الأصل والأساس مواطنون في دول أخرى ومجتمعات أخرى تم نقلهم إلى فلسطين في إطار مشروع استعماري، وتتجاهل صاحبة الحديث عدم تطبيق معايير مزدوجة عن أحادية السياسة التي ترى حق تقرير المصير لليهود ولا تراه للفلسطينيين ولكنها تتجاهل أيضاً أن ممارسة إسرائيل لحقها في تقرير المصير، تتم عبر سياسات وممارسات عنصرية مفضوحة وعلى حساب شعب آخر.
في هذه الحال لا يمكن النظر لأهمية تقرير منظمة العفو الدولية من خلال مواقف وسياسات الدول، التي ربما لا تزال قادرة على تحمّل التبعات الأخلاقية جرّاء دعمها لدولة فصل عنصري، وإنما ينبغي النظر للتفاعلات التي يحدثها هذا التقرير على مستوى المجتمعات الغربية أساساً بما في ذلك الأميركية.
ينقلنا هذا إلى الواجبات المترتبة على الفلسطينيين، فإذا كان على المنظمة والسلطة أن تنقلا هذا الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن التجمعات الفلسطينية في المجتمعات الغربية يترتب عليها أن توسع وتعمق نشاطاتها، لتعميق وعي تلك المجتمعات إزاء السياسات الاستعمارية التي تتبناها أنظمتها السياسية، ومن المؤكد أن هذا التقرير سيسمح بتوسيع دائرة المقاطعة، خاصة بعد أن يعترف وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بالعنف الذي يمارسه المستوطنون الذين تزرعهم دولته، وتحميهم وتشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم.