قرينة أخرى تؤكد تقرير «أمنستي»
مقالات

قرينة أخرى تؤكد تقرير «أمنستي»

أسبوع واحد فقط، مرّ على إعلان منظمة العفو الدولية تقريرها التاريخي الذي يصنّف إسرائيل كدولة فصل عنصري، حتى ارتكبت إسرائيل جريمة أخرى، تضاف إلى سجّلها الطافح بالجرائم. كان وزير الخارجية يائير لابيد قد علّق المسؤولية أو جزءاً منها على شمّاعة فئة من المستوطنين المتطرفين، الملعونين الذين يشوّهون صورة إسرائيل، لكن عليه أن يخرس تماماً حين يقوم الجيش الرسمي الإسرائيلي بارتكاب جريمة الإعدام الميداني لثلاثة مواطنين فلسطينيين في وضح النهار. يقوم الجيش باستخدام لوحات فلسطينية على عرباته بنصب كمين للشبان الفلسطينيين، ويطلق عليهم نحو تسعين طلقة أودت بحياتهم.
فعل خارج القانون، تعترف به المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية على أعلى مستويات المسؤولية، يعبّرون من خلاله عن نشوتهم لرائحة الدم الفلسطيني. لم يستشهد الشبّان الثلاثة الذين سقطوا على يد المستعربين، خلال معركة، ما يضيف قرينة أخرى، وجريمة أخرى تضاف إلى سجّل حافل بجرائم الإعدامات الميدانية.
يتوحّد الإسرائيليون في الإشادة بدور جيشهم، الذي يدّعون أنه نجح في القضاء على خلية إرهابية، ويتوحّد الفلسطينيون على إدانة تلك الجريمة البشعة، بعد أسابيع من الخلاف الحاد على موضوع انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني.
هكذا يحصل بين الحين والآخر، حيث توفر السياسات الإسرائيلية المزيد والعديد من الفرص لتوحيد الفلسطينيين رغم كل انقساماتهم وخلافاتهم.
الفلسطينيون يتوحّدون ميدانياً رغم خلافات قياداتهم وفصائلهم في مواجهة المخططات الإسرائيلية العدوانية والتوسعية، ويجدون أنفسهم كتفاً إلى كتف في المواجهات. والحال أن المخططات الإسرائيلية التي تسعى وتعمل على تجريف الحقوق الوطنية، العامة والخاصة، وسرقة الأرض والحقوق والمصالح الشخصية للفلسطينيين، من شأنها أن تخلق ردود فعل معاكسة.
في زمنٍ سابق وبعد أن فقدت إسرائيل القدرة على وقف الانتفاضة الشعبية الكبرى التي اندلعت العام 1987، أو احتوائها، خطرت لدى وزير الجيش آنذاك موشي آرنس، فكرة تقوم على فضّ الاشتباك، من خلال إبعاد الجيش عن مواقع الاحتكاك حتى لا يجد شبّان الانتفاضة الهدف الذي يلقون عليه حجارتهم.
الحكومات الإسرائيلية اللاحقة بما في ذلك حكومة المستوطنين الحالية، تتعمد وتبحث عن الاحتكاك المباشر والاشتباك عبر تعريض حياة الفلسطينيين ومصالحهم للخطر والمصادرة. السبب واضح كل الوضوح، فلقد أقامت التوراتية الصهيونية ادعاءاتها التاريخية على أساس أن الضفة الغربية هي «يهودا والسامرة»، باعتبارها موطن دولهم البائدة، ولذلك فإن المخططات الصهيونية تستهدف تجريف الضفة من أهلها وارضها وكل ما يرمز إلى وجود الفلسطينيين.
تصبح الضفة وفق المخططات الصهيونية التوسعية والعنصرية، أرضا متنازعا عليها من خلال خلق مجتمع استيطاني يتضخّم يوماً بعد الآخر، ويفرض وجوده بالقوة، مدعوماً بالمال والسلاح، والجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية التي تستبيح الضفة ليلاً نهاراً، دون أي رادع.
اغتيال شبّان «كتائب شهداء الأقصى»، بعد أسبوع على نشر منظمة العفو الدولية تقريرها، يذكّرنا برد فعل شارون العام 2002 على «مبادرة السلام العربية» التي أقرتها (قمة بيروت)، حين بادر إلى إعادة احتلال الضفة من خلال حملة «السور الواقي».
تتحدث المصادر المسؤولة في إسرائيل عن الحاجة لتقوية أوضاع السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعاني وفق الادعاءات الإسرائيلية من ضعفها أمام طموحات «حماس» في الضفة، ما قد يتحول إلى ذريعة لإعادة احتلال الضفة مجدداً، رغم أن الاحتلال لم يغادرها.
خاطئ السؤال الذي يُطرح من قبل بعض الصحافيين الفلسطينيين الباحثين عن مضامين جاذبة لتقاريرهم، حين يتساءلون عن ردود الفعل المتوقعة بعد جريمة الاغتيال. أحياناً، يُطرح هذا السؤال للوصول إلى نقطة لإحراج بعض الفصائل، أو السلطات، أو لاستدعاء انتقادات تشير إلى عجز البعض. في الحقيقة، فإن هذه الجريمة تشكل واقعة في سياق فعلٍ احتلالي منسجم ومتواصل مع حالة الصراع المستمر والذي يتعمق يوماً بعد الآخر.
هذه الجريمة حلقة، لا تحدد المنتصر والمهزوم في هذا الصراع، وإنما هي تندرج في سياق تراكمي تفرضه طبيعة الصراع الذي لا يجد له حلاً مناسباً.
يؤشر بيان «كتائب شهداء الأقصى» إلى مرحلة جديدة بعد هذه الجريمة والتي تذكرنا بدور حركة فتح، و»الكتائب» خلال الانتفاضة الثانية والعمليات المجيدة التي قامت بها. البيان العلني يدعو مناضلي «الكتائب» للنفير العام، والقيام بالرد بكل الوسائل المتاحة، ما يدعو للاعتقاد بأن الوضع في الضفة مقبل على تصعيد شامل لا يقف فقط عند شروط عمل المقاومة الشعبية السلمية، وقد تذهب الأوضاع نحو انتفاضة شاملة.
يقول إيهود باراك، رئيس الحكومة الأسبق، ووزير الجيش الأسبق، أيضاً، إن ثلاثة مخاطر وجودية تهدد مستقبل إسرائيل، أولها، البرنامج النووي الإيراني باعتباره التهديد المركزي، وثانيها، الانجراف نحو دولة ثنائية القومية في إسرائيل، وثالثها، تفكك النسيج الاجتماعي الإسرائيلي. بعد أن نتجاوز الأهمية التي تنطوي عليها هواجس الخوف الوجودي، وأيضاً إمكانية تجاوز الخطر الأول لأسباب عديدة، فإن إسرائيل تسير نحو حتفها، إذ ترفض إسرائيل حصول الفلسطينيين على دولة وحقوق سياسية في الأراضي المحتلة العام 1967، فإنها تدفع الأوضاع نحو دولة ثنائية القومية. أما عن الخطر الثالث، فإن واقع السياسة العنصرية ضد الفلسطينيين في أراضي العام 1948، والتناقضات الناشئة عن التجمعات الاستيطانية في الضفة، تشير إلى أن هذا الخطر واقع قائم من غير المتوقع أن تنجح إسرائيل في معالجته.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.