ماذا بعد المجلس المركزي؟
لجهة المبدأ والقواعد الديمقراطية العامة وبشكل مجرد، فإن انعقاد دورة للمجلس المركزي الفلسطيني هو ممارسة ديمقراطية صحيحة.
ولجهة المبدأ وبشكل مجرد أيضا، فإن مقاطعة البعض لهذه الدورة: تنظيمات سياسية او أفراد هو ممارسة ديمقراطية وطبيعية أيضا مهما كانت او اختلفت الأسباب والخلفيات والدوافع.
لكن ما تقدم من قول يكون ويبقى صحيحا ومنطقيا في الأحوال الطبيعية والعادية، او حتى تلك القريبة منها.
لكن الأحوال الوطنية الفلسطينية والعلاقات بين مكوناتها التنظيمية في هذا المجال بالذات، ليست طبيعية ولا عادية ولا هي قريبة من ذلك. بل هي في حال من السوء وعمق الاختلاف في الرؤى والمواقف، ومن التشاحن ومن الانقسام البغيض وتعمقه واستطالة عمره وسيره الحثيث نحو مصيبة الانقسام الكياني. ويتحمل الكل الوطني المسؤولية عن هذه الحال بصرف النظر عن حصة ونسبة كل طرف منها.
هذه الأحوال تعطي مشروعية للتساؤلات عن الضرورات الملحة التي تفرض عقد دورة المجلس المركزي، الآن، بالذات، وعدم الاستجابة لطلبات التأجيل ولدعوات اللقاء والتحضير المسبق المقدمة من شركاء الدرب والمسيرة بالذات منهم الأعضاء في منظمة التحرير وهيئاتها ومنها المجلس المركزي نفسه.
وهذه الأحوال تعطي مشروعية لتساؤلات أخرى، أهمها:
سؤال: ألم يكن الأفضل انتظار اجتماع كل القوى والتنظيمات الفلسطينية للحوار الذي دعت لعقده الجزائر وتحضر له بكل جدية ومسؤولية وتفاؤل، وانتظار النتائج التي ستخرج عنه.
خصوصا وان كل التنظيمات والقوى تجاوبت مع الدعوة ورحبت بها بمسؤولية وبحرارة. وسؤال: هل تم التحقق من النصاب القانوني لانعقاد المجلس المركزي بما في ذلك التحقق من ان كل عضو عامل في الاجتماع هو أصلا عضو في المجلس الوطني الفلسطيني كما ينص نظام المجلس المركزي وليس مندوبا عن تنظيمه او اتحاده، او بديلا عن عضو أصيل كان عضوا في المجلس الوطني بينما العضو الحالي ليس ولم يكن عضوا في المجلس الوطني.
اهم ما شد الانتباه وتركزت عليه الأنظار في أعمال ونتائج المجلس المركزي في المجال الداخلي هو التعيينات التي اقرها لملء الفراغات في عضوية الهيئات القيادية التنفيذية في منظمة التحرير (رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني ورئاسة الصندوق القومي والفراغات في عضوية اللجنة التنفيذية).
ويصل البعض الى القناعة ان هذه التعيينات كانت هي الهدف الأول والسبب الرئيس للإصرار على عقد هذه الدورة للمجلس المركزي، ويغطي ذلك بتفسيرات تنظيمية سلطوية انفرادية وتحكمية.
خصوصا وان القرارات المتعلقة بالشأن الوطني العام، على أهميتها وضرورتها وأهمية تأكيدها وبعض التطوير والتعميق الذي ادخل عليها، جاء أهمها، في جوهره، تكرارا لقرارات كانت قد اتخذت في دورات سابقة مثل:
«إنهاء التزامات المنظمة والسلطة بكافة الاتفاقات مع سلطة الاحتلال وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل الى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران العام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف الاستيطان».
و»وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة» و»رفض السلام الاقتصادي» و»حق شعبنا في مقاومة الاحتلال».
وعلى المستوى الوطني الداخلي، فقد تركز ما جاء في البيان الصادر عن المجلس على: «تشكيل حكومة وطنية تلتزم القوى المشاركة فيها بالشرعية الدولية والبرنامج الوطني المتصل بإعلان الاستقلال العام 1988».
من التنظيمات الفلسطينية التي قاطعت دورة المجلس المركزي كما تقدم فإن ثلاثة منها: («حماس» و»الجهاد» والجبهة الشعبية) بادرت وسارعت في بيان مشترك الى إعلان:
لا شرعية وعدم الاعتراف بالتعيينات الجديدة في المواقع التي تم التعريف بها في بداية المقال.
لكنها بالمقابل فتحت باب التفاهم بدعوتها الى:
«بدء حوار وطني جاد على مستوى الأمناء العامين للاتفاق على مجلس وطني انتقالي جديد يضم الجميع ويمهد لإجراء الانتخابات الشاملة،....».
الآن، فإن السؤال الأهم، الذي يفرض نفسه على الكل الوطني:
ماذا بعد المجلس المركزي وقراراته؟
وفي الاعتقاد انه لا يوجد طريق أمام الكل الفلسطيني غير طريق اللقاء والتحاور بصراحة وبقلب مفتوح، وبمسؤولية وطنية عميقة وكاملة، ومعها الاستعداد المطلق لتقديم تنازلات متبادلة وذلك حتى يصل الجميع الى وحدة الرؤيا ووحدة البرنامج الوطني، وأيضا الى وحدة القيادة ومؤسستها، ووحدة مؤسسات المنظمة والسلطة الوطنية، ووحدة السياسات والمواقف الوطنية في جميع المجالات.
وان يكون كل ذلك ونتائجه وترتيباته محصورا في إطار منظمة التحرير ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية بدءا من
المجلس الوطني وصولا إلى أصغر مسؤولية ووظيفة، ودونما حاجة الى ترتيبات موازية او مرجعيات خلفية او موازية كيفما كان تشكيلها ووضعها القيادي وحدود صلاحيتها.
ويا حبذا لو تمت دعوة أكبر عدد من ممثلي المجتمع وكفاءاته المدنية ذوي المعرفة والتجربة والخبرة والموضوعية، او التاريخ النضالي للمشاركة في الحوار المذكور.
ويا حبذا لو تم الاتفاق على ترتيبات ووسائل تؤمن العودة الى الناس أهل الوطن، وبالذات في المفاصل والمحطات الرئيسة.