ملاحظات على أحداث جامعة بيرزيت
حصلت جامعة بيرزيت على ترتيب 1453 من أصل 3002 جامعة على صعيد عالمي بحسب تصنيف الجامعات الذي يعتمد الأداء الأكاديمي URAP.
تكرر حضور جامعة بيرزيت للسنة الثالثة كأول جامعة فلسطينية تحتل هذا المستوى العالمي، وقد دخلت جامعة النجاح كثاني جامعة فلسطينية بترتيب 1471 بحسب التصنيف ذاته.
تصنيف جامعة بيرزيت الدولي يعني أن الجامعة في موقع تعليمي متقدم وقابل للتطور والتنافس على مواقع ضمن قائمة أفضل ألف جامعة في العالم بل وأفضل 500 جامعة، بعد أن احتلت مكاناً في قائمة أفضل 2000 جامعة في العالم.
وحافظت جامعة بيرزيت على الالتزام بالديمقراطية بالأقوال والأفعال من خلال الحرص على دورية انتخابات مجلس الطلبة ونقابة العاملين ومن خلال منظومة القوانين ومدونة السلوك التي تتبنى التعدد والحق في التعبير والتي تعتبر مرجعية وناظماً في حل الخلاف.
وتتشارك جامعة بيرزيت الجامعات الأخرى في كونها مركزاً من مراكز التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وكان دورها مميزاً في الانتفاضة الوطنية الكبرى 1987 وفي مأسسة العمل التطوعي الشبابي داخل المجتمع الفلسطيني.
استهلال لا بد منه لتقييم تجربة 32 يوماً من إغلاق الجامعة، وللتوقف عند الاتفاق بين إدارة الجامعة والكتل الطلابية الذي أفضى إلى فتح الجامعة، يتخلل ذلك سؤال، هل جرى المس بالدور الأكاديمي والديمقراطي والوطني للجامعة؟ بكل المقاييس فرح الجميع من داخل وخارج الجامعة وتنفسوا الصعداء بعد الإعلان عن إنهاء الاعتصام وفتح أبواب الجامعة التي لها رمزية، ومكانة في وجدان كثيرين.
يعتقد أن "اتفاق إنهاء أزمة جامعة بيرزيت" وضع حداً لمخاوف الكتل الطلابية عندما أعاد الالتزام بحرية العمل السياسي والنقابي لجميع مكونات الحركة الطلابية والمستقلين دون تمييز، وضمان إجراء انتخابات مجلس الطلبة في موعدها، ورفض الاعتقال السياسي والدفاع عن الطلبة في حالة اعتقالهم، وتفعيل تمثيل الطلبة في كافة مجالس ولجان الجامعة، وحل أي خلافات ضمن أطر الجامعة وحسب قانونها وأنظمتها، واعتماد الحوار باعتباره الطريق الأمثل لحل كافة الخلافات مع الحرص على الإبقاء على الجامعة بكافة مرافقها ومبانيها مفتوحة وضمان حق الطلبة في الاحتجاج بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة. وإعادة هيكلة عمادة شؤون الطلبة بالتشارك والتشاور مع الحركة الطلابية، وتشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث ودراسة حيثيات وأسباب الأزمة يمثل فيها كافة مكونات الجامعة.
البنود الأساسية في الاتفاق كحرية العمل السياسي والنقابي، والحق الديمقراطي في الانتخاب والتشارك في متابعة شؤون الطلبة عبر لجنة الحوار، ورفض الاعتقال السياسي، هذه البنود متفقة مع قوانين وأنظمة الجامعة ومع جانبها التطبيقي والممارس بالحد المقبول وأحيانا الجيد في إطار الحالة الفلسطينية.
وبند إعادة هيكلة عمادة شؤون الطلبة لصالح تحولها من مهمة فردية مرشحة في كل الأحوال لأن تكون إشكالية، إلى مهمة لجنة تأخذ في الاعتبار التعدد والثقة المتبادلة.
من المتوقع والمأمول أن تُحدث الهيكلة المنصوص عليها في الاتفاق تطويراً لهذا المفصل الحيوي في عمل الإدارة.
يلاحظ المتابع أن أزمة الجامعة لم تكن ناجمة عن غياب مبادئ أساسية، بل كانت في فهم وتفسير تلك المبادئ. والسؤال الذي يترافق طرحه مع انتقال الاتفاق إلى حيز التنفيذ هو: لماذا يتكرر مشهد الأزمة بين فترة وأخرى؟ كان أفضل ما في اتفاق إنهاء الأزمة هو، تشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث ودراسة حيثيات وأسباب الأزمة، بعيداً عن المنتصر والمهزوم.
إن وجود هذا البند يعني أن الأزمة لم تنتهِ، وأن التشخيص الموضوعي قد يساهم في بناء أسس ومقومات الحل الديمقراطي الفعلي لها.
الاتفاق يحمل في ثناياه عناصر تجدد الأزمة وبخاصة ما تضمنه المحور الثاني من الاتفاق الخاص بالتزام الكتل الطلابية، والذي يقول إن الحوار هو الطريق الأمثل لحل كافة الخلافات داخل الجامعة، مع الحرص على الإبقاء على الجامعة بكافة مرافقها ومنشآتها مفتوحة.
"الأمثل" و"الحرص" كلمتان فضفاضتان تفتقدان إلى الالتزام الصريح بالحوار، والأهم الالتزام ببقاء أبواب الجامعة ومنشآتها مفتوحة، وعدم تكرار عمليات إغلاقها عنوة.
في الواقع لا يمكن استبعاد الاحتجاج بما في ذلك الإضراب، ولكن وكما ورد في البيان" بما لا يتعارض مع قانون وأنظمة الجامعة وتعليماتها وأعراف الحركة الطلابية. الالتباس يقود إلى تعريف الحق في الاحتجاج قد يفهم منه حق الكتل الطلابية بإغلاق بوابات الجامعة ومنع دخول إدارة الجامعة والطلبة وجهاز التعليم بالإكراه، هذا ليس حقا، كونه يتناقض مع القوانين والديمقراطية معاً.
من حق الكتل الطلابية دعوة الطلبة للاحتجاج بما في ذلك الإضراب، قد توافق الأكثرية وقد لا توافق على الإضراب وهذا حق طبيعي لكل طالب وطالبة، الإضراب الملتزم بالقانون يكون طوعياً عبر امتناع الطلاب عن الحضور والاعتصام والمسيرات، وفي السياق يحتمل وجود أقلية غير مقتنعة بالإضراب وترغب في استمرار المحاضرات وهذا أيضاً حق للأقلية لا يقل أهمية عن حق الأكثرية في الإضراب.
إن فرض الإضراب عنوة، وإغلاق الجامعة عنوة لمدة 32 يوماً ومنع الإدارة والنقابة من الدخول إلى مكاتبهم، الإغلاقات المفروضة السابقة، جميعها غير ديمقراطية وغير شرعية، وتعتبر أعمالاً مخالفة لقوانين وأنظمة الجامعة، ولمدونة السلوك وللعمل النقابي. كما أن أفعالاً من نوع خلع باب مدرج في مبنى الجامعة لإقامة فعالية، وممارسة العنف اللفظي والجسدي فيما بين الكتل، وطرد بعض الصحافيين والسياسيين ومنعهم من حضور أنشطة داخل الجامعة، وإغلاق مبنى الرئاسة وعمادة شؤون الطلبة، كل هذا لا يمت للديمقراطية بصلة، بل تندرج ضمن مخالفات وانتهاكات لقوانين وأنظمة الجامعة، وعندما تقوم لجنة النظام العامة المختصة بمساءلة ومحاسبة المخالفين لا يعني ذلك المس بحرية العمل السياسي والنقابي وتدخلات خارجية.
في غياب اعتماد القوانين والأنظمة كمرجعية ومعايير ملزمة للجميع، فإن تقصي الحقائق ودراسة الأزمة لا يؤدي إلى الحل الديمقراطي وسنبقى نراوح في طور إدارة الأزمة.
لا شك في أن قمع سلطات الاحتلال وتدخلها المتواصل يفاقم الأزمة، ودائماً في مواجهة ذلك القمع تتوحد الجامعة ومعها المجتمع. غير أن النزاع الداخلي وممارسات أطرافه اللاديمقراطية تعقد مساعي الحل. ولكن من قال إن الجامعة هي انعكاس للمجتمع وتناقضاته.
الجامعات هي منارات تتشكل داخلها منظومات قيم التحرر وحقوق الإنسان، وتنطلق منها أفكار التنوير والنظريات والأبحاث، الجامعات هي لقاء الأكاديميين مع المفكرين والعلماء والمثقفين في تشكيل المشهد الثقافي، وتغيير طرق التفكير وبناء شخصية المواطن ابتداء من بناء شخصية الطالب/ة. الجامعات تبني جسور الانفتاح على الثقافات والإبداعات العالمية. إن وضع حد لأزمة الجامعة يبدأ من الأكاديميين/ات الذين يتحملون مسؤولية التغيير الديمقراطي ومسؤولية إعادة الدور التنويري العقلاني للجامعات.