قرارات المجلس المركزي: تجريب المجرّب
جاءت نتائج المجلس المركزي كما هو متوقع تمامًا، إذ انتخب المجلس المركزي المفوّض بصلاحيات المجلس الوطني بصورة غير قانونية روحي فتوح رئيسًا للوطني، وهيئة رئاسة المجلس، كما انتخب حسين الشيخ، ومحمد مصطفى، ورمزي رباح، ورمزي خوري (بوصفه رئيسًا للصندوق القومي) لعضوية اللجنة التنفيذية، ولم تنقلب الدنيا بإعادة تأكيد القرارات السابقة؛ كون هذا الأمر يتكرر منذ العام 2015 من دون تنفيذ.
وهنا، لا معنى للقول إنّ الأمر هذه المرة يختلف عن المرات السابقة، بزعم أن القرارات للتنفيذ وليست دعوات أو توصيات للجنة التنفيذية، فعلى ما يبدو لا يريد من يردد هذا القول أن يرى الفقرة الأخيرة في البيان التي جاء فيها “تُكلّف اللجنة التنفيذية بوضع الآليات التنفيذية لتنفيذ القرارات السابقة، وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا”، أي أحيل تنفيذها لها، مع العلم أنّ اللجنة التنفيذية تحوّلت منذ سنوات طويلة إلى هيئة استشارية، وأن معظم اجتماعاتها لا يحضرها الرئيس، وترفع توصيات إليه ليأخذ منها ما يشاء، ويرفض ما يشاء، وهو لا يزال يراهن على إعادة إنتاج أوسلو بلا جدوى، وإحياء ما سمي “عملية السلام”.
أي إنّ الرئيس هو الذي يبتّ وحده، ويقرر متى تقتضي المصلحة الوطنية العليا تنفيذ هذه القرارات، ولو كانت النية لتنفيذها موجودة لما عُقِدَ المجلس المركزي بهذه الصورة الانقسامية التي تم فيها تغليب المصالح الفردية والفئوية على المصلحة الوطنية.
لو انصبّ البحث في المجلس المركزي على كيفية تنفيذ القرارات السابقة، ومحاسبة اللجنة التنفيذية على عدم تطبيقها، ولم يأخذ “المركزي” صلاحيات “الوطني”، وقرر بدلًا من ذلك تشكيل لجنة تحضيرية لعقد مجلس وطني جديد بالتشاور، ومشاركة مختلف القوى والقطاعات تنفيذًا لأحد قرارات المجلس الوطني السابق، فالأولى من عقد مجلس مركزي انقسامي تشكيلُ مجلس وطني جديد، وخصوصًا أن النظام الأساسي للمنظمة ينصّ على عقد المجلس الوطني بصورة دورية مرة كل سنة، على أن يعاد تشكيله مجددًا كل ثلاث سنوات.
ولو تم تحديد موعد لعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، ومحاسبة المسؤول عن إلغاء الانتخابات، وتفسير ما جاء في البيان عن كيفية كسر الفيتو على رفض الاحتلال إجراءها في القدس، ولو كلّف المركزي الرئيس بإصدار مرسوم لعقد الانتخابات بما لا يتجاوز نهاية هذا العام، ودعا لتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج القواسم الوطنية المشتركة، وليس كما جاء في القرارات بربط تشكيلها بموافقة المشاركين فيها على قرارات الشرعية الدولية، المتضمنة الموافقة على شروط اللجنة الرباعية التي تتضمن الاعتراف بالكيان الاحتلالي، لا سيما أن أحد القرارات ينصّ على تعليق الاعتراف بإسرائيل، ولو كانت النية صادقة بهذا الأمر؛ لكلف المركزي اللجنة التنفيذية بإصدار وثيقة رسمية يتم فيها سحب الاعتراف بإسرائيل، وليس تعليقه فقط.
ومن الغريب تقديم المشاركة في الجلسة غير الشرعية للمجلس المركزي لتبرير الحفاظ على شرعية المنظمة بوصفها آخر مؤسسة وطنية فاعلة شرعية، فهل هي فاعلة حقًا وهي لم تعقد اجتماعًا لها منذ حوالي أربع سنوات، ولم تنفذ القرارات السابقة، بل غطت على ما يجري من تمرير سياسة يتم فيها التساوق مع الأمر الواقع، الذي هو أسوأ من أوسلو؟
لو اتخذ المركزي قرارًا بوقف لقاءات الرئيس ووزير الشؤون المدنية بالوزراء الإسرائيليين ومنسق شؤون المناطق في وزارة الحرب الإسرائيلية، بدلًا من تأكيد استمرارها بوصفها “تفاوضًا مع العدو”؛ لقلنا إن هناك قدرًا من الجدية، لعدم وجود مرجعية لهذه اللقاءات سوى السلام الاقتصادي، وخطة بناء الثقة، والتنسيق والتعاون الأمني، ومن دون توضيح هل سيبقى وزيرًا للشؤون المدنية، لا سيما بعد أن أصبح عضوًا في اللجنة التنفيذية، صاحبة أعلى مرجعية، التي من المفترض أن تراقب أعمال الحكومة والسلطة، وهذا ليس غريبًا، فهناك عضوان في اللجنة يجمعان ما بين عضويتهما والوزارة، وهما: زياد أبو عمرو، نائب رئيس الوزراء، وأحمد مجدلاني وزير التنمية الاجتماعية، وهذا يضرب بالصميم دور المنظمة كمرجعية عليا، وقواعد الحكم الرشيد، وتوزيع السلطات والصلاحيات بين المنظمة والسلطة.
هناك عدد من الأدلة على أن قرارات المجلس المركزي ستبقى حبرًا على ورق، ومنها:
أولًا، عدم الاهتمام بإنهاء الانقسام، وجعل استعادة الوحدة أولوية، التي من دونها لا يمكن تنفيذ القرارات والتوصيات، وهذا لا يكون بإطلاق تغريدات، بل بإزالة المعيقات من جانب القيادة الرسمية للمنظمة والسلطة، التي تعيق تطبيقها.
ثانيًا، ردة الفعل الإسرائيلية عليها، فلو كانت القيادة جادة في تطبيق القرارات، ولم تتم طمأنة الحكومة الإسرائيلية لأحدثت زلزالًا في إسرائيل، فهي شيك بلا رصيد، كما كتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت”. وبالتالي لا داعي لإجهاد النفس في إثبات أهمية العبارات والجديد فيها ما دامت لا توجد نية حقيقية لتطبيقها، خصوصًا بعد “شرعنة التعيينات الجديدة”.
من يُضعف المنظمة، ويمس بشرعيتها الوطنية والقانونية ووحدانية تمثيلها؛ هو من غيّب مؤسساتها، وجوّفها، وحوّلها إلى هيئات استشارية، ولا يحترم قراراتها، ولا يعقد اجتماعاتها بانتظام، ويستخدم أموال الصندوق القومي لعقاب المعارضين ومكافأة الموالين، وجعل المنظمة أداة من أدوات السلطة، التي تضخمت وقزمت المنظمة، بدليل أنها لا تضم فصائل وقطاعات أساسية وحراكات ومجموعات ولجان وشخصيات اعتبارية، ولا يشارك فيها الشباب، وتمت زيادة حصة المرأة بطريقة فئوية بعيدًا عن الانتخابات وقواعد التمثيل المعتمدة في المنظمة، كما أنّ موازنتها بندٌ صغير من موازنة السلطة التي لا تخضع لأي مراقبة ومساءلة بتغييب المجلس التشريعي، ثم حله من دون انتخاب مجلس تشريعي جديد، ووضع كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والصلاحيات في يد الرئيس.