أوكرانيا: الحرب التي يريدها تحالف بايدن – جونسون!
من المفترض أن تكون الحرب العالمية الثالثة قد بدأت، اليوم الأربعاء، انطلاقاً من أوكرانيا، وذلك اعتماداً على ما صرّح به الرئيس الأميركي بايدن، عندما أعلن قبل أيّام عبر الفيديو ونقله موقع "بوليتكو" أثناء اجتماعه الافتراضي مع زعماء في الاتحاد الأوروبي والناتو، بأنّ موعد غزو روسيا لأوكرانيا في السادس عشر من الشهر الجاري أيْ اليوم الأربعاء، وكان من الصعب التعرّف على مدى دقة هذا التاريخ لاندلاع الحرب العالمية الثالثة وفقاً للرئيس الأميركي، خاصة بعدما صرّح المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، نافياً وربما ساخراً من أنه لا يستطيع تأكيد صحة التقارير التي تروّج لها بلاده، والتي تتحدث عن غزو روسي وشيك لأوكرانيا، بينما اعتبر بعض المحللين أنّ بايدن، كما جرت عادته، ربما كان أقرب إلى حالة من النعس أكثر منه انشداداً للحديث عن هذا الغزو أمام قيادات الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وعودة إلى الوراء ربما تكون ضرورية لتفسير التصعيد الأميركي على جبهة أوكرانيا، بعد مطالبة روسيا بضمانات أمنية ملزمة من الغرب، تتضمن تعهداً بسحب قوات الناتو من شرق أوروبا، وعدم ضم أوكرانيا إلى الحلف، بالتوازي مع الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، في هدف ضمني ربما يتم بموجبه عقد صفقة، بحيث تتحول أوكرانيا إلى دولة محايدة بما يمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو، والعودة إلى الوراء هذه تنطلق من تراجع كبير في شعبية الرئيس بايدن، وكذلك فشل إدارته في تنظيم انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وعدم مشاركة الحلفاء الأوروبيين في اتخاذ قرار الانسحاب أو مساعدة قوات الناتو في عملية الانسحاب هذه، الأمر الذي زاد من دعوة دول أوروبا لتشكيل تكتل أوروبي مسلّح بمنأى عن أميركا وحلف الناتو، واستثمار أزمة الحليف التقليدي لأميركا في أوروبا، بريطانيا التي بات رئيس وزرائها جونسون يعاني بدوره من تراجع شعبيته حتى في أوساط حزب المحافظين الذي يتزعمه، وذلك على خلفية فضيحة تعامله مع قرارات التباعد والإغلاق بشأن "كورونا"، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهكذا رأينا أنّ بايدن بعد أن كانت الصين على رأس اهتمامات سياسته الخارجية، فإنها لم تعد عنواناً لهذه المواجهة، وتحوّلت هذه السياسة التي استمرت في السنة الأولى من ولايته إلى مواجهة مع روسيا، ذلك أن هذه السياسة الجديدة تكفي كما يعتقد للتغطية على فشل كل من الإدارتين الأميركية والبريطانية، والهروب من تراجع شعبية الزعامتين، وذلك بالتحول إلى المنطقة التي تعتبر مركز السياسات الدولية، أوروبا، وهذا ما نشهده الآن حيث باتت المواجهة مع الصين على الهامش نسبياً، بينما تم تسخين أوار الحرب في أوروبا.
لماذا أوروبا وليس جنوب شرقي آسيا؟ لماذا المواجهة مع روسيا وليس مع الصين؟ لأن تجربة إدارة المسألة الأفغانية من قبل إدارة بايدن أدت إلى حراك أوروبي داخلي يشكك في التحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، وقدرة هذه الأخيرة على أن تُشكّل حماية لها بعد التعامل الفاشل على عدة جبهات ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية، خاصة بعد فوضى التعامل المنفرد من قبل إدارة بايدن مع المسألة الأفغانية، الأمر الذي عزز من حاجة أوروبا إلى الاعتماد على نفسها وليس على أميركا أو على حلف الأطلسي، خاصة بعدما شعرت أميركا أنّ أوروبا أخذت تعتمد اعتماداً كبيراً على حاجتها من الطاقة من روسيا، ونقصد هنا بالتحديد خطّ أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم 2، الأمر الذي يعني أنّ أوروبا من الناحية العملية باتت تبتعد عن أميركا وتقترب أكثر من روسيا. إنّ بايدن يعتقد أن إيجاد مناخ من الحرب يشكل سبباً كافياً لإعادة النظر بكل هذه الاعتبارات، مع أنّ الدلائل تشير إلى أنّ أوروبا بشكلٍ عام لا تستجيب لإرادة إدارة بايدن هذه؛ كونها تعلم تماماً، بصرف النظر عن نتائج هذه الحرب التي لا نتوقع أن تندلع، أن اندلاعها سيكون كارثة على أوروبا، بينما ستظل الولايات المتحدة بعيدة عن آثارها الخطيرة، وبحيث تقود كل من فرنسا وألمانيا ما يشبه التمرّد المضمر ضد السياسات التي تنتهجها التحالفات الأميركية البريطانية بهذا الصدد.
كفلسطينيين نحن معنيون كثيراً بالحالة الأوكرانية، لما لذلك من انعكاسات مهمة على قضيتنا الوطنية، ولسنا بمنأى عن تأثيراتها سواء لجهة تراجع الاهتمام الدولي بقضيتنا أكثر ممّا هو عليه الأمر الآن، أو لجهة الدور الإسرائيلي في التأثير على الحالة الأوكرانية، وعلاقتها مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أو لجهة أن الحرب انطلاقاً من الحالة الأوكرانية من شأنها زيادة الهجرة اليهودية من أوروبا إلى إسرائيل خوفاً من تأثيرات هذه الحرب. ألا تكفي هذه العوامل لتبرير متابعتنا لما يجري في الحالة الأوكرانية الراهنة؟!