الأزمة الأوكرانية والأطماع الأمريكية في أوروبا
مقالات

الأزمة الأوكرانية والأطماع الأمريكية في أوروبا

حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة ليست معنية لا بالسلم والأمن الدوليين ولا باستقرار الدول ولا بحريات الشعوب . 

 ما يريدونه الآن هو اشعال حرب في أوروبا ويبذلون قصارى جهدهم حتى تنشب حرب مع روسيا في محاولة لحسم السيطرة على مقدرات منطقة وسط اوراسيا ومحاصرة روسيا التي تدرك تلك الرؤية الأمريكية جيدا وتعمل على مواجهتها بحكمة .
حيث تحتاج واشنطن إلى خلق تصور بأن روسيا تشكل تهديدًا أمنيا لأوروبا ،  ولهذه الغاية ، تم تكليف وسائل الإعلام بإعادة التأكيد مراراً وتكرارا على أن "روسيا تخطط لغزو أوكرانيا".

 من الجدير ذكره في هذا السياق أن روسيا لم تغزو أي دولة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي السابق ، وأن الولايات المتحدة قد غزت أو أطاحت بأنظمة في أكثر من 50 دولة في نفس الفترة الزمنية ، وأن الولايات المتحدة تحتفظ بأكثر من 800 قاعدة عسكرية في دول حول العالم ، تحت مبررات حماية ونشر القيم الاخلاقية المزعومة من الديمقراطية وحقوق الإنسان... الخ ، وفي واقع الحال فإن المتتبع للسياسة الأمريكية يرى بوضوح ، أن سياسية الولايات المتحدة تعتمد الانتقائية ، فحيث كانت هنالك ديمقراطية حقيقية تعتمد الولايات المتحدة معاداتها ، وحيث كانت الانظمة دكتاتورية تتعمد حمايتها طالما المعيار هو خدماتها للسياسة والمصالح الأمريكية. 
وهنا اقتبس من ما قاله صموؤيل هنتنغتون احد علماء السياسة والمنظرين لسياسات المحافظين ، 
" عالما بدون سيادة الولايات المتحدة سيكون عالما اكثر عنفا وفوضى وأقل ديمقراطية ، أن السيادة العالمية المستدامة للولايات المتحدة ضرورية لرفاهية الأمريكيين ومستقبل الحرية والديمقراطية والنظام الدولي بالعالم ... الخ " . 
فضمن هذا الإطار الفكري ، تكتسب الطريقة التي تحاول الادارات الأمريكية ادارة أزمات العالم بها أهمية من وجهة نظرهم لاستدامة السيادة والسيطرة عليها  . 
ويؤكد زبغنيو بريجنسكي وهو مستشار الامن القومي بادارات أمريكية سابقة في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى فيقول ،  " القوة التي تتحكم في اوراسيا وهي المحور في مجال الجغرافية السياسية بالعالم هي القوة التي تسيطر على اهم مناطق العالم الأكثر تطورا والأوفر في مجال الإنتاجية الاقتصادية ".
ومن هنا تكمن اهمية الاطماع الأمريكية من خلال توسيع الناتو لمحاولات التحكم في أوروبا الشرقية التي برائيهم هي الطريق للسيطرة على منطقة القلب الأوراسية وبالتالي السيطرة على العالم .
وهو نفس المفهوم الذي اعتمد عليه النازي هتلر الذي حاول التمدد إلى تلك المنطقة من العالم ، لكنها كانت مقبرة أطماعه بفضل تضحيات شعوبها انذاك .

وبالمقابل فإن القلق الروسي بشأن توسيع الناتو ومحاولات الضغط على اوكرانيا للانضمام له ، أمرا مشروع ولا يراه الروس كجزء من نمو أوروبا ، إنما كتقدم باتجاه روسيا من قبل تحالف معاد تقوده أمريكيا يهدف الى توسيع رقعة تأثيرها السياسي وتهديد الأمن والمصالح الروسية ومحاولة محاصرة روسيا وابقائها خارج أوروبا.  

و ذلك ينصب تركيز الإعلام الأمريكي على روسيا التي حشدت عشرات الآلاف من جنودها على طول الحدود الأوكرانية ، ويلوح هذا الإعلام الموجه بان روسيا تريد إغراق أوروبا بأكملها في حرب دموية أخرى ، وهو أمر حساس بالنسبة للشعوب الأوروبية التي لا تريد أن تكون اراضيها ساحة لحرب جديدة تدفع فيها تلك الشعوب ثمنا غاليا كما حدث بالحرب العالمية الثانية التي خاضتها الولايات المتحدة خارج اراضيها ودون خسائر تذكر مقارنة بخسائر الاوروبين ، وهو أمر يخلق تفاوتا بالمواقف الأوروبية الان تحاول روسيا الاستفادة منها في وقت ينعقد به اليوم مؤتمر ميونخ للأمن.  

 يتم إنشاء كل الدعاية الحربية الهستيرية بهدف تصنيع أزمة يمكن استخدامها لعزل روسيا وإثارة خلافات روسية أوروبية وتحديدا مع ألمانيا التي تحظى بعلاقات جيدة اليوم مع روسيا وتحديدا في المجال الاقتصادي وبالاخص منها الغاز ،  وفي النهاية فان الولايات المتحدة ما زالت تسعى إلى تقسيم روسيا إلى وحدات أصغر في محاولة لإعادة اضعافها والابقاء على أوروبا خاضعة للسياسات الأمريكية،  وهي لا تريد اتحاد أوروبي قوي ، فتغذي الخلافات بين الدول الأعضاء بالاتحاد الاوروبي .   

 احد الأهداف للولايات المتحدة حاليا باختلاق أزمة هو منع روسيا من بيع الغاز الطبيعي إلى أوروبا من خلال خط غاز نورد ستريم ٢ ،  إنهم يريدون لشركات الاحتكار الأمريكية أن تتحكم في إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال .
لقد خاضوا الحروب في ليبيا والعراق وسوريا وأفغانستان من أجل الطاقة والسيطرة على مقدرات شعوبها ، والآن ، مرة أخرى يحرضون على إشعال الحروب من أجل الطاقة أيضا من جهة ، ومن جهة أخرى لمحاولة الاقتراب من الحدود الروسية ومحاولة اطباق الحصار عليها من خلال إدخال قوات الناتو إلى أقرب النقاط لاضعاف روسيا في محاولة  لانقاذ هيمنتهم على النظام الدولي الحالي المتهاوي أمام صعود قوى جديدة  .

هي لعبة أمريكية جيوسياسية بالمنطقة تحاول أمريكيا فيها توسيع رقعة تأثيرها ، خاصة امام أزمات داخلية اقتصادبة وعرقية تعاني اليوم منها .  وفي هذا السياق فإن إسرائيل تلعب دورا تكون فيه طرف خاصة وان الرئيس الاوكراني يهودي الديانة ومقرب من دوائر الحركة الصهيونية وفي محاولة للاستفادة من هذه الازمة بتصدير مهاجرين من يهود اوكرانيا إليها في إطار سياستها الاستعمارية ، والمشاركة في توجيه الاهتمام الدولي نحو مسائل أخرى لحرف النظر عن استمرار احتلالها ووصفها بدولة التمييز العنصري ، ومن أجل خدمة سياسات الولايات المتحدة كما فعلت أيضا سابقا بالقوقاز والبلقان وحتى في جنوب أمريكيا ومناطق أخرى لتأزيم الصراعات بدعم من الولايات المتحدة التي تتعاون معها في صناعة عصابات الإرهاب. فالولايات المتحدة تحاول توزيع الأدوار على دول مختلفة لخدمة سياساتها الخارجية ومبداء الحروب بالوكالة في إطار خلافاتها وصراعها مع الصين وروسيا اللتين اعلنتا قبل أيام خلال لقاء القمة بينهما بداية عصر جديد للنظام العالمي .
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.