المرضى والإداريون ملفان لقضية واحدة
مرة اخرى تعود للواجهة قضية الاسرى وتتصدر المشهد المحلي وهي التي لم تغيب وان شهدت من فترة لاخرى مدا وجزرا تبعا للتطورات داخل السجون وانعكاساتها على مجمل الاوضاع الحياتية فالى جانب ما يجري في الشيخ جراح في القدس المحتلة الذي يضيف للمشهد عنصرا اخرا قابلا للانفجار في كل لحظة مع تصاعد حدة التوتر على ضوء الاجراءات الاحتلالية الهادفة لتطهير الحي عرقيا ضمن مخطط تهويد المدينة وافراغها من سكانها في اطار مسلسل فرض الامر الواقع فيها الا اننا نتناول هنا قضية الاسرى ومعاناتهم المتفاقمة يوميا جراء اعتداءات ادارات السجون والاجراءات الانتقامية الحاقدة بحقهم .
قضية الاسرى التي تتنوع فيها شرائح وفئات هؤلاء القابضين على الجمر لا بد من تسليط الضوء على ما يعيشه المرضى منهم من معاناة حوالي 1700 اسير واسيرة من المرضى منهم حوالي 600 اسير يحتاجون للعلاج الطبي بشكل متواصل تنهش اجسادهم الامراض، وتتواصل سياسية الاهمال الطبي "المتعمد" من قبل ادارات السجون التي لا تفي بالحد الادنى من الالتزامات التي تقع عليها وفقا لما نصت عليه وكفلته الاتفاقيات والمواثيق الدولية بضمنها اتفاقيات جنيف للعام 49 ومن بين الاسرى المرضى تم تشخيص حوالي 43 اسيرا مصابا بالسرطان ويعانون اوضاعا خطيرة (شريحة المرضى) صاحبة الصراع المرير من المعاناة لا يتم تقديم العلاج الطبي لهم الا الوصفة السحرية التي تخصص لكل الامراض وفي كل وقت وهي "الاكامول" المسكن الساحر(لحل لكل مرض) في احسن الاحوال بمعنى اخر هذا وجه اخر للجريمة المرتكبة بامعان وهي عدم تقديم العلاج الطبي للاسرى المرضى وهو ما يمثل مخالفة جسيمة للاعراف والمواثيق الدولية حوالي 74 اسيرا ارتقوا شهداء جراء هذه السياسة بسبب عدم تلقي العلاج او اكتشاف المرض في وقت متأخر من بين 228 اسيرا شهيدا منذ العام 1967 ولم يتم الى الان فتح تحقيق دولي جاد في ظروف وملابسات ما جرى وبقيت ملفات استشهادهم في الادراج دون تحريك ساكن .
الاسير ناصر ابو حميد 49 عاما من مخيم الامعري القريب من رام الله المحكوم بالسجن المؤبد 7 مرات وخمسين عاما هو اليوم احد ضحايا هذه السياسة الاهمال الطبي المتعمد اخذت قضية اصابته بالسرطان وتردي وضعه الصحي منحى مغايرا بسبب توفر عدة عوامل اجتمعت معا باتت قضيته عنوانا هاما لنقل معاناة المرضى الذين يتوزعون على عدة سجون من بينها ما يعرف بمشفى سجن الرملة الذي لا يصلح للحد الادنى من مقومات كونه مشفى بل يسميه الاسرى "بالمسلخ" نظرا لافتقاده لادنى المقومات اضافة للمعاملة القاسية التي يعاني منها المرضى فيه، وهم من الامراض المزمنة او من فقدوا اطرافهم بفعل الاصابة بالرصاص او الذين اصيبوا بالشلل، والامراض الاخرى، فتح ملف الاسرى المرضى هو من الاهمية بمكان والاسير ابو حميد اليوم يمثل شكلا صارخا لمعاناتهم وما يقاسون في اقبية الاحتلال من قهر ومعاناة .
القضية الاخرى التي تمثل عنوانا بارزا اليوم لملف الاسرى هي قضية الاعتقال الاداري ومقاطعة محاكم الاحتلال هذه الخطوة التي اتخذت رفضا لواقع المعاناة التي يعيشونها وبمشاركة نحو 500 معتقل مقاطعة شارفت على الدخول للشهر الثالث على التوالي باتت هي الاخرى اليوم بما تمثل احدى ركائز العمل النضالي والمطلبي للحركة الاسيرة التي تعكس تحديا لاجراءات الاحتلال وخطوة غاية في الاهمية لرفض الظلم الواقع عليهم حيث المعتقل الاداري يقضي حكما يجري تمديده دون سقف زمني قد يمتد لسنوات دون معرفة سبب اعتقاله ولا التهمة التي وجهت اليه، ولا يعرف تاريخ انتهاء اعتقاله وفي مقال سابق تم تناول هذه القضية بعنوان (مؤبد بالتقسيط) .
قضية الاسرى المرضى والاداريين تطرق اليوم جدران الوجدان والضمير بقوة باعتبارها قضية انسانية وطنية اخلاقية من الدرجة الاولى لا يمكن ولا يجوز لاي اطار او جهة او مؤسسة التغافل عن اهمية توفير كل الاسناد لها وتفعيل ركائز ومفاعيل العمل المنظم لها ضمن دوائر تتسع حلقاتها تباعا وفق خطة شاملة ينخرط فيها الكل الوطني وعلى كل الاصعدة الشعبية والقانونية والاعلامية والسياسية نظرا لتفاقم الاوضاع في كل السجون والخطوات النضالية التي شرعت بها الحركة الاسيرة واصدرت عدة بيانات خلال الايام الاخيرة من ضمن خطواتها اغلاق الاقسام بعد حل اللجان التنظيمية وعدم الخروج "للفورة" والعدد، والتجمع في الساحات والتوقف عن النمط اليومي المتعارف عليه للحياة الاعتقالية على اكثر من مستوى، وهي خطوات تنذر بقرب الوصول لاعلان الاضراب المفتوح عن الطعام في حال استمرار اغلاق ابواب الحوار من قبل ادارة السجون، وضربها بعرض الحائط للمطالب المشروعة للحركة الاسيرة في احدى اهم المحطات الهامة التي تجمع عليها مختلف الوان الطيف السياسي في السجون خلال السنوات الماضية دفاعا عن كرامتها وحقوقها، واستعادة الحركة الاسيرة دورها الطليعي في مواجهة محاولات "الترويض والتدجين" اي انها تثبت مرة اخرى ومن جديد انها قادرة على صناعة الفعل، واجتراح النموذج وهي رأس الحربة في مواجهة السجان كما توصف دائما اي انها ايضا تملك الارادة والمبادرة بما يمكنها ليس فقط من مواجهة اجراءات الاحتلال انما ايضا حماية الحقوق والمنجزات التي حققتها بالدم والامعاء الخاوية طوال عقود الرسالة التي ترسلها اليوم مفادها لا عودة للوراء وان عدتم عدنا .
ملفان لقضية واحدة الاسرى المرضى والاداريين لا يمكن الفصل بأي حال من الاحوال او التقليل من حجم وخطورة وضع الاسرى والاسيرات بشكل عام فالاسرى الاطفال، والاسيرات، وقدامى الاسرى، واسرى العزل الانفرادي، والمؤبدات كلهم انعكاس لمعاناة واحدة القضية قضية الاسرى التي لا يمكن الفصل بينها حيث يجمعها كلها سجان واحد، ذات القيد والهم، ولا تقبل التجزئة او الانقسام وهي تلتقي عند نقطة الالم الواحد، وتتطلب العمل هذه المرة بشكل مختلف سواء للمرضى او الاداريين العنوان لم يعد تحسين شروط الحياة الاعتقالية ولا حتى تقديم العلاج الطبي على اهمية ذلك بطبيعة الحال ولا يمكن التنازل عنها الا ان المطلب الملح هو بارتقاء الاداء سياسيا وشعبيا على مستوى الاقليم والعالم يتمثل بمطلب واحد اغلاق ملف الاعتقال الاداري نهائيا مستذكرين الاضرابات الفردية والجماعية التي خاضها الاسرى رفضا للواقع الجائر الذي مورس بحقهم، وايضا المطلوب بموازاة ذلك وبما يعزز تقاطع هذه الخطوات وبالانسجام معها ايضا اغلاق ملف الاسرى المرضى بتأمين الافراج عنهم جميعا دون قيد او شرط والى ان يتم ذلك فان الخطوات المطلوبة هي تمكين لجنة طبية متخصصة من منظمة الصحة العالمية وباشراف الامم المتحدة، والصليب الاحمر الدولي من زيارة السجون والوقوف على ما يجري فيها ومتابعة الحالات المرضية، واصدار تقرير رسمي متضمنا النتائج بصورة مهنية ومحايدة وموضوعية ونشر التقرير على الملأ .
ملف الاسرى بعد اصدار تقرير منظمة العفو الدولية "امنستي" مؤخرا بات يتطلب العمل بصورة مغايرة اسوة بملفات الاستيطان الاستعماري والتطهير العرقي بارادة سياسية فاعلة من الجميع للعمل ليس فقط بالاستناد للتقرير من اجل فضح جرائم الاحتلال وحشد المناصرة والتأييد الدولي فقط، وانما تجاه ملف الاسيرات والاسرى ايضا باعتبار هذه الملف احدى صور المعاناة وجرائم الحرب التي اقترفت وما تزال بحق الشعب الفلسطيني تحت سمع وبصر العالم وعنوان ماثل امام الجميع ان الاوان ان يتوقف باستخدام الاداة القانونية والمساءلة الدولية من اجل معاقبة قوة الاحتلال على جرائمها انتصارا للعدالة الدولية والانسانية ومن منطلق مبادئ قوة الشرعية الدولية والامم المتحدة( حفظ الامن والسلم الدوليين) .
ومن غير الواقعي والمقبول استمرار مطالبة العالم بالانتصار لقضايا شعبنا بينما نحن منشغلون في قضايا من شأنها ابعادنا او تاخيرنا عن الهدف الاساس وهو انهاء الاحتلال عن الارض الفلسطينية من هذا الباب فان ثقل الحراك برمته تقريبا ملقى على عاتقنا نحن وليس اي احد سوانا وعلينا، ونملك القدرة اذا اردنا لتفعيل كل الادوات للعمل الشعبي نصرة للاسيرات والاسرى لان قضية الانسان لا تتعارض باي حال من الاحوال مع قضية المكان عندها تكون صرخة الشيخ جراح وحي البستان قد وصلت لاروقة صنع القرار العالمي في ارجاء الكون، والتقت لترسم لوحة لطالما ابدع الشعب الفلسطيني في نسج خيوطها على مدار العقود صورة الانسان "الاسير" والمكان القدس لانها حكاية شعب لا يغفل عن قضاياه يتجدد دوما لا يموت فالبلاد حبلى والميلاد قريب .