"حسان": المسيّرة التي أربكت الأمن الإسرائيلي
مقالات

"حسان": المسيّرة التي أربكت الأمن الإسرائيلي

بسبب من قرع طبول الحرب على الحدود بين روسيا وأوكرانيا، ينشغل العالم حالياً عن كل ما يمكن أن يثير الاهتمام، لكن ذلك لا يعني أنه ليست هناك أحداث دولية وإقليمية مهمة، أو لا تثير الاهتمام، فخلال الأيام الماضية انعقد في ميونيخ المؤتمر السنوي للأمن، الذي عادة ما يناقش كل ما يهم العالم من مشاكل أمنية وسياسية، كذلك بدأت إثيوبيا في تشغيل توليد الكهرباء من سد النهضة المثير للجدل السياسي بينها وبين كل من مصر والسودان، وذلك منذ عشر سنوات مضت، والذي يمكن أن يتسبب في حرب إقليمية إفريقية ضروس، وهنا، اخترقت طائرة مسيّرة، أو الطائرة دون طيار، وهذا مصطلح يطلق على الطائرات الصغيرة، التي تسير بالريموت كونترول، كما لو كانت طائرة ورقية، أو دمية في لعبة بلايستيشن، تدعى حسان، على اسم باحث في هذا المجال، كانت إسرائيل قد اغتالته منذ سنوات، فأراد «حزب الله»، مطلق المسيّرة، أن يقول لإسرائيل: إن اغتيالها للكوادر العلمية لا يوقف البرامج المضادة التي تعدها المقاومة لمقارعة إسرائيل.
كتمت إسرائيل غيظها، ذلك أن «حسان» حلّقت على مدى 40 دقيقة في الأجواء الإسرائيلية، وتوغلت مسافة 70 كيلومتراً، دون أن تلحظها لا الرادارات الإسرائيلية، ولا قبتها الحديدية، والمسيّرة هي على كل حال، ليست طائرة تجسس بالغة التعقيد تنتمي لفصيلة روسية متقدمة، ولا هي مقاتلة من طراز سوخوي، أو «بي أف» أو ما شابه، بل هي طائرة فقيرة، بل تسمى طائرة، لأنها تطير في السماء، وليس لأنها كبيرة أو قوية، ويمكنها مع ذلك أن تحمل كاميرات تصوير لمواقع أو مقرات عسكرية، كما يمكنها أن تحمل بعضاً من المواد المتفجرة، لكن ليس بكميات هائلة، كما هو حال الطائرات الحربية، التي تحمل أطناناً من المواد المتفجرة، والمسيّرات بذلك تعتبر سلاحاً شعبياً، تستخدمه المقاومة في كفاحها ضد الاحتلال الأجنبي، تماماً كما كان الحال مع الكلاشنيكوف، ومن ثم «الآر بي جي»، وكل أنواع السلاح الشخصي الذي انتشر خلال الحرب العالمية الثانية، في مواجهة الاستعمار الخارجي للعديد من دول أسيا وأفريقيا.
والحقيقة أن الصراع على جبهته العسكرية بين إسرائيل دولة الاحتلال، والدولة التي تتجاوز حدودها في الاعتداء على الغير، وبين دول وأحزاب وحركات المقاومة، التي تمتد من إيران إلى غزة واليمن، مروراً بسورية و»حزب الله»، لم يتوقف، وإذا كانت إسرائيل كما هو حال الدول المعتدية دائماً، تواصل كل الوقت الحصول على آخر أدوات ووسائل وتكنولوجيا الدمار والقتل، فإنهم على الجبهة الأخرى، كما خلية النحل، أو كما هو النمل في دأبه يواصلون اجتهادهم في التوصل إلى أدوات بسيطة لكنها تؤذي العدو، فمن استخدام الإرادة البشرية عبر العمليات الاستشهادية، إلى صنع الصواريخ البدائية والمحلية، ثم إلى حفر الأنفاق، وأخيراً إلى اختراع المسيّرات، إضافة بالطبع للكثير من الوسائل التي ظهرت على جبهة غزة، ومن ثم في قرى وبلدات الضفة الغربية، من إرباك ليلي، ومن طائرات ورقية، إلى ما هنالك.
المهم في الأمر، هو أن استمرار الجماعات العسكرية التي تمثل الشعوب، ويطلق عليها حركات المقاومة، في مقارعة إسرائيل بكل ترسانتها العسكرية الرهيبة، يؤكد أن القوة لا تحسم الصراع، بل في نهاية المطاف لا بد أن تتحقق العدالة، بكسر شوكة القوة الطاغية، وإحقاق الحق والمنطق، ولعل إسرائيل بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، لم تستوعب الدرس الجوهري، وهو أن الشعوب بإرادتها تنتصر على جبروتها وقوتها، فقبل أكثر من ثلاثة عقود من اليوم، وتحديداً في العام 1987، واجه الشعب الفلسطيني بالحجارة جيش إسحق رابين، وكان المقلاع في مواجهة الدبابة والمدفع والطائرة الحربية، ولن يكون بيني غانتس أكثر قدرة من سلفه رابين، وهو يواجه الطائرات المسيّرة.
وما زالت إسرائيل تسير في الطريق الخطأ، وهي تجعل من ظهور المسيّرات حدثاً لمواصلة تشكيل التحالفات الأمنية الإقليمية، واستمرار المراهنة على أنظمة عربية لن يطول بقاؤها جاثمة على أكتاف وصدور شعوبها، ذلك أن ظهور المسيّرة حسان، لم يكن الحدث الوحيد، فقد سبقه وصول المسيّرات لأجواء الإمارات والسعودية، الدولتين اللتين تحاربان الحوثي في اليمن، وهي ترى في ذلك فرصة لاقتناص السمكة العربية الكبيرة، في شباك التطبيع، ونعني بها العربية السعودية.
يبدو أن التطور التقني السريع جداً، الذي يشمل العالم بأسره، يحدث تحولات عميقة في كل شيء، بما في ذلك حقل الصراع العسكري، حيث يبدو هنا أن ما كان ينظر له على أنه خيال علمي، أو حروب فضاء، يمكن أن يظهر على أرض الواقع، فتظهر حروب كما لو كانت لعبة بين اللاعبين، لكن كما هي لعبة الأتاري أو البلايستيشن، حيث يقبض كلا اللاعبين على الريموت كونترول الذي يحرك به لاعبه الآلي، ومن يحقق النصر، هو من يقوم أولاً بقتل دمية الخصم.
لكن ممارسة هذه اللعبة في الواقع، إنما هو أمر خطر جداً، لأن الحديث يجري عن واقع حي فيه بشر، يتعرضون فعلاً للموت، جراء ممارسة هذه اللعبة بين المتخاصمين، لذا فإن عالم اليوم، الذي صار أكثر تداخلاً، عليه كما فعل في مواجهة «كورونا»، أن يظهر اهتماماً أكبر في مواجهة كل مظاهر العالم القديم، وفي مقدمتها معاجلة الخلافات والصراعات، عبر الاحتكام للقوة العسكرية، واندلاع الحروب التي عادة ما تحصد أرواح البشر الآمنين.
على العالم اليوم أن يتدخل لمنع أي حرب، وأن يجبر المتخاصمين على الانصياع للتحكيم الدولي، وفي مقدمة ذلك أسوأ مظاهر الصراع القديم، وهو الاحتلال، حيث لابد أن يجبر العالم إسرائيل على الانسحاب من أرض الغير، وبالطبع في المقدمة أرض دولة فلسطين، ومن ثم حل كل الخصومات الدولية عبر المؤسسات الدولية، بالقانون وبشكل سلمي، وليس عبر الحوار الثنائي فقط.
كان يجب على أوروبا، على سبيل المثال، أن تتدخل مبكراً، لتمنع التوتر بين روسيا وأوكرانيا، الذي تسببت فيه إدارة جو بايدن، بهدف إعادة السيطرة على أوروبا، عبر الناتو، بمحاولتها إدخال أوكرانيا للحلف العسكري الذي نشأ أصلاً لمحاربة الاتحاد السوفياتي سابقاً، وروسيا حالياً، بتحجيمها، وكان هذا يعتبر أولوية بايدن منذ دخل البيت الأبيض، لا أن تنتظر حتى يشتد حبل التوتر لآخره، حتى يتدخل كل من الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني، طوال هذا الشهر، بشكل جدي ومتواصل، لمنع حرب لو وقعت ستكون أوروبا أكثر الخاسرين منها!
ولهذا نقول: إن أوروبا والصين وروسيا، قبل أميركا، عليها وهي تقود العالم، أن تنجح أولاً في الاتفاق في فيينا، ومن ثم فرض الانسحاب على إسرائيل، وهو أمر يجب ألا يرتبط حتى بمفاوضات، بل بتنفيذ القرارات الدولية، ولأن الاحتلال ناجم عن حرب ظالمة، وهو غير شرعي، ومن ثم ترتيب العالم بشكل هادئ ومتوازن، حتى تصبح الحياة في أرجاء المعمورة أفضل مما هي عليه.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.