Bye Bye PLO
أي وداعا لمنظمة التحرير.. جملة قالها السيد بريجنسكي مستشار الامن القومي في إدارة الرئيس جيمي كارتر.
ذلك حين طُلب من منظمة التحرير الالتحاق الرسمي والعلني بمعسكر التسوية، وكان مفتاح الالتحاق الاعتراف المباشر بقرار 242.
لم يكن طلب الاعتراف مجرد خطوة سياسية أقدمت عليها الإدارة الامريكية بل كانت تشريعا اتخذه الكونجرس ما يجعل التراجع عنه دون تحقيق الشرط المحدد مستحيلا، وكان هينري كيسنجر هو عراب هذا التشريع.
دهن ياسر عرفات جلده بالزئبق، اذ لم يكن قادرا على الاعتراف بقرار لا يأتي على مجرد ذكر الفلسطينيين وحقوقهم السياسية، كما لم يكن قد قطع الامل باعتراف امريكي به وبمنظمته، وفي ذلك الوقت لجأ عرفات الى حجة وجد من يتفهمها ولكن خارج اسوار المؤسسات الامريكية، اذ اقترح تعديل القرار كي يوافق عليه غير ان فقهاء قرارات الأمم المتحدة وخصوصا ما يصدر منها عن مجلس الامن ابلغوه باستحالة التعديل بل ان استصدار قرار جديد يلبي ما يطلب او ما هو قريب منه سيكون على صعوبته الأقرب منالا.
في تلك المرحلة السياسية قال بريجنسكي قولته الشهيرة.. ” لقد القينا بالصنارة للمنظمة ولم تلتقطها فوداعا منظمة التحرير”
ظلت المنظمة تحاول تفادي الاعتراف بالقرار 242، وفي ذات الوقت تطلب من الوسطاء الوازنين العمل على الحصول على اعتراف امريكي ولو موارب بالمنظمة، الا ان كل المحاولات باءت بالفشل فمن يكسر قرار الكونجرس من اجل منظمة تقف إسرائيل لها بالمرصاد على جميع أبواب المؤسسات الامريكية وفوق ذلك تتهم بالإرهاب.
لم تتحقق مقولة بريجنسكي الا على صعيد واحد هو عدم الاعتراف الأمريكي بالمنظمة، الا ان الذي حدث فعلا آنذاك ان المنظمة كبرت وكبر دورها ووصل العالم بما فيه أمريكا وحتى إسرائيل الى يقين باستحالة تجاوزها اذ لم يجد كل خصومها فلسطينيا او عربيا واحدا يخترق تمثيلها للشعب الفلسطيني او يدعي شرعية النطق باسمها.
عوامل قوة المنظمة وصمودها وتجاوزها “لباي باي بريجنسكي” كانت قوية وفعالة على كل المستويات ، ورغم انها خسرت حرية حركتها في جميع جغرافيات المواجهة مع إسرائيل الأردن ثم لبنان فسوريا، الا انها انتقلت بكفاءة الى مواقع اكثر رسوخا في الجغرافيا السياسية ما أهلها لأن تغلق كل الدوائر الإقليمية والدولية لمصلحة تمثيلها لشعبها والتفاوض باسمه، وحين فتح ملف الحل السياسي في مدريد ثم واشنطن جرت تسوية لمسألة المشاركة فيها تحايل على مكانة المنظمة اذ منحت حق القرار في كل حركة وسكنة للوفد المفاوض وسلب منها حق الحضور المباشر .
كان الجزء الأول من المعادلة الجديدة ترضية لياسر عرفات والجزء الثاني ترضية لاسحق شامير، غير ان ما حدث في مدريد وما حدث فيما بعد في واشنطن من استبعاد للمنظمة كتمثيل مباشر، فتح الباب الخلفي الذي غير مجرى التاريخ الفلسطيني والمسمى باوسلو حيث منظمة التحرير هي المفاوض المباشر وحيث ياسر عرفات ومحمود عباس من ظهرا أخيرا في البيت الأبيض لرعاية وتوقيع الاتفاق.
منذ ذلك الوقت بدأ العد التنازلي المتسارع لمكانة ودور منظمة التحرير واغدق العالم على السلطة المستجدة التي كانت المولود البكر ناقص الأعضاء كتجسيد اولي” للتسوية التاريخية”، وانتقل الزخم موضوعيا بل وحتميا للسلطة الممولة من العالم كله.
لم ينجح اهل السلطة والمنظمة في إيجاد التوازن المطلوب والضروري بين الجسم المستجد والجسم القديم ، خصوصا وان اهل الجسمين هم انفسهم هنا وهناك.
الدعم والتبني الدولي الشامل الذي توفر للسلطة المستجدة جعل منظمة التحرير مجرد غلاف شرعي للسلطة، اذ لم يكن زمن أوسلو غيرها من هو موجود للتفاوض وتوقيع التفاهمات والاتفاقات، وحين تكرست السلطة في البدايات بدا وكأن لم يعد للمنظمة من دور سوى توفير بعض الشرعية للسلطة ليس دائما ولكن عند الحاجة.
آلت الأمور أخيرا الى ما نحن فيه… شرعية معترف بها من الخصوم والأصدقاء على حد سواء، ومكانة متلاشية على صعيد الفعل والقرار وهذا ما حدث بالضبط مع منظمة التحرير وعلاقتها الفعلية بالشأن الفلسطيني واسألوا اللجنة التنفيذية للتأكد.