المستهلك والإجراءات الحكومية المعيشية التخفيفية
استطاعت وزارتا المالية والاقتصاد الوطني أن تخطوا خطوات إلى الأمام في الاتجاه الصحيح، انسجاماً مع توجهات جمعية حماية المستهلك الفلسطيني ونبض الرأي العام، ولعل أهمها ألا تتجاوز نسبة ضريبة القيمة المضافة 5% على السلع والمواد الغذائية المنتجة محلياً، علماً أن نسبة هذه الضريبة حالياً 16%، وعدم فرض ضريبة الشراء على الصناعات المحلية، الأمر الذي سيلامس قطاعات واسعة من جمهور المستهلكين الذين تراجعت قدرتهم الشرائية، وبات جزء منهم يصنف في صفوف الفقر، خصوصاً أن هناك إصراراً على عكس خفض الضريبة المضافة على المستهلك، وألا تتوقف عند التاجر، وهذا موضوع مفصلي.
كان لسان حالنا ولا يزال كممثلين عن جمهور المستهلكين واضحاً، وليس حمّال أوجه، وجوهره أن كل خطوة تخفيفية تتخذ يجب أن تنعكس على المستهلك، ويجب أن تكون تفاصيلها واضحة للمستهلك، وهذا أنتج على الأرض من خلال خطاب سلطة الطاقة والموارد الطبيعية للجمهور: إن ارتفاعاً لن يحدث في تعرفة الكهرباء مثلما يحدث في السوق الإسرائيلي، ونحن لم نرسل التعرفة الجديدة للحكومة لإقرارها، ومنعنا الشركات من الرفع دون قرار حكومي.
وانطلق لسان وزارة المالية، الذي كنا ننتظر انطلاقته، بقولها في خلية الأزمة: إن البترول يدعم بـ 40 مليون شيكل كل شهر للتخفيف عن المواطن. وانسحبت موجة الصراحة أيضاً على وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بخصوص رسوم الشراء عبر الشبكة العنكبوتية من الشركات العالمية وارتفاع رسومها وأجور شحنها، فأعلنت الوزارة أنها ستحرر البريد المحتجز، وتوصله لأصحابه ليوقعوا على تعهد بأن يستخدموا فقط العنوان الفلسطيني.
وغردت وزارة الصحة: إنها تراجع باستمرار أسعار الأدوية ضمن لجنة التسعير الدوائي، وغالباً ما يُؤتى على خفض الأسعار، وغالباً ما يتم وقف تعديل الأسعار ارتفاعاً؛ مراعاة لوضع عام مثلما حدث في أعوام الـ»كورونا»، ولكن لا يزال النقاش مستمراً بخصوص منع البيع في الصيدليات بأقل من التسعيرة المثبتة على الدواء طالما نقول: سوق حر.
وركزنا على انعكاس الكوتا (الاستيراد دون جمرك) على أسعار المستهلك فوراً، وكانت الرسالة واضحة، إلا أننا ما زلنا نتابع هذا الملف، وضرورة قيام وزارة المالية بعكس أي انخفاضات على ضريبة الشراء والجمارك في السوق الإسرائيلي على أسعار المستهلك فوراً، خصوصاً أن هناك إجراءات ضريبية وجمركية وإعفاءات في قضايا ما يسمى (التيكن) في الموانئ بصورة تقود إلى انخفاضات سعرية، يجب أن يكون المستهلك الفلسطيني جزءاً منها.
باختصار، اجتماع وزيري المالية والاقتصاد الوطني بالقطاع الخاص تمخض عنه الإعلان عن خطوات عملية بخصوص الأسعار ومستوى المعيشة في السوق الفلسطيني، منها ما هو متحقق فوراً، ومنها ما هو قائم، وجزء منها يحتاج إلى موافقة الحكومة وهذا ميسر وممكن، وهذه الخطوة المهمة امتداد لجهد تحقق في شهر تشرين الأول الماضي عبر خلية الأزمة، والتي أصدر الرئيس محمود عباس تعليمات بتشكيلها، من خلال اتصاله مع وزير الاقتصاد الوطني، ومعي كرئيس لجمعية حماية المستهلك، وبقينا على تواصل كخلية أزمة، وظل وزيرا الاقتصاد الوطني والمالية راعيَين لهذه الخلية ويضخان الدم في شرايينها، وعكست نتائجها في قرارات الوزارتين، ولعل ضريبة الشراء على العصائر والمرطبات والبلاستيك للاستخدام لمرة واحدة نموذج عندما تمّت معالجتها بالتشاركية، وحماية المنتجات الفلسطينية وتقديمها على كل ما يستورد للسوق الفلسطيني.
استطاعت الغرف التجارية أن تكون شريكاً حقيقياً، وخرجت عن نمط التقليدية بأنها حامية للتجار والموردين على حساب البقية إلى صورة عصرية، جوهرها أن (المواطن أولاً)، وهو عماد التجارة والصناعة والاستيراد، وبات خطاب الغرف التجارية واضحاً، وهو أن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار سيقللان من استهلاك المستهلك وسيضران بنا، لذلك كانت حاضرة.
وكان الإعلام الاقتصادي عاملاً مساعداً بالتغطية الإعلامية وتحليل الأرقام والمعطيات الاقتصادية، رغم أن الإعلام احتاج يومين للحديث عن نتائج اجتماع الوزيرين مع القطاع الخاص رغم أهمية هذا الحدث وجوهريته، ولاحظنا أن بعض وسائل الإعلام رجعت لمصادر من الوزارات لتفصيل الاتفاق.
وكان بالإمكان أفضل مما كان بخصوص دور البلديات في المدن الكبرى، خصوصاً من خلال وحدات التنمية المحلية، والتي تتعاطى مع أصحاب المشاريع الصغيرة والحرف والمهن، وتضع خططاً للتنمية المحلية بصورتها الشمولية. وكان بإمكان مجالس التنمية المحلية أن تكون أكثر حضوراً في طرح معالجات طالما استطاعت أن تنشئ هذه الوحدات وهذه المجالس.
ويحتاج دور الاتحادات والنقابات العمالية إلى تقييم شامل حول مدى حضورها للدفاع عن العمال وحقوقهم، والانتصار لهم كونهم يمثلون المستهلك محدود الدخل المستهدف بكل هذه الإجراءات الحكومية، والتي تشاركها فيها جمعية حماية المستهلك، وهنا يجب النظر في هذا الدور. وعدا الشراكة في قضايا الحد الأدنى للأجور على أهميته، إلا أن ذات الشركاء مع النقابات العمالية واتحاداتها هم ذاتهم شركاء كممثلين للقطاع الخاص.
وباتت مؤسسات المجتمع المدني مطالبة في الحد الأدنى أن تسند دور جمعية حماية المستهلك، وأن تكون ظهيراً لها في نضالها المطلبي بخفض الأسعار ومعالجة القضايا المعيشية، خصوصاً أن جلّها يتمحور تحت عنوان «العدالة الاجتماعية».