الدب الروسي يعودُ مجدداً.. هل انتهى التفرد الأمريكي؟
كتب رئيس التحرير: يبدو أن الحرب الباردة لم تتوقف كما أعلن قبل أكثر من 30 عاماً، رغم انهيار الاتحاد السوفيتي، ما حدث هو تبدل وتغير في شكل الأحلاف والخلافات بين الدول، في ظل تحول من الشرق إلى الغرب، ومن أدنى سلم الدول إلى أعلاها، بحيث انتقلت دول كانت نامية فأصبحت في مصافّ الدول الكبرى كالصين.
ويبدو أيضاً أن الدب الروسي لم ينم، بل كان يعد العدة لاستعادة عافيته من الضربة القاصمة لها أوائل التسعينيات، ومن الأزمة الاقتصادية التي آذته كثيراً بعد ذلك التاريخ إلى عام 2000، وهو عام استلام فلاديمير بوتين الحكم في روسيا الاتحادية، وبعد 22 عاماً على توليه زمام الأمور في روسيا، يبدو أن الدب قرر أخيراً الخروج من وكره، ليغير ملامح النظام الدولي، ويعيده إلى ما كان عليه، نظام فيه ما يعرف بـ"توازن القوى" بين قطبين رئيسيين.
روسيا ليست لبنان وليست ايران ولا حتى تركيا، ولا يستطيع الغول الأمريكي الأوروبي التمادي بما يهدد وجودها أو حتى اقتصادها فهي تملك السلاح النووي الرادع، وأخطر الغواصات، بحيث أن صواريخها تدمر ولايات أمريكية ودولاً أوروبية بضغطة زر، وهذا كان واضحاً بتهديد بوتين الذي أجاب عند سؤاله حول استخدام السلاح النووي فقال: "نحن لدينا قرار باستخدامه في حالات الرد على عدوان يهدد وجودنا"، وأنهى بكلمة لا تقبل التأويل "ما فائدة وجود العالم دون روسيا".
الحلف الروسي ليس ضعيفاً وانما حلف لديه قدرة على الصمود والمواجهة ولديه مخالب، فالتنين الصيني جاهز بقوة سلاحه وقوة اقتصاده ويستوعب كل ما تنتجه روسيا وكذلك الكوري الجنوبي وحتى ايران وفنزويلا وكوبا ناهيك عن دول مثل الهند وباكستان وفق رؤية مصالحها وغيرها من الدول تصل لـ 20 دولة بالحد الأدنى.
هذه الحرب كشفت عن عودة الدب الروسي بقوّة، ورفضه القاطع، ولو باستخدام السلاح والقوة، أن يُهدد أحد أمنه وأمن حدوده، لذلك ولأنه يرى في الناتو عدوّه اللدود الذي صُمِم أصلاً لمواجهة حلف وارسو، والآن لمواجهة روسيا، فهو لن يسمح له بالوصول إلى أطرافه.
انتصار روسيا وعودتها كقطب في هذا العالم سيُعيد توازن القوى في النظام الدولي، وبالتالي إعادة تشكيل الأحلاف، وسيعود لروسيا دول تسير في منظومتها (أكبر مما عليه الآن بكثير)، لمواجهة أمريكا وحلفائها، وهي فرصة تنظر إليها الدول الهامشية والنامية كفرصة للخروج من تحت عباءة العم سام.
هذا بالنسبة إلى روسيا، لكن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت أمراً آخر، كشفت عن ازدواجية المعايير وعنصرية الغرب القبيحة، و كيل المجتمع الدولي بمكيالين، مكيال لأصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء (الأوروبيون)، ومكيال لبقية العالم (الثالث).
كشفت الحرب عن العنصرية في التعامل مع اللاجئين، فاللاجئ الأوكراني تُفتح له كل الدول الأوروبية، والعربي والإفريقي يموت في عرض البحر أو يقصف قاربه حتى لا يصل لشواطئ القارة (العجوز).
كشفت الحرب كيف أن الماكينة الإعلامية الدولية مضللة، وكيف تهرع لنجدة اليهود أينما كانوا، وكأنها إمبراطورية صممت أصلاً لتكون منبراً لهم وحدهم.
وكشفت الحرب كذلك عن كره عربي إسلامي ساحق لأمريكا وكل من يمشي خلفها، فوقوف العرب والمسلمون لا إرادياً مع روسيا، وكأنها "فشّت لهم غُلهم" من هذا التبجح والغرور والانحياز الأمريكي.