موقع العرب في جيوبوليتيك الصراعات الدولية
نظم القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة مسألة حياد الدول وقت الحرب، والحياد موقف سيادي تتخذه دولة تمتنع بمقتضاه عن المشاركة في حرب دائرة بين دولتين أو أكثر كما تمتنع عن اتخاذ موقف مناصر لأحد طرفي الصراع، ولكن الذي يحدث أن الدول الصغيرة تجد نفسها مُقحمة في الحرب دون إرادتها وتنسحب عليها مفاهيم النصر أو الهزيمة بالتبعية، خصوصاً إن كانت خاضعة للاستعمار من إحدى الدول المتحاربة أو بينها وبين الدول المتحاربة اتفاقات أمنية أو فيها قواعد عسكرية لإحدى الدول المتحاربة.
فمع اندلاع الحرب بين روسيا والغرب على جبهة أوكرانيا وجدت دول وكيانات سياسية عديدة نفسها في موقف حرج ومترددة ما بين الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، الغرب تمكن من تشكيل تحالف دولي يضم النيتو ودول أخرى في مواجهة روسيا التي ما زالت وحدها تقريبا في المواجهة المباشرة مع تأييد عن بعد لدول صديقة كالصين وفنزويلا وسوريا وكوريا الشمالية وبعض دول الجمهورية الإسلامية الجارة لروسيا والتحالف ليس فقط عسكري بل واقتصادي ومالي يتمثل في العقوبات المفروضة على روسيا، أما غالبية الدول العربية فما زالت حذرة وتبدو محايدة من ناحية ظاهرية وتنتظر تطورات الحرب لاتخاذ موقف منها، إن كانت مضطرة إلى ذلك.
ظهر هذا الحذر في عدم تصويت الإمارات لصالح الغرب في الأمم المتحدة وموقف السعودية المتردد في الاستجابة لمطالب واشنطن بتعويض النقص في الغاز والنفط الذي قد ينتج عن توقف الإمداد الروسي، وموقف البلدين يحتاج لقراءة متأنية دون تَسرُع في إصدار الأحكام، أما سوريا فقد أعلنت انحيازها لروسيا ويمكن تفهم هذا الموقف ارتباطاً بالدور الغربي في الحرب الدائرة في سوريا والدعم العسكري والاقتصادي الذي تقدمه روسيا لها .
الحياد موقف مطلوب لأن التجارب السابقة مع الحروب العالمية أو المواجهات بين القوى العظمى كانت مؤلمة على العرب، وكان هؤلاء يدفعون الثمن حتى دون أن يشاركوا فعلياً ورسمياً في الحرب كما جرى في الحرب العالمية الأولى حيث تم توقيع اتفاق سايكس- بيكو 1916 بين فرنسا وبريطانيا وتقسيم بلاد الشام بينهما وأيضاً كان وعد بلفور 1917، وكان قيام دولة الكيان الصهيوني إحدى نتائج الحرب الثانية، حتى في زمن الحرب الباردة تحولت بلاد عربية لساحة صراع أيديولوجي وسباق بين المعسكرين على استقطاب هذه الدول وإقامة قواعد عسكرية فيها.
مع أنه من الصعب الجزم بما ستؤول إليه الحرب العسكرية المباشرة الدائرة في أوكرانيا إلا أنه حتى في ظل بقاء الصراع في حدوده الحالية لفترة طويلة سيحتاج كل من الغرب وروسيا لحشد حلفائهم وتوظيف قواعدهم العسكرية في الخارج وتفعيل الاتفاقيات الأمنية الاستراتيجية الموقَعة مع هؤلاء الأصدقاء.
وفي هذا السياق تأتي الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وخصوصاً المنطقة العربية التي هي بمثابة قلب العالم من منظور الجيوبولتيك وبها من الثروات الطبيعية وخصوصاً الغاز والنفط ما يجعل الدول الكبرى المتصارِعة الآن تفكر بتوظيف ما لها من علاقات وتحالفات في المنطقة في مواجهة خصمها، وإن كان لإسرائيل وتركيا وإيران مواقف ومصالح خاصة بها ومواقفها قد تتبلور أكثر مع قادم الأيام، فإن للعرب خصوصية تتطلب منهم بلورة موقف موَحد قدر الإمكان من الحرب و خصوصاً أن في كثير من الدول العربية قواعد عسكرية أمريكية و روسية وفي المنطقة العربية ممرات مائية استراتيجية وهي مهمة أيضا لطرفي الحرب في سياق الحرب الاقتصادية والمالية ورغبة الغرب في تفعيل العقوبات على روسيا، بالإضافة إلى اعتماد العرب شبه الكلي على شحنات القمح التي تأتي من الدول المتحاربة وخصوصاً روسيا وأوكرانيا.
في اعتقادنا أن الشرق الأوسط سيكون ساحة حرب رئيسة في حالة توسع الحرب الأوكرانية وتحولها إلى حرب عالمية وفي هذه الحالة ستلجأ الدول المتصارعة لتوظيف قواعدها العسكرية المنتشرة في كثير من الدول العربية، أيضاً محاولة السيطرة أو التأثير على حركة الممرات المائية في المنطقة، وقد تنزلق الدول العربية إلى الحرب في حالة مشاركة دول الجوار – إيران وتركيا وإسرائيل- في الحرب ولهذه الدول الثلاثة ملفات وخلافات عالقة مع دول عربية بل ولها تواجد عسكري وأمني في أكثر من بلد عربي.
تكمن الأهمية الجيوبوليتيكية للمنطقة العربية في وجود القواعد العسكرية الأجنبية وفي الممرات المائية الدولية أيضا في هشاشة أو ضعف الدولة أمنيا.
أولا: بالنسبة للقواعد العسكرية
هناك عشرات القواعد المُعترف بها رسمياً متواجدة في الدول العربية أهمها:
1- قطر: قاعدة العيديد الأمريكية، بالإضافة إلى قاعدة تركية
2- الإمارات العربية المتحدة: قواعد أمريكية، قاعدة فرنسية ،قاعدة أسترالية
3- الكويت: قواعد أمريكية، قاعدة بريطانية
4- العربية السعودية: قواعد أمريكية
5- البحرين: قواعد أمريكية ،قاعدة بريطانية
6- العراق: قاعدة عين الأسد الأمريكية
7- سلطنة عمان: قواعد أمريكية
8- جيبوتي: قاعدة صينية، أمريكية، فرنسية، إيطالية، يابانية
9- سوريا: قواعد روسية، قاعدة أمريكية، قاعدة بريطانية
10- ليبيا: قاعدة تركية
11- الأردن: هناك تواجد أمريكي ينسق مع الجيش الأردني في محاربة داعش
هذا بالإضافة إلى معلومات غير مؤكدة عن وجود قاعدة أمريكية في المغرب، ووجود قواعد عسكرية لتركيا والإمارات في ليبيا واليمن، واتفاقات أمنية ذات طبيعة عسكرية استراتيجية بين إسرائيل والإمارات والمغرب والبحرين، دون أن ننسى أكبر قاعدة أمريكية في العالم العربي وهي إسرائيل.
من المعروف والمؤكد أن الدول الكبرى عندما تُقيم قواعد عسكرية لها في مناطق استراتيجية ليس من أجل الوجاهة السياسية والعسكرية أو لحماية أنظمة الدول المضيفة بل كقواعد عسكرية يتم استعمالها في أي حرب مستقبلية، والدول المستضيفة لهذه القواعد لا تملك من أمرها شيئاً إن أرادت الدول صاحبة هذه القواعد استعمالها في الحرب، وبهذا قد تتورط الدول العربية بالحرب دون إرادتها.
ثانيا: الممرات والمضائق المائية
بالإضافة إلى القواعد العسكرية فإن المنطقة العربية تُشرف أو تتحكم بعدة مضائق مائية لها أهمية عسكرية وتجارية وقت الحرب وهي :
1- مضيق باب المندب
2- مضيق هرمز
3- مضيق جبل طارق
4- مضيق تيران
5- قناة السويس
ثالثا: هشاشة الدول العربية وضعف تحالفاتها الدولية
نتيجة ما يسمى الربيع العربي تفككت عديد من الدول العربية وتفشت فيها الصراعات العِرقية والطائفية الدينية وفي بعضها تم استجلاب قواعد وقوات أجنبية لأراضيها لحماية أنظمتها وفي أخرى حدث تدخل وغزو أجنبي دون إذن الدولة، كل هذا أنتج دول ضعيفة وبعضها يندرج ضمن الدول الفاشلة، هذا الوضع الأمني الهش سيشجع الدول المتحاربة دولياً كما هو جاري بين روسيا والغرب على تجنيد عرب ومسلمين كمرتزقة في الحرب ومنها جماعات إسلاموية متطرفة سبق وتم توظيفها لخدمة أجندة أجنبية. يضاف إلى ذلك فإن تحالفات الدول العربية مع الغرب، وحتى تحالف سوريا مع روسيا، تحالفات هشة وغير استراتيجية وليست كشاكلة التحالف الأمريكي الإسرائيلي مثلاً، وقد بان هذا الضعف في عدم تدخل الغرب لحماية حلفائه وخصوصاً السعودية والإمارات من الهجمات التي تتعرض لها من الحوثي، وسبق أن تخلت عن حلفاء زمن ما يسمى الربيع العربي مثل الرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين.
وأخيراً، فبالرغم من أن حالة الانقسام العربي/ العربي لا تبشر بإمكانية اتخاذ موقف عربي موحد لصيانة الأمن القومي إلا أن خطورة الوضع واحتمال تدخل تركيا وإيران وإسرائيل في الصراع يتطلب على أقل تقدير بحث الموضوع بشكل جاد في قمة عربية أو على مستوى الوزراء المعنيين كوزراء الخارجية والاقتصاد والمالية والدفاع، وللأسف فإن قدرة إسرائيل على توظيف الحرب لصالحها أكبر من قدرة العرب.