الانتخابات البلدية بين الدساتير والانظمة ومقولة "كسر العُرف"!
بالرغم من إنني ومنذ بداية الحديث عن انتخابات المجالس والهيئات المحلية قد اوضحت عدم رغبتي بالتدخل مباشرة فيما يجري من تهيئة للانتخابات البلدية ، الا ان ما صدر خلال الأيام الماضية من احدى القوائم "الكتلة المستقلة "برام الله من موقف لم أفهمه بَررَت به عدم مشاركتها بالمناظرة الانتخابية لرؤساء القوائم، دفعني بان اعبر عن موقفي بكل حرص ومسوؤلية تجاه وطني ومدينتي وما يتعلق بها من حراك انتخابي مشروع ، خاصة بعدما اعلنته تلك القائمة المذكورة من موقف غير موفق بادعائها عن قيام بعض القوائم "بكسر العرف ...! "
فبعد انطلاق الدعاية الانتخابية لمختلف القوائم التي نحترمها ، عادت بي الذاكرة لجولات الانتخابات المختلفة لبلدية رام الله وخاصة منها عام ١٩٧٦ حين تفتحت عيوننا على قضايا وطننا وشعبنا في مناهضة الاحتلال وما جرى من تشكيل للكتله الوطنية انذاك بعيدا عن الانتماءات العشائرية وعن مفاهيم الأصل والغرابة ، واعتمادها مبداء المواطنة والانتماء الوطني لبرنامج منظمة التحرير لاعضاء الكتلة ضد مشروع الإدارة المدنية انذاك ، وما تبعها من جولات أخرى بالانتخاب أو التعيين، وما رافقها من حملات انتخابية ومن انجازات للمجالس البلدية المتعاقبة التي أكن لها الاحترام في زمن أصبح العمل العام محفوف بتزاحم الانتقادات السلبية التي فاقت النقد الايجابي .
ومن هنا سأبدي رأيي المتواضع في مسار الحملة الانتخابية الحالية من حالة التنافس القائمة على مقاعد المجلس البلدي ورئاسته وخاصة بشأن ما يتناقله البعض من كلام غير مسوؤل لا يؤدي سوى للفرقة واعني بذلك مقولة" كسر العرف" التي تتردد من البعض القليل برام الله وغيرها ، دون تحميل جمايل من أحدا لأحد ، فالنازحين والمهجرين زمن جريمة النكبة لم يتركوا مسقط رأسهم برغبتهم .
فعلى المتنافسين الذين ضمن لهم الدستور حق الترشح دون تمييز ، أن يتحلوا بالقدرة على استيعاب حق التعددية والتنوع في إطار من الوحدة الذي يميز مدينتنا رام الله بجمالها ، دون محاولات إقصاء أحدا لأحد .
فالتنافس لا يجب أن يكون شخصيا أو اصولياً وانما بالقدرة على طرح الأفكار والبرامج التي ترى بها القوائم المتنافسة منهجا لتطوير المدينة وخدمة كل سكانها بالقطاعات الخدماتية والثقافية والعمرانية والشبابية منها تحديدا لكون الشباب هم جيل الغد الذي يصنع مستقبل أفضل لنا جميعا ، وذلك من خلال وضع وايضاح آليات تمكين الصمود والبقاء لهم هنا على أساس المواطنةو العدالة والمساوة بينهم جميعا سنداً للتشريعات وللأنظمة والقوانين المرعية والفهم الواعي لتطور مجتمعنا وتقدمه الذي نُحب .
أن المسؤولية تقتضي في ظل ظروف شعبنا الذي عانى وما زال التشرد ومحاولات اقتلاعه من أرضه والجرائم المستمرة المرتكبة بحقه من المحتلين العنصريين ، أن يتعالى على ما قد يسبب اية خلافات أو تنغيصات لا تستدعيها مسيرة كفاح شعبنا ووحدته نحو الحرية والاستقلال الوطني بقيادة منظمة التحرير ، والتقدم الاجتماعي والبناء الديمقراطي لمؤسساتتا التي ساهم في بنائها الكل الوطني السياسي والمدني بمختلف أطيافه في مدينتنا رام الله وغيرها من المدن في ارجاء الوطن الذي لا نملك سواه .
أن التمايز برؤى العمل والبرامج هو ما يجب أن يكون معيار التنافس المشروع والصحي ، حتى يكون بإمكان الناخب أن يختار ويفاضل وفق ما يتفق مع رؤيته وتطلعاته لما هو أفضل لمكانة مدينتنا وتطورها ولمجتمعنا وتقدمه .
أن تجربة العمل والخدمة العامة ليست محفوفة بالورود كما قد يعتقد البعض ، انما ذلك يجب أن يعطي الشعور بالابتهاج حين يتحقق مفهوم ومعنى الوصول للمقاعد بأنها تكليف انتخابي وليست تشريف وحين تتحقق القدرة على خدمة الآخرين والصالح العام من خلال الاجتهاد بالعمل والمبادرة لتقديم الأفضل لما ينتظره الناخبين من إنجازات ، دون اغفال حقيقة قول أن ارضاء كل الناس غاية لا تدرك .
أن التنافس في مرحلة الانتخابات وما له من تداعيات التي قد تكون خلافية في بعض الأحيان هو حق ، بشرط أن تكون تلك الخلافات تدور حول اجتهادات تتعلق بتحقيق المصلحة العامة دون اية أبعاد شخصية ودون ان يفسد ذلك بالود قضية .
اتمنى التوفيق لكافة من لديهم القدرة والكفاءة على العمل بروح الفريق الواحد دون الانجرار إلى مفاهيم العشيرة والقبيلة او مفهوم "كسر العرف" ، والتي حتما تتعارض مع رؤية تقدم مجتمعنا بشكل واعي وانساني متحضر ، بل ومع الدساتير والتشريعات .
فبعد أن تنتهي الانتخابات بتصافح الفائزين على طاولة اول اجتماع ، وتذهب النعرات والضغينه و الفئويه والعصبوية التي نأمل أن لا نراها ابدا ، إلى دهاليز النسيان . على الفائزين بعدها من مختلف القوائم وفق التمثيل النسبي الذي وجد بالقانون ليتيح مبداء التنوع والتعددية ، أن يعمل جميع الفائزين من مختلف القوائم في ظل مجلس بلدي من الأفضل أن يكون متجانسا بالقدر الممكن حول خطط العمل بما يؤهل إلى النجاح لاعضائه جميعا كفريق واحد من جهة وللمدينة ومجتمعها من جهة أخرى . وعليهم إيجاد القاسم المشترك الأفضل والإنسب من حيث الكفاءة والانتماء لاختيار / انتخاب رئيس المجلس على قاعدة المواطنة ووفق ما حدده القانون والنظام والمراسيم الرئاسية الواضحة ذات الخصوص ودون إضافات ، وفقا للقاعدة القانونية التي تقول " لا اجتهاد بالنَص " ، فالتشريع يحوي جميع القواعد القانونية اللازمة لتنظيم الانتخابات .
إن القول بنشوء عرف مخالف للدستور أو القانون، سواء كان عرفاً منشئاً أو كان عرفاً مكملاً أو مفسراً، وإنزاله منزلة القانون، من شأنه أن يشجع الناس على عدم احترام القانون والاستهانة بأحكامه، والاستمرار في الخروج على هذه الأحكام والاعتياد على ذلك، ليرسخ لدى الناس الاعتقاد بأن ما يقترفونه من أفعال مخالفة للقانون ، هو القانون الذي يجب أن يسيروا عليه باعتباره عرفاً منشئاً أو مكملاً أو مفسراً، أن ذلك المفهوم يؤدي إلى ضياع هيبة القانون وهيبة النظام وهيبة الدولة التي تستمدها من تلك الهيبات الدستورية.
فشعبنا الذي عانى وما زال من سياسات الاحتلال من التمييز العنصري والفوقية اليهودية ، لن يستوعب اليوم ونحن بالعقد الثاني من القرن الواحد والعشرين اي شكل من التفرقة او التميز بين مَن مِن هنا أو مَن مِن هنالك ، فكلنا ابناء هذا الوطن وكلنا من سكان هذه المدينة التي نعتبر أنفسنا من أبنائها بواقع اما الولادة فيها والسكن والعطاء والعمل بها والتملك ودفع الضرائب والرسوم بها على قاعدة تساوي الجميع فيها بالواجبات والحقوق ، فلا فرق بين احداً وأحد سوى بالقدرة والكفأة على العمل والانتماء ، ومن حق من ينطبق القانون والنظام عليهم التنافس الحر على المقاعد ولاحقا على توزيع المهام بما حددته المراسيم بقوانين والنظام ، فالوطن ليس بحقيبة ولا أحد بمسافر .
لذلك لا مبرر لإشاعة الفرقة تحت مبررات التمسك بعادات قديمة نشأت في واقع مختلف جدا عن واقع اليوم الذي أصبح مدنيا واسعا وتعدديا ، فالمتغير هو الثابت الوحيد بهذه الحياة . ومن الان اقول مرحى لمن ينجح ليخدم المدينة بكل سكانها ومرحى أيضا لِمن لن يحالفه الحظ ، على أن يبقى الجميع في حب ووئام وباصرار كما بالبرامج الانتخابية على خدمة المدينة من اي موقع كان .