ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض
هي سنوات حديدية ، العصر الإسرائيلي الحديدي : البنادق والرصاص والطائرات والقنابل والأبواب والأسلاك وتكلس الحيطان، الاف الأسرى خلف التاريخ المعاصر ، عالم آخر ليس مدرجا في سياق الأحداث والمعادلات والتطورات ، ظلال بعيدة في النصوص والخطابات والمدائح والحلول السياسية والاتفاقيات.
هي سنوات الأبرتهايد الإسرائيلي في أعلى تجلياته العسكرتارية الدينية الاستعمارية والفاشية ، سنوات لا قيمة فيها للإنسان ، الهمجية والسلبطة والنهب والسرقة وهدر الحقوق ، ابقاء الأسرى خلف حدود الوعي يقاتلون حتى اخر طلقة للنسيان.
من هم الأسرى ؟ أنا وانت وأمك وابيك وابنك واخوتك وأصدقاؤك وأحباؤك وجيرانك وأقاربك ، هم وجه الوطن وهم أكثر فئات الشعب الفلسطيني التي تعرضت للقمع والسحق والاعتقال ، ما أكبر قصتهم التي هي قصة حركة التحرير الوطني الفلسطيني، ما أكبر معاناتهم التي هي معاناة من يسعون للحرية وحق تقرير المصير ، ما أجمل صمودهم وهم يقارعون الوحش الاسرائيلي على مدار الساعة بأجسادهم وأرواحهم ، ما أروعهم وهم يتحركون في اللا مكان بدمهم وإرادتهم يقاومون كل طبقات التغييب والغياب.
من هم الأسرى ؟ هم الذين خصصت لهم القوانين الدولية صكوكا عديدة واتفاقيات وقواعد وأحكام ومواثيق انسانية وقضائية ، هم السردية الموجعة في عصر الديمقراطيات والعولمة وحقوق الانسان ، هم خارج كل ذلك ، هم خلف الأبواب ، ليسوا بشرا لكي يستنفر من أجلهم المجتمع العالمي كما استنفر في الحرب الروسية الأوكرانية ، ليست عيونهم زرقاء ، لا يستحقون أن تغضب في سبيل حريتهم الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وكل هذا العالم الكاذب المخادع تحت غطاء ما يسمى الشرعية الدولية.
الشرعية الدولية هي شرعية المستعمرين الذين أسسوا وطنا للصهيونية على أنقاض الشعب الفلسطيني، هي شرعية الغزاة التي اعترفت بهذا الكيان الذي اغتصب ارض فلسطين وتحول الى أكبر استعمار وحشي في منطقة الشرق الأوسط، الشرعية الدولية هي شرعية التنويم المغناطيسي التي تستخدم لتخدير الشعوب المقهورة بلغات سحرية متوارية ، شرعية لم تنقذ بيتا من الهدم أو أسيرا من الموت مرضا وتعذيبا ، شرعية لم توقف مستوطنة واحدة في الأراضي المحتلة ، شرعية لم تضع حدا للقتل اليومي والتصفيات والاعدامات الميدانية والاستباحة الصهيونية لشعبنا وحقوقه العادلة ، سقطت مفردات حقوق الانسان ولكن لم يسقط الانسان.
قرر الأسرى أن يخوضوا اضرابا عن الطعام يوم 25-3-2022 ، انه اضراب مختلف ، اضراب سنوات المؤبدات الثقيلات، اضراب اسئلة المقبورين المتشبثين بالحياة ، اضراب تعديل مفهوم السلام العادل والمعايير الدولية المزدوجة ، اضراب ضد الكذب والتزوير، اضراب ضد جهنم الاسرائيلية ، اضراب ضد كل من انحنى وساوم وقايض ولم يثخن في الارض من اجل الحرية وسلامة الأسرى، اضراب الأسرى يبحث عن انبياء جدد ، انبياء يخلعون المسامير والاشواك من الارض والعقول والأجساد ، أنبياء لا تكتمل رسالتهم في الدنيا والآخرة الا بإعلان الحرية عقيدة ودينا وفكرا اكتمالا لرسالتهم التضحوية.
اضراب الاسرى هو اضراب المقهورين والمهمشين الذين ماتوا منذ زمن بعيد ، لم يصدقهم بروتوكول السلام وهو يجترح نصفا للطريق، صاروا هشاشة في موازين القوى التي لا تميز بين القاتل والقتيل ، اسرى واسيرات يعيشون حياة الصفر طويلا وعند كل فاصلة يستمرون بالرحيل ، اسرى لم يعودوا يروا اشباحهم على شاشة الاعلام أو في كتاب المؤرخ أو في قول فيلسوف بليغ يتحدث دون قيد أو دليل، لا توقفوني عن الموت يقول الأسير ، لا ترجعوني تحفة لأجل النشيد.
إضراب الاسرى القادم هو غضب السنوات الحديدية ، التمرد على الظلمة الحالكة ، الصعود الى الأعلى من قاع النفق والهاوية، رد الاعتبار لأربعين عاما وأكثر خلف القضبان ، رد الاعتبار للأعمار المقصوفة ، رد الاعتبار للنساء والاطفال والمرضى وكبار السن، رد الاعتبار لثقافة الحرية والمقاومة ، رد الاعتبار لهذا الشعب العظيم ولتاريخه المجبول بالدم والصمود والبطولات الخارقة.
اضراب الاسرى هو المحاكمة العلنية الاخيرة لكل من تركهم وحدهم طوال هذه السنوات، هي محاكمة للمجتمع الدولي الذي لم يفرض أدنى عقوبة على دولة الاحتلال، هي محاكمة للخطابات التي ليس لها اقدام على الارض ،هي محاكمة لهذا الفراغ والتيه الانساني والسياسي الذي يعيشه شعبنا، هي القفز عن هذا السور العالي ، عن هذا الحاجز المادي والادراكي، هي اما نكون اندادا في الحياة أو لا نكون.
أيها الناس هذه المرة غيروا اساليب التضامن مع الأسرى، اجعلوا من قصة الاسرى محكا لضمائركم وشرفكم، اجعلوها اساسا وقاعدة للعدالة والسلام الشامل في هذه المنطقة، اجعلوها عنوانا في كل مكان، هناك وهنا وعلى الطاولة وفي كل المحافل، اجعلوها حالة طوارئ في قلب تل أبيب، اجعلوها قضية كل ابناء البشر في المعمورة ، اجعلوها عملية نضالية مستمرة ودائمة تفضح هذا المحتل وجرائمه الممنهجة.
ايها الناس انتصروا للأسرى ولأنفسكم، حرروا انفسكم عندها سوف يتحرر الاسرى، حرروا هذا التماهي والتطبيع مع الامر الواقع تحت مسميات مختلفة عندها سوف يتحرر الاسرى، ارفعوا شعار الحرية او الموت لا مساومة على الكرامة والحقوق القومية، اخرجوا من عبودية الاستكانة واللايقين ، لا تكونوا بشرا آليين متكلسين حائرين تائهين.
ايها الناس كونوا كالأسرى، قاطعوا محاكم الاحتلال وإجراءاتها العنصرية غير العادلة، حرروا السجن من عقولكم وارفعوا علم فلسطين حتى في اكثر الاماكن فظاعة ، كونوا كالأسير أيمن الشرباتي الذي رفع علم فلسطين فوق اسوار سجن نفحة، حرر السجن من داخله وعانق السماء، كونوا مثلهم عاصفة للحياة، يطلقها كريم يونس ونائل البرغوثي بملح أعمارهم من أجل أن يحيا كل انسان على موجة عالية.
ايها الناس كيف تعيشون ؟ البيوت ناقصة ، شهر رمضان يتيم ، الجنود من حولكم يداهمون ويقتلون ويعربدون ويعتقلون وينهبون ، كيف تعيشون في هذه السجون ولا تتمردون ؟ استيقظوا من هذا النوم الطويل الذي وضعوكم فيه ، استيقظوا على الحقيقة الصلبة والفاجعة ، لم يعد هناك وقت للانتظار ، المستوطنة اخذت ارضك وبيتك واولاد وحقولك ، المستوطنة تجرفك من التاريخ وتمحوك من الكينونة ، المستوطنة تستهدف هويتك الوطنية لتتلاشى وتصبح مجرد هامشٍ او ظلال ، استيقظوا لتروا العتمة والباب المغلق ، لتتوحد قبضاتكم لتهدم الباب والسياج وتستقبل شمسا اخرى ، شمس تطل من شرقنا نحن ومن القدس عاصمة فلسطين .