عن سياسة الصين في الحرب الروسية- الأوكرانية
مقالات

عن سياسة الصين في الحرب الروسية- الأوكرانية

كثيرة هي التساؤلات عن موقف الصين الرسمي من الحرب الروسية- الأوكرانية وما إذا كانت بكين ستخطو إلى الأمام باتجاه مد يد العون إلى الشريك الاستراتيجي موسكو لمساعدتها في تخفيف وطأة العقوبات الدولية المفروضة عليها، التي تهدد بقوة اقتصادها الصاعد.
قبل الخوض في موقف الصين من هذه الحرب، لابد من التركيز هنا على أن بكين تستخدم لغة متوازنة في التعامل مع مختلف الأطراف الدولية، حرصاً منها على مواصلة تحقيق النمو الاقتصادي، وهو هدف واضح بالنسبة للسياسة الصينية التي يتوسع نفوذها يوماً بعد يوم بالبعد الاقتصادي تحديداً.
لقد حجزت الصين موقعاً مهماً على سلّم النظام الدولي، وهي لا تريد خسارة هذا الموقع بالوقوف تماماً إلى جانب روسيا، على الرغم من أنهما متفقتان على أن الساحة الدولية لم تعد حكراً على الولايات المتحدة الأميركية، ومن الضروري تقريب وجهات النظر بينهما لفك هذا الاحتكار.
من ذلك، تدرك بكين أن الانحياز لموسكو في الحرب ضد أوكرانيا يعني تعرضها لموجة من الانتقادات الأميركية والأوروبية، وقد يتبع ذلك حرب اقتصادية ستكلفها خسارة مليارات الدولارات، خصوصاً وأن الدول الغربية من أهم الشركاء التجاريين للصين.
وفقاً للمعهد الأوروبي للإحصاء «يوروستات»، تفوقت الصين على الولايات المتحدة الأميركية في حجم التبادل التجاري مع أوروبا الذي بلغ 586 مليار دولار عام 2020، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين القارة العجوز والولايات المتحدة من نفس العام حوالي 555 مليار.
أوروبا تحتاج الصين كما يحتاجها العالم بالنسبة للسلع الرخيصة، وكذلك الأمر بالنسبة لبكين التي يهمها كثيراً التعامل مع أوروبا خصوصاً بعد حربها التجارية مع الولايات المتحدة التي خرج فيها التنين بفائض في الميزان التجاري بلغ حوالي 317 مليار دولار عام 2020، وفقاً لإدارة الجمارك العامة الصينية.
إذا أرادت الصين أن تواصل تحقيق النمو الاقتصادي الذي تصبو إليه، فإن عليها اعتماد سياسة ناعمة مع كافة الأطراف الدولية، وهذا ما يحدث بالضبط في موقفها من الحرب الروسية- الأوكرانية، إذ اختارت الحياد في هذه الأزمة وأعلنت استعدادها عن التوسط بين الطرفين الروسي والأوكراني لحل الخلاف.
بالتأكيد لا تريد بكين إدارة ظهرها لروسيا، لأنها تدرك أن الإطاحة بالدب الروسي سيعني بالضرورة التفرد الأميركي في مواجهة النفوذ الصيني، لكنها أيضاً مع روسيا ضعيفة ومنهكة عسكرياً واقتصادياً، لأن ذلك سيفتح الباب أمام زيادة الصادرات الصينية والاعتماد على النفط والغاز الروسي بأسعار تفضيلية.
صحيح أن روسيا تربطها شراكة استراتيجية مع الصين بتبادل تجاري بين البلدين وصل نحو 140 مليار دولار عام 2021، وتوقيع صفقات في لقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الصيني شيجين بينغ يوم 4 شباط الماضي بقيمة 117 مليار دولار لشراء النفط والغاز، لكن الصين ترغب بالوقوف في المنطقة الرمادية بين روسيا والولايات المتحدة.
هذا يعني أن بكين ستتخذ إجراءات لمساعدة روسيا لا تجعل واشنطن وأوروبا يُكشّرون عن أنيابهم ولا تهدد بتجاوز الخطوط الحمر، مثل تصدير منتجات صينية إلى السوق الروسي بديلة عن المنتجات الأميركية والأوروبية، وفي المقابل زيادة الاعتماد على المشتقات البترولية الروسية.
وأيضا فليس من مصلحة الصين أن تطول أمد هذه الحرب، لأنها تؤثر على الاقتصاد العالمي مع الارتفاع الكبير لأسعار النفط والغاز، ما يعني ارتفاع السلع والخدمات بسبب ارتفاع كلف النقل وسلسلة التوريد العالمية، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تراجع نموها.
بالتأكيد لا تُعوّل موسكو كثيراً على بكين في مسألة إنقاذها من العقوبات الاقتصادية الكثيفة المفروضة عليها، وهي تفهمت الموقف الصيني منذ الأزمة مع أوكرانيا عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم، ومع ذلك ترى روسيا أن ورقة المشتقات البترولية ستساعدها على فرملة تآكلها الاقتصادي.
أهم سلاح بالنسبة لروسيا ويُشكّل مصدر قلق للعالم هو سلاح البترول والغاز، ذلك أن أوروبا تعتمد كثيراً على إمدادات النفط والغاز الروسي ولا يمكنها التخلي عنه بسهولة وإذا حصل ذلك فإنه يحتاج إلى سنوات طويلة، وسيكلف الخزينة الأوروبية الكثير من المال لاستيراده من خارج القارة العجوز.
في النهاية، كل دولة تبحث عن مصلحتها أولاً، ثم تقرر بعد ذلك وتقيم ميزان الربح والخسارة في موضوع الاصطفافات الدولية، وكما هو حال الاتحاد الأوروبي يتبع الولايات المتحدة وفق المصالح المشتركة وحتماً بسبب تبعية الأول للثاني، فإن مصلحة بكين تقتضي مساعدة موسكو لكن بدون أن يهدد ذلك مصالحها الاقتصادية.
يبدو أن الصين ماضية في السيطرة الكاملة على السوق العالمي وستسحب البساط من تحت الولايات المتحدة، وأي قرارات خاطئة قد تؤجل هذا المشروع الاستراتيجي، ويكفي فهم هذه السياسة الخارجية من مجريات الحرب بالامتناع عن التصويت لإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك في عام 2014 حينما امتنعت الصين عن التصويت في مجلس الأمن حول مشروع قرار غربي يندد باستفتاء ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.