الانتخابات المحلية والحمل الكاذب
حاولت أن أستطلع ما يجري بالشارع وأن أعيش أجواء الانتخابات المحلية يوم أمس، والانطباع الأولي الذي خرجت به هو أن شعبنا متعطش للفرح ومتشوق لممارسة حقه في العملية الانتخابية وأن الانتخابات كانت بالفعل وكما يقولون عرسا ً وطنيا ً شاركت فيه كافة الفئات العُمرية حتى العجائز وكبار السن ولو من قبيل “الفزعة” لقريب أو نسيب.
كانت الشوارع مزدحمة بالناس وبالأعلام ومظاهر الفرح ترفعها السيارات التي تحمل إشارات القوائم الانتخابية رغم أنه يُفترض بأن الدعاية الانتخابية توقفت قبل الانتخابات بيوم واحد. وقد أعاد هذا المشهد الى الذاكرة مشاهد الانتخابات التشريعية والرئاسية في الأعوام 1996و 2005و 2006.
والمفترض أن تبدأ نتائج هذه الانتخابات بالظهور اليوم ليحتفل الفائزون لبضعة أيام ثم يعود الناس تدريجيا ً الى نظام حياتهم الاعتيادي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الفائز في هذه الانتخابات؟ وأقول بدون أي تردد هو أن الفائز ليس فصيل سياسي بعينه بل هو العشائر والحمائل والتعصب العائلي البغيض الذي أخرجناه من القمقم لأن نظام القوائم الذي تم تبنيه بنسبة 100% في بلد يفتقر للحياة الحزبية وضع المشاركين في الانتخابات تحت رحمة العشائر بنسبة 100%.
وإذا كانت القوائم في بعض المدن الكبيرة قد تشذ عن هذه القاعدة رغم ما أثارته من نعرات طائفية واجتماعية، فإن القوائم في البلدات الصغيرة التي يقل عددها عن 100 ألف نسمة خضعت بالتأكيد للاعتبار العشائري والعائلي. وأسوأ ما في هذا الخضوع هو أنه خلّف وراءه حزازات وأضغان لن يزول أثرها من النفوس بسهولة.
والدرس الأول الذي يجب أن نتعلمه من هذه الانتخابات هو أنه طالما ليس لدينا حياة سياسية وحزبية، وطالما أننا ما زلنا نحتكم للعشيرة وما زلنا نسير على هدي الشاعر العربي دُريد بن الصمّة الذي قال: “وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت ُ وإن رشدت غزيةُ أرشُدُ” ، فإن علينا تعديل قانون الانتخابات سواء المحلية أو التشريعية والعودة لأسلوب الانتخابات الشخصية بحيث يكون بإمكان الناخب أن يختار من يريد وألا يكون مجبرا ً على انتخاب قائمة معينة فقط لأن فيها ممثل عائلته وفيها أناس لا يثق بهم ولا يريد انتخابهم.
والحقيقة التي يجب أن ندركها هي أننا فشلنا في بناء نهج وتقاليد ديمقراطية لأن الديمقراطية ليست فقط انتخابات وصناديق اقتراع، وإنما هي ثقافة ومنهج وأسلوب حياة، وفشلنا أيضا ً في بناء حياة سياسية في ظل نظام سياسي يؤمن بالتعددية مكفولة باحترام مبادئ الدستور والقانون وتخضع فيها الأحزاب لقانون أحزاب ينظم دور الأحزاب ويكفل لها حرية العمل والتعبير والممارسة الحزبية وفق أحكام الدستور.
وفي غياب حياة سياسية وقانون أحزاب ونظام سياسي فإن أسلوب القوائم وخاصة في التجمعات السكنية الصغيرة والمتوسطة محكوم بالتأكيد بأن يكون رهينة في أيدي العشائر، بل وربما وفي أيدي أشخاص ومراكز قوى بعضها لا يحترم القانون بأبسط العبارات وأكثرها لباقة.
لقد كانت فتح وشعاراتها وأناشيدها تملأ الشوارع إبان الحملة الانتخابية وظلت الشعارات واختفت الأصوات يوم الانتخابات، وسنرى في اليوم التالي حين تخرج نتائج الانتخابات شعارات وأناشيد فتح تخرج للشوارع إيذانا ً بفوز فتح. ولكني أصر بأنه حتى لو كانت النتائج الظاهرية للانتخابات تشير الى فوز مرشحي فتح فإن مكونات بعض إن لم يكن أكثر هذه القوائم ليست فتحاوية بالمفهوم التنظيمي، وإنما هي مكونات عائلية بامتياز حملتها فتح على أكتافها مضطرة، لأن ما يهم فتح هو الفوز دون اعتبار لمن سيكون الحصان الفائز باسمها. فهذه الانتخابات هي أشبه بالحمل الكاذب إن جاز التعبير.
أما في التجمعات السكنية الكبيرة وأقصد المدن الرئيسية فليس من الصعب التنبؤ مسبقا بنتائج هذه الانتخابات لأن من الممكن القول بأن مشكلة فتح منذ قيام السلطة الفلسطينية هي تلاشي الحدود بينها وبين السلطة، وأصبحت فتح هي أول ما يتبادر للذهن حين ذكر السلطة وخاصة اذا كان سلبيا ً ، وأن أخطاء ومساوئ السلطة وما ينبثق عنها من أجهزة أو أذرع ينعكس سلبا ً على فتح التي لو كان لها هي أيضا حرية العمل الديمقراطي داخل مؤسسات الحركة لاستطاعت الأخذ بزمام الأمور ونجحت مسبقا ًفي تصويب أداء الكثير من المؤسسات المحسوبة عليها. فغياب الديمقراطية داخل الحركة أدى الى تهميش وإغفال كوادر رئيسية في الحركة وإفساح المجال لبعض من يمكن أن أسميهم ب “المستجدين” على الحركة إن لم يكن “المتسلقين” ليكونوا هم المرآة التي تعكس صورتها أمام الرأي العام.
وأخيرا ً وقبل أن أختتم هذه العجالة لا بد من كلمة أقولها بشأن انتخابات جامعة بيت لحم التي جرت قبل يومين وفاز فيها اليسار.
أولا ً، لقد استغل اليسار قضية مقتل المرحوم نزار بنات بالحد الأقصى واتخذ منها عنوانا ً وشعارا ً لمعركته وهذا هو أحد الأمثلة على ما قلته في بداية هذا المقال وهو أن فتح تحمل أوزار غيرها وتدفع ثمن أعمال لم ترتكبها ولكن هذا الخلط بين فتح وبين السلطة وغياب أو تغييب الصوت الفتحاوي الحقيقي وهيمنة ثقافة “التسحيج” على شرائح معينة محسوبة على حركة فتح، وظاهرة الانتماء الفتحاوي على طريقة مؤيدي ومشجعي فرق كرة القدم دون أدى معرفة بأدبيات فتح، أدى الى ما أدى اليه في بيت لحم وقد يؤدي الى مثله في بعض المدن الرئيسية بالضفة والذي يستوجب وقفة مراجعة ومحاسبة للذات.
ثانيا ً، فإنه اذا صح الفيديو الذي تناقلته بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وآمل أن لا يكون صحيحا ً، بشأن قيام عناصر فتح في جامعة بيت لحم بتخريب مقر مجلس الطلبة بالجامعة والعبث بمحتوياته قبل تسليمه للجهة الفائزة، فإن هذا إن دل على شيء فإنما يؤكد أننا، وكما قلت آنفا ً، فشلنا في بناء نهج ديمقراطي يؤمن بالتداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع. وإذا كان هذا هو الحال في مستوى طلبة الجامعة فكيف يمكن أن يكون في مستوى الرجل العادي، رجل الشارع.
ثالثا، إن تحالف حماس مع اليسار لا يمكن النظر إليه إلا من منظار ممارسة الانتهازية السياسية العبثية بعيدا ً عن الرغبة في ممارسة الحقوق السياسية.
ولو كانت حماس حريصة على العمل الديمقراطي لسمحت بإجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة وشاركت بالضفة وعملت على أن تكون الانتخابات المحلية رافعة لتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات التشريعية.
وأخيرا، ما أحوجنا للعودة الى الحلم الذي كان يراودنا عشية انتخابات 1996 حين كنا نؤمن بالفعل بأننا نعمل لتأسيس دولة وأن نعمل لاسترداد الحلم.