زيلينسكي .. ممثل أم رئيس؟!
من خلفية الممثل الفكاهي الذي صعد إلى السلطة بتقمصها في مسلسلاته، لم يكن سهلاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يثير تفاعلاً في أروقة البرلمانات الدولية ويخاطب منابر الدول الكبرى ويستجديها بتقديم الدعم المادي والعسكري لبلاده التي تشهد حرباً مع روسيا.
زيلينسكي هو ثاني رئيس في العالم بعد نظيره الأسبق دونالد ريغان، يدخل إلى عالم السياسة من نافذة الفن والتمثيل دون دعاية انتخابية، معتمداً في مشواره السياسي على مسلسل «خادم الشعب» الذي حقق نجاحاً كبيراً في مواسمه الثلاثة، ليترجمه إلى حقيقة بتوليد حزب سياسي مقرناً اسمه باسم المسلسل.
رسائل كثيرة أرسلها الرئيس الأوكراني عبر برلمانات الدول الغربية التي ألقى فيها خطاباته، دعا فيها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وكل دول العالم إلى التضامن مع بلاده، وفرض عقوبات قاسية على روسيا وطلب الحماية الدولية ضد ما يصفه بالعدوان الروسي.
بعد الحرب مباشرةً وحينما تعجب زيلينسكي من عدم التدخل الأميركي والأوروبي فيما يجري مع بلاده، خاطب الرئيس نظيره الروسي بوتين بلغة الأخير، دعاه فيها إلى وقف القتال وإجراء محادثات مباشرة. وفي نفس الوقت استخدم منصات التواصل الاجتماعي لدعم جيشه وسكانه في مواجهة هذه الحرب.
أمام أعضاء الكونغرس وعبر تقنية الفيديو، دعا زيلينسكي المشرّع الأميركي إلى فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا وتزويدها مقالات حربية، مشبهاً القصف الروسي بما حصل للولايات المتحدة الأميركية في بيرل هاربر العام 1941 وأحداث 11 أيلول 2001 التي قضى فيها آلاف الأميركيين.
وكذلك فعل أمام البرلمانات الكندية واليابانية والبريطانية والإيطالية والألمانية، شدّد على أهمية إقامة منطقة حظر جوي ودعم بلاده بالعتاد العسكري الفوري، وكذلك المساعدات المادية والإنسانية لتخفيف وطأة الحرب. طبعاً مطالب زيلينسكي هذه تعتبر السقف الأعلى لما يمكن أن يحصل عليه.
في المقابل حصلت أوكرانيا على دعم كبير من واشنطن والعواصم الأوروبية، لكنها لم تتمكن من انتزاع موافقة بفرض منطقة حظر طيران، إذ بات واضحاً أن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية منخرطة في هذه الحرب لكن بشكل غير مباشر، وأغلب الدعم الذي حصلت عليه كييف من بعض الدول الأوروبية جاء بضغط أميركي.
منتصف الشهر الجاري، قرّر الرئيس الأميركي جو بايدن تخصيص 13.6 مليار دولار كدعم عاجل لأوكرانيا حتى توفر احتياجاتها العسكرية والإنسانية، ثم أعلن عن تقديم مساعدات أمنية بقيمة 800 مليون دولار وتزويد كييف بالصواريخ المضادة للدبابات والطائرات.
في الحقيقة تمكّن الرئيس الأوكراني من لفت انتباه العالم لما يجري في بلاده، إذ لم يتوقف للحظة عن بث خطاباته عبر «السوشيال ميديا»، لكن لولا الماكينة الإعلامية الأميركية التي تقف خلف خطاباته، ربما لم يكن ليصل صوته إلى كثير من دول العالم.
الولايات المتحدة لم تقدم المساعدات الضرورية والمستعجلة لأوكرانيا حباً فيها، بقدر ما يهمها استنزاف قدرات الجيش الروسي في هذه الحرب والتعرف إلى مدى جاهزيته القتالية والأسلحة التي يستخدمها في المعركة لفهم حجم القوة الروسية على إثر مشروع بوتين بشأن تحديث ترسانة بلاده العسكرية.
وكونه يهودي الديانة، خاطب الرئيس الأوكراني الكنيست الإسرائيلي لكسب تعاطفه وكسر حياده، واضعاً بلاده وإسرائيل في قارب واحد من حيث مصادر التهديد، ومنتقداً في ذات الوقت عدم فرض تل أبيب عقوبات على الشركات الروسية وكذلك امتناعها عن إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا.
بالطبع لا تهمه القضية الفلسطينية لأنها لا تخدم مصالحه، وإن كان حديثه غير منطقي وعاريا عن الصحة ويستحيل جعل إسرائيل ضحية في حربها على الفلسطينيين حسب توصيفه، إلا أن زيلينسكي رغب في تقديم «شو» للفت الانتباه وقدّم الممثل على حساب الرئيس وأصول ممارسة السياسة.
يلحظ أن الرئيس الأوكراني يستحضر شخصية الممثل في خطاباته التي تكاد تكون شبه يومية، فهي في دمه وهو بارع في استخدام لغة الجسد والكلام، ومن المرجح أن لا يتوقف عن هذه السياسة الاستجدائية لتخفيف آثار الحرب على بلاده، بينما يدعو كلاً من اسطنبول وتل أبيب للتوسط من أجل إيجاد مخرج سياسي لوقف القتال مع روسيا.
في النهاية لن تتخلى موسكو عن مواقفها في أوكرانيا، فهي لا تريد أن يغرق هذا البلد في حضن أوروبا الغربية، وفي النهاية سيفهم زيلينسكي هذه المعادلة، ومن المحتمل أن تتغير لغة الخطاب حسب ما يجري على أرض الواقع، إذ كما يقول المثل: «لا صوت يعلو على صوت المعركة».