أصل القضية وفرعها
مقالات

أصل القضية وفرعها

أربعة وثلاثون شهيداً، ومئات المعتقلين، وآلاف الجرحى والمصابين بالرصاص المطاطي أو المعدني، أو نتيجة الاختناق، كانت حصيلة الربع الأوّل من هذا العام. الإعدامات الميدانية بالجملة والمفرّق، ومداهمة البيوت في المدن والقرى الفلسطينية لا تتوقف، ولا تتوقف عمليات ترويع وقمع المواطن الفلسطيني.
اقتحامات المسجد الأقصى، أضحت عملاً ووظيفة يومية للمستوطنين والمتطرفين بمشاركة وحماية الشرطة و»حرس الحدود»، هذا بالإضافة إلى استمرار سياسة هدم البيوت وتشريد أهلها، كل ذلك مع استمرار سياسة التطهير العرقي في الشيخ جرّاح وحيّ سلوان وبطن الهوى، والخان الأحمر. كل هذا دون حساب عملية التنكيل والقمع ومصادرة الأراضي وهدم البيوت في النقب والمدن الفلسطينية المختلطة، وضخّ خطاب الكراهية والتمييز بحق الفلسطينيين من مواطني إسرائيل.
المخططات ذاتها الأولى والأساسية التي اعتمدتها الحركة الصهيونية قبل وبعد قيام دولة إسرائيل، لا تزال جارية على قدمٍ وساق في كل الأراضي المحتلة. ما يؤكد ذلك أن «يوم الأرض» التاريخي، كانت أحداثه، وردود الفعل عليه، في الأراضي المحتلة العام 1948، حين تصدّى الفلسطينيون لعمليات مصادرة آلاف الدونمات، والتي سقط خلالها عدد من الفلسطينيين.
هذه الأيّام وعلى طريقة «ضربني وبكى وسبقني واشتكى» ترتفع عقيرة المستويات السياسية والأمنية، محذرة من احتمال قيام الفلسطينيين بتصعيد المواجهات خلال شهر رمضان.
تبدو إسرائيل الرسمية وكأنها تتوسّل الهدوء من الفلسطينيين وتتحرك في اتجاهات متعددة لتفعيل دور الوسطاء من الأجانب والعرب، لضمان تحقيق حالة من الهدوء، وكأنّ التصعيد غير محتمل في بقية أيّام واشهر السنة.
خلال الأيّام القليلة المنصرمة، جرى اتصال مع رئيس المخابرات المصرية الوزير عباس كامل، لتنشيط الدور المصري، في اتجاه التواصل مع «حماس» و»الجهاد» وفصائل غزة، من أجل تحييدها، وإقناعها بعدم الانخراط في توسيع المجابهة من غزة، وأيضاً لكبح دورها ونشاطها المقاوم في الضفة.
وفي سبيل ذلك، تدّعي السلطات الإسرائيلية أنها قدمت وتقدم المزيد من «التسهيلات» لتحسين أوضاع الفلسطينيين بما في ذلك زيادة عدد تصاريح العمل الممنوحة للعمال الغزّيين إلى نحو عشرين ألفاً.
لكنها وهي تفعل ذلك، تقوم بتقييد حق الناس في الوصول إلى المسجد الأقصى، والصلاة فيه، ويتعمّد وزير الخارجية يائير لابيد القيام باستعراض في باب العامود، الذي يشكل إحدى النقاط المتفجّرة. الحكومة الإسرائيلية توافق رسمياً للمعتوه بن غفير وعصابته باقتحام المسجد الأقصى، جهاراً نهاراً، وهو لا يتوقف عن التحريض بالقتل، والتنقّل بشكلٍ استفزازيّ في كل المناطق التي تشهد احتقاناً.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي كوخافي يهدد علنا، ويدعو للاستعداد لمعركة «حارس الأسوار – 2». لا سبب واضحاً ومباشراً، يدعو كوخافي للاستعداد لارتكاب عدوان جديد على غزة، فلقد كانت رسائل فصائل المقاومة واضحة، حين أقامت النشاط لمناسبة «يوم الأرض» في منطقة الميناء وليس على الأراضي الحدودية كما كانت تفعل.
من يرصد ويتابع حركة القوات الإسرائيلية على الحدود مع غزة، سيقف على سلوك عدواني يومي، من إطلاق النار على المزارعين، إلى دخول الدبابات والجرافات إلى أراضي المزارعين، دون أي رد من قبل فصائل المقاومة.
ماذا يعني ذلك؟ السؤال الذي يتردد على ألسنة سكان قطاع غزة، ويشكل محور أسئلة الصحافيين، هو: هل هناك عدوان جديد على قطاع غزة خلال شهر رمضان؟
التصريحات من الجانب الإسرائيلي الرسمي، مرفوقة بتحركات ملموسة وتنطوي على احتمالات التصعيد تقابلها ـ ومن الطبيعي أن تقابلها تصريحات قوية بالاستعداد للرد والمقاومة في حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء في القدس، والضفة.
القراءة الهادئة والموضوعية لما يصدر عن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لا تقول إنهما بحاجة لتصعيد كبيرٍ وواسع.
لا يبدو أن من مصلحة إسرائيل أن تنخرط في مشهد صاخب، يجعلها في موقع المدان من قبل القوى الدولية التي تدين حرب روسيا على أوكرانيا، والتي توصف على أنها تنتهك القوانين الدولية، والقانون الدولي الإنساني. وتتهم بارتكاب مجازر تقودها إلى محكمة الجنايات الدولية بشبهة ارتكاب جرائم حرب.
وإسرائيل التي توسع دائرة علاقاتها ونفوذها الإقليمي لا تحتاج إلى أن تظهر على أنها عاجزة عن تدمير ترسانة المقاومة الفلسطينية فمن يقدم نفسه على أنه قادر على حماية مصالح وأمن الآخرين، عليه أن يكون قادراً ومؤهّلاً لحماية أمنه ومصالحه.
الأمن الإسرائيلي مخترق، هشّ، كما أظهرت العمليات التي وقعت خلال أيّام قليلة، والجبهة الداخلية ضعيفة، عدا أن الجيش الإسرائيلي بدأ يعاني من محدودية إمكانية التجنيد، فلقد برزت ظاهرة تسرُّب الكثير من الضباط للعمل في المؤسسات المدنية.
الفلسطينيون في موقع رد الفعل على فعل تواصل القيام به كل الأطراف والأدوات المحسوبة على إسرائيل الرسمية وغير الرسمية، ولا يبدو أن لهم مصلحة في التصعيد والمبادرة إليه، طالما أنهم مستفيدون من «التسهيلات» التي تقدمها إسرائيل، فضلاً عن الحاجة للحفاظ على علاقات جيدة مع مصر وقطر.
إذاً، أين المشكلة؟ واضح أن المشكلة تكمن في المخططات والسلوك الإسرائيلي العدواني والاستفزازي، الذي ينبع من طبيعة الكيان، ولا يستطيع أن يخرج عن هويته ذلك أن الطبع غلب التطبُّع. هذا يعني أن احتمالات التصعيد الكبير والواسع مرهون بما يمكن أن تقوم به إسرائيل، ويتجاوز قدرة الفصائل على الاحتمال.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.