زوال إسرائيل هذا العام نبوءة، أم صدف رقمية، أم تفكير بالتمنّي؟
تابعت نبوءة الشيخ بسّام جرار منذ سنوات، ولم تُثِرْني للتعقيب عليها، ولكن عندما سمعته يجيب عن سؤال في مقابلة صحافية حول ما سيقوله لمتابعيه الذين صدّقوا نبوءته إذا لم تتحقق، مع اقتراب الموعد الذي حدده لزوال إسرائيل، وهو يقع في الفترة التي تلتقي فيها السنتان القمرية والشمسية في هذا العام؛ أي منذ الخامس من آذار وحتى نهاية شهر حزيران؛ أجاب: أنا غير مسؤول عن توقعاتهم، فأنا لم أقل إن النبوءة ستتحقق بنسبة 100%، بل قلت إن نسبة حدوثها 95-96%، مع أنه قال سابقًا إن النسبة 98%.
اعتبرت هذا القول تهرّبًا من المسؤولية كان جرار مستعدًا له منذ البداية، والدليل على ما اجتهدت به أن جرار يضيف في جوابه أنه من العجب العجاب ألا تحدث النبوءة، وأن ما يجري في أوكرانيا والعالم وفلسطين وإسرائيل يعززها، ولا يضعفها. إذًا، هناك إصرار على الخطأ، وهذا عناد، والعناد خطأ كبير، فبقي حوالي شهرين على الموعد الذي حددته النبوءة، ولا يوجد ما يشير إلى أنها ستتحقق، لذلك بدلًا من إيجاد مخرج أو تفسير، أو التراجع عن الخطأ، يتم الاستعاضة عن ذلك بليّ عنق الحقائق، والمبالغة فيما يجري من صراعات وأحداث حاليًا.
قد يقول قائل: قد تحدث معجزة ربانية، وتزول إسرائيل في لحظة واحدة، من خلال زلزال، أو حرب إيرانية إسرائيلية، أو حرب نووية، وهذا ممكن فالله قادر على كل شيء، لكن لا يمكن الرهان على المجهول، والرجم بالغيب، وسبحانه وتعالى حذر نبيّه من الرجم بالغيب، فالنبي لا يعلم بالغيب، والغيب الذي أشار إليه هو ما أوحي إليه في التنزيل الحكيم، لذا، فالغيبيات التي يؤمن بها المسلم هي المنزّلة في القرآن الكريم، أما غيرها فهي خرافات وظيفتها تخدير الناس حتى ينتظروا الفرج حين تتحقق النبوءة، والتاريخ مليء بالنبوءات التي لم تتحقق، وموجودة لدى كل أصحاب الأديان والعرّافين وقارئي الفنجان والمنجّمين الذين "كذبوا ولو صدقوا"، وكلما لم تتحقق نبوءة تحل محلّها نبوءة أخرى.
والآن، تطل برأسها نبوءة أخرى حول أن أوكرانيا ستكون دولة اليهود بعد زوال إسرائيل، حتى تقلل من تأثير عدم زوال إسرائيل هذا العام، ألا تتذكرون ما روّج بأن صدام حسين هو المهدي المنتظر، وما يروج دائمًا، خصوصًا من اليهود بأن دولتهم مهددة بالزوال؛ ذلك حتى يحصلوا على العطف والدعم من العالم، ويتماسكوا داخليًا في مواجهة الأعداء الخارجيين.
الخلاصة أن الرجم بالغيب خزعبلات، ومرفوض في الإسلام، لدرجة أن الله حظر على نبيه محمد الرجم بالغيب.
بداية النبوءة نقطة ضعفها
نقطة الضعف في اجتهاد جرار أن نقطة البدء كانت عنده بحديث امرأة عجوز يهودية في العراق، كانت تبكي بعد الإعلان عن قيام إسرائيل، وقالت لجارتها المسلمة بعد أن سألتها، لماذا تبكين؟ فأجابتها: إن هذه الدولة لن تعيش سوى 76 عامًا.
وعند تفسير لماذا ستزول إسرائيل في العام 2022، أي بعد 74 سنة على قيامها، قيل بأن 76 سنة هجرية قمرية تساوي 74 سنة ميلادية شمسية.
وهذه بداية بالمقلوب؛ إذ تم الانطلاق من هذه الفرضية والنتيجة قبل البحث في أسبابها، ووجود دلائل عليها، وكان السعي لإثباتها، وليس الوصول إلى الحقيقة، وبالتالي تطويع الأحداث والقرآن وحساب الجمل لخدمة الفرضية الأساسية. وهذا نوع من التفكير بالتمني وإسقاط الرغبات على الواقع.
إن الأساس الذي يستند إليه الإعجاز العددي هو حساب الجُمَّل، وهو حساب مختلف عليه بشدة، وموجود منذ الجاهلية، وهو للتأريخ لأشياء وأحداث حصلت، وليس للتنبؤ بما لم يحدث.
حتى لو سلمنا جدلًا بصحة كل الحسابات العددية التي أجراها الشيخ بسام جرار وغيره وتنتهي بالسنة 2022 ميلادية – 1443 هجرية، فهذا لا يُثبِت شيئًا، وليس دليلًا على زوال إسرائيل. فالمطلوب إثبات علاقته بزوال إسرائيل.
إذا كان الأمر مجرد اجتهاد، والاجتهاد ضروري وواجب، فهناك حقل الدراسات المستقبلية الذي يقوم على استشراف المستقبل استنادًا إلى العلم والمؤشرات والمعطيات والخبرة والحدس والسيناريوهات، مع عدم اليقين، لأنه يوقع بالرجم في الغيب.
فلماذا نسب جرار النبوءة إلى الحسابات المستندة إلى القرآن. ولماذا التلاعب من خلال الحديث بأن زوال إسرائيل ممكن أن يكون نبوءة أو صدفًا رقمية، مع أن هناك الكثير مما يجري الحديث عنه يدلل على أنها نبوءة وفق رأيه؟ ولماذا أُعطيت نسبة حدوثها 98%، ومن ثم خُفّضت النسبة إلى 95% و96%؟ ولماذا يرفض جرار مساءلة أتباعه له إذا لم تزل إسرائيل، بحجة أنهم صدّقوا أنها نبوءة ونسبة حدوثها 100%. فإذا كانت نبوءة وعلم فالنسبة يجب أن تكون 100% وهو مسؤول عن ذلك.
تكمن المشكلة في أن زوال إسرائيل في موعد محدد هذا العام مستندة إلى استنطاق القرآن، بحجة أنه يتسع لكل شيء، ولكن هذا لا يعطي حق لأحد أن يستخدم القرآن لخدمة اجتهاده، حتى لو اقتضى الأمر ووصل إلى حشد كل الروايات والتصريحات الصادرة عن رجال دين وسياسة، ومراكز استخبارات، وشخصيات، حتى مثل هنري كيسنجر، وبنيامين نتنياهو، ومناحيم بيغن الذين تحدثوا عن زوال إسرائيل في أوقات مختلفة لأغراض في نفس يعقوب.
الهروب من المسؤولية
إن محاولة التملّص من المسؤولية وعواقبها إذا لم تحدث النبوءة (ولن تحدث) بالقول من جرار إنها حتى لو لم تحدث فهي شجعت كثيرين على التمسك بحقوقهم، وبعثت فيهم الأمل بقرب نهاية الظلم والعدوان، وإن تداولها لمدة 30 سنة حفّز أنصارها على الكفاح لتحقيقها، في مواجهة موجات اليأس والهزيمة؛ وهذا قول مع كل الاحترام يجافي الحقيقة، لأن النبوءة في الواقع المعاش، وفي المحصلة، دفعت الكثيرين نحو التواكل، بدليل عدم تحرك معظم المؤمنين بالنبوءة، وهم بالملايين.
كما أعطت النبوءة البعض الأمل، ودفعت البعض الآخر نحو التهور. فمن يؤمن بها وبحتميتها، أو حتى بأرجحية حدوثها، لا يحسب الحسابات الصحيحة في الصراع، أو يميل أكثر إلى أن يستكين ويعفي نفسه من العمل اللازم لتحقيقها، خصوصًا أن أحوال العرب والمسلمين في هذه الأيام لا تسرّ صديقًا، وفي مرحلة هبوط وتراجع وتجزئة. وهنا، لا تجوز المقارنة بالصحابة الذين كانوا برفقة الرسول؛ لأن حديثه بالغيب عن الفتوحات الآتية كان منزلًا من الله، ويدفعهم إلى القتال والمسارعة إلى الشهادة في سبيل الله.
نفهم أن الضيق الذي كان به المسلمون في أوائل تسعينيات القرن الماضي عند ظهور النبوءة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية، وبعد انهيار التضامن العربي بعد احتلال العراق للكويت، وعشية توقيع اتفاق أوسلو سيئ الصيت، وما سبق ذلك من زيارة الرئيس محمد أنور السادات إلى القدس، وتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وهزيمة منظمة التحرير في لبنان؛ بحاجة إلى بث الأمل، مثل الغريق الذي يتعلق بقشة، والمرأة التي وضعت الحجارة في قدر الطعام حتى تصبّر جوع أبنائها، ولكن القشة لا تحول دون الغرق، وهذا التصبير مفيد ليوم أو يومين، ولا يكون مفيدًا إذا استمر 30 سنة، بل يصبح وهمًا ونتائجه عكسية.
إنّ تفسير "وعد الآخرة" الموجود في سورة الإسراء محل اجتهادات متعددة، فالمفسرون الأوائل يرون أنه تحقق سابقًا. أما المفسرون الجدد فيرون أنه متعلق بزوال إسرائيل التي قامت في العام 1948، ولكن من دون تحديد موعد وسنة محددة، وهو مهم إذا لم يرتبط بموعد محدد كونه يجعل المسلمين والمؤمنين على قناعة غيبية إيمانية بأن إسرائيل إلى زوال، وأن زوالها سيحدث باعتباره إحدى علامات قرب قيام الساعة. ولكن هذا لم يُحدد له موعد، فتحديد الموعد يُبعِد المسلمين عن الأخذ بقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل"، و"إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"، و"إنْ تنصُروا الله ينصُرْكم". فإذا كان موعد الوعد هذا العام، فالوقت المتبقي لا يكفي للإعداد، ولا للتغيير، ولا لتحقيق النصر. فإسرائيل لن تزول إذا كان أعداؤها ضعفاء، كما هو حالهم الآن، وبعضهم تحالف معها، وما دام الفلسطينيون منقسمين انقسامًا يستنزف طاقاتهم وجهودهم في صراع داخلي.
النبوءة: تحفيز، تواكل، تهوّر
ما يغضب أن هذه النبوءة انتشرت بشكل واسع، ووصل تأثيرها إلى أوساط واسعة من القادة، بمن فيهم قادة وأنصار المقاومة، وهذا يؤدي على الأرجح إلى الوقوع في سوء التقدير للموقف، وميزان القوى، وبحسابات الحرب والسلام، ويساعد على الوقوع في الخطأ كما وقعت فيه أقسام من المقاومة على الأقل، كما يظهر في المبالغة في قوة المقاومة إلى حد المغالاة، والتقليل من قوة إسرائيل إلى حد الاستخفاف؛ ما يؤدي إلى قراءة مغلوطة للأحداث.
فكل يوم، وكل حدث، وكل معركة يعتبرونها دليلًا على صحة النبوءة، ولو كانت النتائج والحقائق على الأرض خلاف ذلك، وحدث ذلك بشكل جلي بعد معركة سيف القدس ويحدث حاليًا؛ إذ نرى المبالغة الشديدة بالنضالات الجارية في الضفة الغربية، والتغاضي عن أن مواصلة التقسيم الزماني والمكاني والاقتحامات للأقصى هذا العام، وفي شهر رمضان تحديدًا، أكثر بكثير مما جرى في السنوات السابقة؛ لتبرير عدم اشتراك المقاومة في غزة في الحرب، مع أن نبوءة زوال إسرائيل هذا العام تتطلب ممن يؤمن بها المشاركة في الحرب لتسريع الانتصار، والمساهمة في تحقيقه. طبعًا، مع موقفي الداعي إلى عدم اشتراك المقاومة في غزة في الموجة الحالية؛ لأن هذا قرار كبير، وتكلفته عالية، ولا يجب التعامل معه بخفة.
فبعد أيار الماضي، تصوّرت المقاومة أو بعض أقسامها بأن انتصارًا كبيرًا تحقق، وهو انتصار، ولكنه محدود، وضمن السجن والحصار وتحت الاحتلال، سواء من حصار الاحتلال، أو الحصار من الانقسام الذي يَحُدّ، إلى حد كبير، من استثمار الانتصار. وتحشد للبرهنة على ذلك أقوال صحافيين وكتاب وخبراء وقادة عسكريين إسرائيليين، خصوصًا سابقين.
في هذا السياق، طرحت "حماس" رؤيتها لما بعد الحرب، وتضمنت تخليًا عمليًا عن إجراء الانتخابات، والمطالبة بدلًا من ذلك بتعيين قيادة مؤقتة، وتشكيل مجلس وطني بالتعيين، وأن "حماس" من حقها أن تقود، وأصبحت مثلما كان مع "فتح" بعد معركة الكرامة في العام 1968، عندما قادت وإلى جانبها بقية الفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
ستزول إسرائيل؛ لأنها ظالمة وكيانٌ استعماري زُرِعَ في المنطقة العربية لفصل آسيا العربية عن أفريقيا العربية، ولإبقاء المنطقة أسيرة التخلف والتبعية والتجزئة والفقر والجهل. فهي جسمٌ غريبٌ زرع في جسم المنطقة العربية المريض، وهذا الجسم لن يبقى مريضًا إلى الأبد، بل سيُلفظ الجسم الغريب، عاجلًا أم آجلًا، إذا أخذنا بأسباب النهوض والقوة والانتصار.
كما ستزول إسرائيل بسبب تطرفها الديني والسياسي، وسيرها الحثيث نحو المزيد من التطرف، من دون القبول، حتى بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية والعربية، وتعمل على تحويل الصراع إلى صراع ديني، وهذا على المديين المتوسط والبعيد سيزجّ مليار ونصف المليار مسلم، ومئات الملايين من المسيحيين في البلاد الإسلامية إلى الصراع، والنهاية حينها ستكون محسومة، خصوصًا أن النظام العالمي يمر بمرحلة انتقالية يواصل فيها النظام القديم أحادي القطبية انهياره، ويحل محله نظام جديد ثنائي أو متعدد القطبية، أو يأخذ شكلًا جديدًا لم تتضح ملامحه.
ليس السؤال: هل ستزول إسرائيل؟ بل متى وكيف؟
بالتأكيد، سوف تزول، ولكن لن يتم الأمر خلال الشهرَيْن المتبقيَيْن على نبوءة زوال إسرائيل، مع أن الشيخ بسام جرار مدد المهلة لتشمل شهر تموز، على الرغم من أن التقاء السنة الميلادية بالهجرية ينتهي في نهاية حزيران؛ لذلك يبحث المنظرون لهذه النبوءة عن، وينتظرون، حدوث معجزة خلال المدة المتبقية، وإلا سيصاب بعضهم بالإحباط، وربما يصل البعض إلى الردة عن الإسلام والقرآن الذي تدعي النبوءة أنها استندت إليه.
لماذا أقول إن إسرائيل لن تزول خلال الشهرَيْن القادمَيْن؟ لأنها دولة نووية ومتقدمة اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، ومدعومة من الغرب، خصوصًا من الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم، وأقامت معاهدتَي سلام مع دولتَيْن عربيتَيْن، واتفاق أوسلو مع منظمة التحرير، وعقدت تحالفات مع دول عربية عدة، وتربطها علاقات جيّدة حتى مع روسيا والصين والهند.
نعم، هناك نقاط ضعف كبيرة في هذا الكيان، ولكن حتى يزول بحاجة إلى وقت يتم فيه إحداث تغيير حاسم في موازين القوى والحقائق على أرض الصراع والمنطقة والعالم، وهذا بحاجة إلى وقت أكثر من شهرين حتمًا.