مرحلة الوسطاء ومتعهدي الأطفاء
هدأت العاصفة بعد ان هبت بقوة في القدس والضفة، واوشكت على الانتقال الى غزة.
وفي بلادنا هنالك قانون ثابت للهدوء والاشتعال، فكل منهما مؤقت الهدوء تمليه ضرورات الحياة والاشتعال تمليه يقظة الشعور بضياع القضية والحقوق، والامر في حالة الاشتعال لا يحتاج لاكثر من عود ثقاب يضرم النار في هشيم جاهز أصلا للاشتعال، هذا هو القانون الذي حكم الحالة الفلسطينية منذ بداياتها، ولا يوجد ما يدعو للتحول عنه، فهذه هي سنة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
المرحلة الراهنة من الاشتعال تميزت بالحضور القوي للمبادرات الشعبية الفلسطينية غير المحكومة بضوابط تنظيمية ولا بمرجعيات معلومة وبموازاة هذا ظهر حضور قوي كذلك جسده الوسطاء الذين عملوا بجد لاطفاء الحريق خشية امتداد السنته ليفرض على العالم حربين في وقت واحد، تلك التي في أوكرانيا أوروبا وهنا إسرائيل وفلسطين، ومع الفرق الهائل بين الحربين الا ان أصحاب النفوذ في القرار الدولي يفضلون الاهتمام والتفرغ في إدارة ومعالجة حرب واحدة.
الوسطاء الذين هم في ذات الوقت متعهدوا الإطفاء، ينجحون غالبا في نزع الصاعق من القنبلة مع بقائه على مقربة منها، ولا يطمعون بفعل الصد الإسرائيلي بأكثر من تهدئة مؤقتة تمهد غالبا لاشتعال جديد.
انتقال الفعل الى الشارع وتحييد فاعلية المرجعيات الرسمية التي يفترض انها تقوده او تمثله، انتج تعديلا جوهريا في وسائل وأساليب المعالجة خصوصا من جانب الإسرائيليين، الذين يقتربون كثيرا من معالجة الشأن الفلسطيني بالذهاب الى الشارع مباشرة ودون وسطاء، ذلك وفق نظرية ارجاع العمل الأمني العسكري خطوة الى الوراء مع تقدم التسهيلات خطوات الى الامام. وهذا ما اسماه بينيت بسياسة العصا والجزرة، ووفق هذه النظرية تنفذ تسهيلات في الضفة ومثلها في غزة وأحدث دليل على ذلك اغلاق معبر ايريز ومنع العمال من الذهاب الى إسرائيل وربط فتحه بمستوى الهدوء.
الامر ليس جديدا تماما، وقد يكون الجديد فيه طريقة تنفيذه واعتماد أولوياته والجديد أيضا ان الجهات الإقليمية والدولية التي تصر على المعالجة من خلال فتح المسار السياسي أصبحت اكثر قبولا للنظرية الإسرائيلية، رغم يقينها بعدم جدواها على المدى القريب والبعيد.
الفلسطينيون في الضفة وغزة بحاجة للتسهيلات الإسرائيلية بعد ان ربطت السياسة كل محاور حياتهم بإسرائيل، وكل روافد اقتصادهم وكل مساحات حركتهم ، غير ان الفلسطينيين انتجوا معادلة جديدة تقوم على أساس ازدواجية اضطرارية هي على صعوبتها ما تزال تعمل، وهي التعاطي مع التسهيلات الإسرائيلية من اجل مواصلة الحياة. والالتزام بالحقوق السياسية دون اخضاعها للمساومة مع التسهيلات.
الفلسطينيون محقون تماما في ازدواجيتهم الاضطرارية، اما الإسرائيليون أصحاب نظرية العصا والجزرة، فهم وحدهم على الجانب الخطأ من المعادلة.
كثيرون من مفكريهم وعقلائهم يقرون بذلك، ويسوقون ادلة عملية على عبثية العصا والجزرة كسياسة دائمة، وحجتهم في ذلك.. "لو ان هذه السياسة تنفع لما عشنا طول العمر بين تهدئة يأتي بها الوسطاء وانفجارات يقوم بها من قررنا احتوائهم بالجزرة".
المرحلة الراهنة لم يحدث فيها ما حدث قبل عام تحت مسمى سيف القدس او حارس الاسوار، غير ان الحقيقة الأهم هي ان ما حدث هذا العام كان اعمق تأثيرا اذا ما نظر للأمر من زاوية النتائج الأولية وتأثيراتها على إسرائيل، إضافة الى ان القنبلة المليئة بالبارود ما تزال قريبة من صاعق تفجيرها وإسرائيل اكثر من يعرف ذلك واكثر من يعمل بعكس ما يعرف.