أمننا الغذائي إلى أين؟
مقالات

أمننا الغذائي إلى أين؟

بتنا واثقين أن سلة غذائنا ليست من إنتاجنا ومكان إنتاجها بعيد عنا ما وراء المحيطات، وهي لذلك تارةً تتأثر بالازمات السياسية وتارةً تتأثر بسلسلة التوريد في ظل جائحة كوفيد_19 وتخَلخُل هذه السلسلة ونحن لا حول لنا ولا قوة.
وبتنا نتفنن بجَلد ذاتنا دون حلول خلاقة لنركز على ما يكتبه العالم الذي ينتج الغذاء ويحقق اكتفاء ذاتياً لديه، بحيث نضخم الاهتمام بالتغير المناخي ونذهب صوب العدالة المناخية كمصطلحات ومفاهيم انتجتها دول الشمال الغني، على افتراض اننا ننتج أو نزرع شيئاً ولا ننام ليلنا الا بعد عميق التفكير بالتغير المناخي!!! ومن ثم نذهب الى يوم الغذاء العالمي والصحة والبيئة العالميين وكأننا ابدعنا فيهما كلها!!!!
أجزم ان وزارة الزراعة لا شأن لها بما يدور في البلد بما يخص القطاع الزراعي والثروة الحيوانية طلما انها تعتقد ان الزراعة في المنطقة (ج) ممنوعة، ولم تنتصر لمربي الدواجن في ضوء تراجع الإنتاجية وارتفاع اسعار الصوص والاعلاف وتكلفة التربية للدواجن اللاحم والبياض، وفي القطاع البيطري كان هناك ضعف في الإجراءات فيما يتعلق بانتشار الحمى القلاعية، وكنتُ واحداً من الاشخاص الذين تفاءلوا خيراً بتلك الوزارة خصوصاً عندما لمسنا أن تطويراً مؤسسياً قد يتم البدء به للوزارة.
إن غياب المجلس التشريعي وضعف دور الهيئات الرقابية الحازم فتح الابواب على مصراعيها للتمادي في تآكل المسؤوليات، وإلقاء كل الهم في حضن المستهلك البسيط وفي حضن التاجر الصغير الذي تغنت به في فلسطين في جائحة كوفيد_19 يوم قالت إن 95% من منشآتنا هي منشآت صغيرة، واليوم نضعها في وجه العاصفة في اسعار خيالية للدواجن دون تدخلات.
حدثَني صديق لي باستفاضة عن صناديق كثيرة اولوياتها التنمية الزراعية وعن جهات أهلية قادرة على تجييرها في هذا الاتجاه، وأن لديهم فرصة مع وزارة الزراعة المهتمة بالعناقيد الزراعية كي تفعل شيئاً، تحمست للأمر وبتُّ أتابعه ورقياً ومن ثم ذهبوا باتجاه قلقيلية وألّفوا تلك الشراكة مع الصناديق التي حدثني عنها، حتى أن مواطناً من قلقيلية قال لي: كلّه خُرّاف ولم نر عنقوداً. فأعدت على مسامعه حديث الصديق عن الصناديق والشراكة مع وزارة الزراعة، وكذلك فعلت مع مواطن من جنين، وذهبت بالحلم صوب اميركا اللاتينية لتصدير خبراتنا الزراعية اليهم والاستثمار معهم.
جوهر الحكاية اننا في عين العاصفة من حيث الأمن الغذائي، وهذه المرة ليس حديث «تجار كبار». انه واقع صعب تماماً اذا بقينا نعتمد على الاكتفاء الذاتي من العالم وفقط ولا ننتج ونتعمق بالاستهلاك وننسى مفاهيم عملنا على ترسيخها «السيادة على الغذاء» حيث ان أرضنا مسلوبة ومصادرنا المائية كذلك، وترسيخ «ترشيد الاستهلاك» وتعزيز «الاعتماد على الذات» و»اقتصاد الصمود».
اليوم لا يوجد احد معفى من المسؤولية، ووزارة الزراعة قائدة التوجه لتأمين الأمن الغذائي وتعزيز مكانة المزارع الفلسطيني وصموده، وبات ملحاً تعظيم مسؤولية المزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي، وتفعيل دور الاتحادات والأطر الزراعية الاهلية وعدم اقتصار دورها على إدارة مشاريع ممولة جلها في قاعات خمس نجوم، تستضيف المزارعين ليسمعوا من خبراء ومهتمين، وعاماً بعد عام نعود للحديث عن ذات المواضيع مرة أخرى، تفعيل دور الاعلام الزراعي الذي يجب أن يصل صوب الفئة المستهدفة، والخروج من دائرة ملاحقة الازمات ليس الا، تارة في قطاع الزيت، وتارة في قطاع النخيل، وتارة في قطاع الدواجن، ومرات تجتمع كلها معاً ليكون الأمر كله على حساب المزارع الفقير وعلى حساب المستهلك الضعيف، ونعيد تشغيل القرص المدمج لنكرر ما برر لنا منذ سنوات فقط دون تغير.
في ظل أزمة الأمن الغذائي نعيد الحديث عن النظام الداخلي للمجالس الزراعية المتخصصة، وتلك قيل عنها الكثير منذ سنوات طويلة وبحث في أمرها وتم التأكد انها تعمل دون نظام وافتقاد عناصر القوة، وهناك مجالس منها تحظى بدعم مالي جراء قدرة مدرائها على المتابعة وتأمين بند الرواتب على الاقل، وهناك مجالس لا حول لها ولا قوة مثل النخيل، والعسل، والدواجن، والحبوب، ولا زلنا نحاول كما يقولون.
لقد دُق ناقوس الخطر، وهذا بعض من الخطر الذي نعيشه اليوم وقد يتصاعد إذا لم ننتبه ولم نحسن صنعاً، والمعالجة ليست حكومية فقط ولكنها مسؤولية شاملة كاملة متكاملة، ولكن يجب ان لا تقف الجهات الحكومية موقفاً يعاتب من يقترح اقتراحاً أو يطالب بحلول خلاقة، ونترك الأمر بمخاطره ونمسك بهذا الشخص الباحث وتلك المؤسسة الاهلية صاحبة الاختصاص ونذهب صوب العناد لمجرد العناد من عيار: اسعار الدواجن مش مسؤوليتنا، وعدم توفر كميات من الدواجن مرده أن اهلنا داخل الخط الاخضر يتسوقون الدواجن من سوقنا ، وتوفير العلاجات البيطرية بحاجة الى إجراءات طويلة الامد ومن ثم نكتشف أن الأمر ليس كذلك، ومن ثم نقول ماذا نفعل حينما لا تستنفذ كوتا الاستيراد لتقاعس من منحوا رخص الاستيراد، ومن ثم نقول دعونا نفتح الباب لتجار كبار في قطاع الثروة الحيوانية من خارج السوق الفلسطيني لينقذوا الوضع ونحن نعلم محاذير هذا الامر على صعيد الصمود وعلى صعيد الموقف الوطني العام من دعم المنتجات الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني الذي جله مشاريع صغيرة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.