في احياء يوم أوروبا، هناك ضرورة للتخلي عن الكيل بمكيالين أمام استمرار جريمة الاحتلال
اذا كان الاتحاد الأوروبي او دوله الأعضاء وبتفاوت مواقفهم طبعا لا يرغبون في ان توصف سياستهم بالنفاق او بالكيل بمكيالين تجاه القضايا المثارة في هذا العالم وفي تعاطيها او بمدى التزامها بما نصت عليه القوانين والأنظمة والمعاهدات الدولية التي وقعت هي عليها والزمت نفسها بها من خلال انضمامها لتلك المعاهدات ، التي وجدت لتنظيم العلاقات الدولية ومن أجل عدم سريان قوانين شريعة الغاب في هذا العالم ، فعلى الاوروبين اتخاذ ما يلزم من إجراءات عقابية وفق ما نصت عليه القوانين ضد إسرائيل ، هذه الدولة القائمة بالاحتلال الاستيطاني والاحلالي . والأمر لا يتوقف برأي على جريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة أمس التي صدرت على اثرها مواقف إدانة متعددة ، او ثائر اليازوري وغيرهم من الشهداء منذ بداية هذا العام وما قبل ، او قرارات حكومة الاحتلال الأخيرة ببناء وحدات استيطانية جديدة أو استمرار الاعتداء على هوية القدس ومكانتها ومقدساتها . فهنالك قرار سابق بضم القدس المحتلة واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل ، هنالك قتل يومي وتدمير وترحيل مستمر ومصادرات اراضي بمساحات شاسعة واستيطان واسع بشع قائم على مدار سنوات الاحتلال أدى لوجود ٦٥٠،٠٠٠ مستوطن اليوم في مخالفات صريحة للقانون الدولي واتفاقيات جنيف وتعدي صارخ على قرارات الشرعية الدولية ومنها المتعلق بالقدس في مجلس الأمن وعلى حقوقنا التاريخية الوطنية السياسية في أرضنا.
هنالك جرائم فظيعة ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني ليس فقط خلال ٥٥ عاما ، بل وعلى مدار ٧٤ عاما منذ ارتكاب جريمة النكبة التي تقترب ذكراها بعد أيام في ١٥ أيار بتفاصيلها واهدافها وملحقاتها المستمرة حتى اليوم ، تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان.
لماذا ينسى بعض الأوروبيين الذين احتفلوا قبل أيام "بيوم أوروبا" وهو احتفال سنوي للسلام والوحدة في التاسع من أيار تخليدا لإعلان الوزير الفرنسي شومين عام ١٩٥٠ ، انهم هم من أقاموا المحاكم الدولية والأوروبية في نورمبرغ وغيرها ضد جرائم الاحتلال النازي بحقهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهم الذين قاتلوا هذا الوحش النازي من خلال جيوش بلادهم ومن خلال المقاومة الوطنية الشعبية الباسلة التي خاضتها الشعوب الأوروبية والتي تم أحياء ذكراها بيوم الانتصار على النازية في التاسع من أيار في روسيا التي دفعت ٢٧ مليون من الضحايا انذاك لهذا الانتصار إلى جانب تضحيات الشعوب الأخرى ، في حين يحرمون علينا بالغرب مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى بالاساليب التي شرعتها القوانين الدولية في مقاومة اي احتلال ، رغم اننا نقاتل اليوم وفق مسلكيات المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة رابع قوة عسكرية بالعالم وما يتبعها من مستوطنين عنصريين بعقيدتهم التوراتية .
لقد عاقب الاتحاد الأوروبي ومن خلفه الولايات المتحدة دول عدة ، كان آخرها ما يجري اليوم بفرض عقوبات ضد روسيا الاتحادية ، لانها وفق مزاعمهم انتهكت القانون الدولي وارتكبت الجرائم وفق ادعائهم ، وهذا ما حدث سابقا أيضا من عقوبات عندما أعادت روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم في العام 2014 التي اعتبروها احتلال ، إضافة إلى العقوبات ضد جنوب أفريقيا زمن النظام العنصري وضد إيران وعدد من دول البلقان وحتى فنزويلا وقبلها كوبا وغيرها تحت ذرائع واهية مختلفة لم ترقى ابدا ولا تشابه جريمة استدامة الاحتلال ببشاعته .
يجري ذلك اليوم في ظل أجواء من الخلافات الاوروبية القائمة اليوم بخصوص فرض تلك العقوبات ، الأمر الذي بات يهدد وحدة مواقف دول الاتحاد الأوروبي ، وسماع اصوات مختلفة حول التبعية السياسية للولايات المتحدة ، التي تجر أوروبا إلى معايشة حرب جديدة على اراضيها .
السؤال هنا ، ماذا ينتظر الاتحاد الاوروبي ودوله الأعضاء لمعاقبة اسرائيل ؟ هل بعد أن تقوم بضم كل الأراضي الفلسطينية المحتلة من اراضي الضفة الغربية وفق تهديداتها السابقة بشكل مخالف للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي ساهم الاتحاد الاوروبي في صياغتها بشكل فعال ، او حين تنفذ دولة الاحتلال نكبات جديدة، إضافة إلى ما تشكله كل السياسات الإسرائيلية من مخالفات لمبادئ نشؤ الاتحاد الأوروبي نفسه بل وحتى لاتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل وخاصة البند الثاني منها.
هذا تحدي أمام الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بشكل جماعي او بشكل منفرد أمام استمرار التطهير العرقي لشعبنا صاحب الأرض ، لمصداقية قيم الاتحاد الأوروبي المعلنة وفق أسس نشؤ الاتحاد الأوروبي والمتمثلة بالديمقراطية ، العدالة ، حقوق الإنسان وغيرها ، وإلتى ما زال بعض المسؤولين الأوروبيين يرون فيها قيم مشتركة مع دولة إسرائيل القائمة بالاحتلال للأسف . هذه الدولة التي أدان مجلس حقوق الإنسان في جنيف انتهاكاتها للقانون الدولي وطالب بمحاسبتها ، إضافة إلى مئات القرارت الأممية المشابهة التي اقرتها المنظمات الدولية ومواقف منظمات حقوقية دولية ومن بينها منظمات يهودية حتى ، ووصفها لاسرائيل بدولة الابرتهايد .
كيف يعتبر بعض المسؤولين الأوروبيين ان هذه الدولة إسرائيل، دولة الاحتلال والتمييز العنصري حتى في حق سكانها أنفسهم هي دولة ديمقراطية ؟ اي ديمقراطية هي تلك التي تمارس أفظع الجرائم والاضطهاد بحق شعب اخر ، هو الشعب الفلسطيني بل وتعبث في حالات استقرار دول وإثارة بؤر التوتر واللعب على الحبال في منطقة شرق المتوسط من أجل الطاقة والغاز ، وفي البلقان مع الحليف الأمريكي الذي يثير بؤر التوتر والحروب بالوكالة من أجل استدامة هيمنته بالقطب الواحد التي تهدد السلم والأمن الدوليين أمام تراجع هذا النظام اليوم وصعود قوى جديدة تدافع عن امنها القومي ومصالحها وامام نشؤ تحالفات جديدة بمناطق مختلفة من العالم .
شعبنا الفلسطيني ورغم بيانات الادانة أحيانا لا يكتفي بجملة الكلمات الجميلة والرقيقة من الغرب تجاهه ، بمقابل ما يتم الحديث عنه في إسرائيل عند قيام بعض هؤلاء المسؤولين بزيارتها او بلقاء المسؤولين فيها وتوقيع الاتفاقيات معها ومنها العسكرية وتقديم كل أشكال الدعم لها وكلمات التغني والاشادة بها كأنها جنة الله على الأرض في بعد ديني يتفق مع روايتهم المزعومة . أم أن ذلك يتم لان هذه الدولة أقيمت على أنقاض مئات القرى الفلسطينية التي دمرتها العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨ ، أو لأنها أقيمت على حساب تهجير مليون فلسطيني ذلك العام وغيرهم في مراحل أخرى كما اقامت الولايات المتحدة كيانها على حساب وجود شعبها الأصلي انذاك ومارست التطهير ضدهم ثم التمييز العنصري ضد الملونيين ، لتبقى اسرائيل بذلك الوليد المدلل وخادمة سياساتهم ترتبط بهذه المقاربات معهم .
نحن الفلسطينين نعيش الظلم التاريخي الذي فرضته علينا قوى الاستعمار بالغرب ، ونعيش الإرهاب اليومي وأعمال القتل وتدمير البيوت وترحيل السكان وبناء الجدران الفاصلة العنصرية والحصار والحواجز العسكرية الإسرائيلية بين مدننا وقرانا والاقتحامات اليومية لبيوتنا واعتقال ابناؤنا والزج بهم بسجون الاحتلال ومصادرة اراضينا وحرق أشجار زيتوننا.
كل ذلك يتم بحقد دفين وعلى مرأى من الحكومات في أوروبا دون محاسبة او عقاب.
لقد سئم شعبنا هذا الصمت او الإدانة اللفظية الرقيقة من الغرب التي لا تحمل معاني التنفيذ الفعلي ، في وقت يصر فيه شعبنا على إنهاء هذا الاحتلال العنصري الأطول بالتاريخ بعد الحرب العالمية الثانية ، بعيدا عن استمرار فكرة الغرب بادارة الصراع او البحث عن حلول اقتصادية لا تغني ولا تسمن عن شرعية الحقوق السياسية في إزالة أصل البلاء .
هذا امر يتطلب قيام المجتمع الدولي بما فيه الاتحاد الأوروبي بتحمل مسولياته القانونية والتاريخية والسياسية وحتى الاخلاقية من خلال العمل الجاد لانهاء الاحتلال الأمر الذي لا نرى له أثرا جديا مسوؤلاً بعد مرور اكثر من ربع قرن من بداية ذلك المسار السياسي ، والذي قارب لان يكون سرابا تستغله الحركة الصهيونية في تنفيذ مشروعها الاستيطاني الكامل على كل ارض فلسطين التاريخية وتسابق الزمن فيه .
على دول الاتحاد الأوروبي أن تستمع لمواقف شعوبها ، فكفى الشعوب الأوروبية الصديقة تضحياتها العظيمة خلال معارك استقلال دولها ومقارعة الاحتلال النازي الذي احيينا ذكرى الانتصار عليه قبل أيام ، وهي تلك الشعوب التي تعلن تضامنها مع حقوق شعبنا وكفاحه العادل وفي معاداتها لاستدامة الاحتلال بعيدا عن مواقف حكوماتها المترددة والخجولة بل والمنحازة في بعض الأحيان.
كل ما نطلبه، وهذا من حق الشعوب ، هو حقنا بتقرير مصيرنا ، وان يمارس العقاب على دولة تمارس بشاعة الاحتلال والاحلال السكاني ، وان تعترف حكومات دول الاتحاد الأوروبي بدولتنا وفق قرار برلماناتها ومبداء حل الدولتين وفق حدود عام ٦٧ الواضحة ، قبل أن تنتهي فرص تطبيق هذا الحل بفعل الاستيطان والتهويد وتعم الفوضى والحرب الدينية التى يسعى لها الاحتلال يوميا خاصة بالقدس .
ما نريده من هو البناء على مواقف عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي التقدميين للضط على الإدارة بالبيت الأبيض المنحازة حتى الآن نتيجة محددات سياساتها الخارجية وتحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل لاتخاذ مواقف متوازنه جدية على الأقل والالتزام بما تعهدت به ، ومن القوى اليسارية بالبرلمان الأوروبي الضغط على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء كافة أن يساند قوة الحق من خلال إنهاء الاحتلال مقابل حق القوة البغيض للاحتلال ، والوقوف إلى جانب ما تعلنه دوله من ضرورات الالتزام بالقانون الدولي والانساني واتفاقيات جنيف وترجمة مواقفها بالمنظمات الاممية إلى برامج بسقف زمني واضح كي نتمكن من العيش مثل باقي الشعوب بحرية وأمن واستقرار وسلام يُبنى بين كل الشعوب ويحقق العدالة للجميع ، وحتى لا يستمر اتهام الغرب الأوروبي بالكيل بمكيالين في قضايا الشعوب وحقوقها ، فالى متى تبقى أوروبا الرسمية دون التزام حقيقي بمعاني يوم أوروبا؟ وهل تقبل بأن توصف بأنها داعمة دولة احتلال وابرتهايد أمام شعوبها وأن تبقى ضحية عقدة الخوف التي تزرعها الحركة الصهيونية في عقول البعض منهم والتي جاءت بمصائب لهم في مجتمعاتهم بمساعدة النازيين الجدد والتهديد بمقولة معاداة السامية ...