العالم يرى ويسمع فمتى يفعل؟
على الرغم من استمرار التصريحات والنشاطات التي تدين جريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والمطالبة بتحقيق جدّي مستقل، ونزيه في ظروف الجريمة، إلّا أن إسرائيل تتصرف وكأن شيئاً لم يكن، بل وتواصل تصعيد التوتر في كامل الأراضي المحتلة العام 1967 بما في ذلك القدس.
مرّة أخرى بعد آلاف المرات تؤكد إسرائيل بمنظوماتها الكاملة السياسية والاجتماعية والأمنية أنها لا تستطيع أن تكون غيرها، وفي واقع الحال فإن أي طرف أو حزب لا يحاول مجرد المحاولة لتزيين بشاعة الاحتلال، بما في ذلك ما يسمى أحزاب اليسار والوسط في حكومة «الكوكتيل».
لا صوت لحزب «ميرتس»، أو لأحفاد «حزب العمل»، يشير إلى اعتراض على سياسات الحكومة، أو التحذير من مغبّة تصاعد وتصعيد حالة التوتر التي أصبحت المعادلة التي تحكم الصراع.
تصرّ حكومة بينيت على مواصلة البناء الاستيطاني، بالرغم من الاعتراضات الدولية بما في ذلك من اقرب حلفائها، إذ صادقت الحكومة على بناء أربعة آلاف وحدة سكنية في الضفة، وتصر حكومة بينيت على مواصلة سياسة الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، وأيضاً لمدينة جنين ومخيمها، ما أنعش من جديد دعوات اليمين المتطرّف لهدم قبة الصخرة، وإقامة الهيكل المزعوم. غير أن المشهد اليومي لهذه الاقتحامات، يشير إلى استمرار مسلسل الفشل والهزيمة أمام صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني.
يشاهد الجميع محدودية أعداد المتطرفين الذين يقتحمون بحماية ومشاركة الشرطة والجيش، وهم يسيرون بحذرٍ بجانب الجدران خوفاً من آلاف الشبان الذين يقومون بواجب حراسة وحماية المسجد الأقصى.
وفي جنين، أيضاً، التي يعتبرها بعض القادة العسكريين الإسرائيليين قلعة المقاومة، لا يتوقف الشباب عن مواجهة الاقتحامات التي يمارسها الجيش يومياً، بالنار مقابل النار.
الجيش الإسرائيلي الذي يفشل لأسباب عديدة في اقتحام جنين، كما حصل العام 2002، بدأ يستخدم المروحيات العسكرية لاستهداف المقاومين ومنازلهم.
بينيت يقف على رأس المحرّضين على الكراهية والعنف، وخلال اقتحامه للضفة، خلال زيارة مع قيادات عسكرية، لمقر قيادة لواء «إفرايم» في فرقة الضفة، كان يطلق توجيهاته للجيش والشرطة لاستهداف أي مسلّح في القدس والضفة وأي مكان آخر على حدّ قوله.
يدعو بينيت إلى استخدام كل أنواع الأسلحة لمواجهة من يرفع يده على الجيش أو الشرطة على حدّ تعبيره، والحال أنه لا يأتي بجديد، لأن لا الجيش ولا الشرطة ولا بقية الأجهزة يقيمون أي حساب لقتل المدنيين الفلسطينيين، حتى لو أنهم لا يشكّلون خطراً.
لا فرق بين توجيهات بينيت، وبين إيتمار بن غفير الذي برفقة ماي غولان، وكلاهما عضو كنيست، سيقدم للجنة الوزارية لشؤون التشريع، مقترح قانون عقوبة الإعدام بحق منفذي العمليات.
وفي مواكبة ذلك، وفي إطار تصعيد الكراهية والتحريض على الفلسطينيين عموماً ثمة من يطرح أفكاراً تدعو الحكومة لهدم منازل منفذي العمليات من الفلسطينيين في أراضي 1948، ونفيهم وإنزال العقوبات بحق ذويهم.
كل يوم تقدم المنظومة الإسرائيلية بكل تعبيراتها وأدواتها المزيد من المؤشرات الملموسة، على انهيار كامل لمنظومة القيم والأخلاق والعدالة وتقدم ذاتها في تطابق كامل مع هويتها العنصرية الاحتلالية والإرهابية.
لو أن ثمة عاقلا في إسرائيل، لكان نصح المنظومة السياسية والأمنية، بعدم تكرار مشهد الاعتداء الواسع والعنيف لما جرى في المستشفى الفرنسي، خلال تشييع جثمان شيرين أبو عاقلة. لكن المشهد تكرر خلال تشييع جثمان الشهيد وليد الشريف في القدس، على الرغم من إعلان قيادة الشرطة التحقيق في مشهد الاقتحام الذي وقع خلال تشييع جثمان شيرين.
لا تنتبه قيادات الاحتلال إلى أن العالم البعيد والقريب في حالة تحوّل لا يحمل لها الخير، بل وتدخل في نفس وزير الجيش مخاوف على مستقبل إسرائيل.
على المستوى الدولي، ثمة حراك سياسي ودبلوماسي وشعبي واسع يشمل حكومات ورؤساء وبرلمانيين، ومنظمات مجتمع مدني تتحرك بوازع أزمة الضمير، وأزمة الأخلاق التي تتفاقم على خلفية سياسات ومواقف العالم إزاء ما يجري في أوكرانيا وإسرائيل.
القضية الفلسطينية أخذت توسع اقتحامها للمجتمع الأميركي ومؤسسات صنع القرار، وتتسع الإدانات لسلوك الاحتلال، والدعم والتفهم لحقوق الشعب الفلسطيني.
هذا الحراك الواسع دعا إسرائيل وأذرعها إلى الاستنفار، حيث يجنّد اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة «إيباك»، مئات ملايين الدولارات لهزيمة الديمقراطيين التقدميين المؤيدين للحقوق الفلسطينية.
وفي الجوار القريب، تخشى إسرائيل من إيران، سواء تم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي أو لا، وتخشى من تبدل الموقف الروسي إزاء عدواناتها المستمرة على سورية، وفق حسابات جعلت التنسيق الأمني بين إسرائيل وروسيا ممكناً.
وفي العراق، يجري تصليب الموقف الرسمي من التطبيع، أما في الأردن ومصر، فإن الحركة الشعبية المناهضة لإسرائيل في حالة تصاعد مستمر.
وأخيراً، فإن إسرائيل أكثر دولة في العالم تجري مناورات عسكرية، لا تتوقف طوال العام، ما يشير إلى مخاوفها من الحاضر والمستقبل، وإلى أنها دولة الجيش الذي أسّسته الجماعات الإرهابية الصهيونية قبل الإعلان عن قيام الدولة العام 1948، ولكن إسرائيل ستحصد الثمار المرّة في يوم من الأيام ليس بعيداً.