انتخابات بيرزيت.."باروميتر" لتوجهات الشارع؟!
كتب رئيس التحرير: لنتفق بداية على أن الانتخابات "مقصلة" للأحزاب الحاكمة في كل بلدان العالم، فهي تواجه كل أخطائها وهفواتها أمام صندوق الاقتراع الذي يعاقب فيه الناخبون الطبقة السياسية والأحزاب، بينما تستغل المعارضة، في بعض الأحيان، صناديق الاقتراع وأجواء الانتخابات للحديث عن عيوب الخصم أكثر من الحديث عن مشاريعها.
وهذا ما جرى تقريباً في انتخابات مجلس الطلبة بجامعة بيرزيت، فالطلبة أو غالبيتهم عاقبوا السلطة الفلسطينية وأداء الحكومة وغلطاتها وهفواتها ومشاكلها عبر عقاب الشبيبة الطلابية التي دفعت فاتورة أخطاء غيرها، وهذا ما حدث أيضاً مع حركة حماس التي استغلت أخطاء خصمها للترويج لنفسها، وهو ما ظهر جلياً في الدعاية الانتخابية أو حتى في "المناظرة" والتي لم تنطبق عليها أبسط قواعد معايير المناظرة.
فالمناظرة التي تمت بين القوائم المشاركة في الانتخابات خلت من مداخلات نقابية مطلبية للطلاب وذهبت باتجاه الردح والاتهامات السياسية والتخوينية دون وجود برامج انتخابية نقابية، ويتم استقطاب الطلاب وفق توجهاتهم السياسية بعيدا كل البعد عن مدى خدمتهم للطلاب ومعالجة قضاياتهم.
بيرزيت التي عودت الشارع الفلسطيني على كونها واحة للديموقراطية وحرية التفكير باتت محجاً لجميع العيون الفلسطينية خلال انتخابات مجلس طلبتها، فهي "باروميتر" الضفة الغربية، وانتخاباتها هي انتخابات مصغرة لما قد يجري في الانتخابات التشريعية والرئاسية، كون طلبتها ينتمون لمناطق جغرافية مختلفة وأفكار سياسية واعتناقات دينية متنوعة، فهي مجتمع فلسطيني مصغر.
المجتمع الفلسطيني المصغر في جامعة بيرزيت لم يكن لتنجح انتخاباته لولا إدارة جامعته التي حافظت على إرث الجامعة وديموقراطيتها، كذلك هامش الحرية الذي لم تتعرض له رغم الكثير من الملاحظات السلطة الفلسطينية، بعكس ما يجري في قطاع غزة من منع كامل لانتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، دون تبرير قانوني أو وطني من الحاكمين للقطاع.
نتيجة الانتخابات زلزال حقيقي شهدته جامعة بيرزيت حيث كان الفرق المعتاد بين فتح وحماس مقعد واحد أو مقعدين لصالح أي منهما، لكن هذه الانتخابات كان الفارق بين حماس وفتح عشرة مقاعد لصالح حماس وهذا لم يحصل منذ تأسيس جامعة بيرزيت، ومن المهم أن يتم الوقوف على أسبابه وتقييمه من جميع الأطراف.
أسباب خسارة فتح كثيرة، وقد اختصرها أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح حين قال إن الشبيبة وفتح تتحمل نتائج أي اخفاقات أو ممارسات تقوم بها السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية، وهذا أيضا ظهر في غزة، حيث دفعت حماس ثمن ممارساتها في غزة حيث حصلت فتح في انتخابات المحامين على ستة مقاعد من أصل ستة.
اليسار الفلسطيني بدا ضعيفاً كعادته، باستثناء الجبهة الشعبية التي حصلت على خمسة مقاعد، فجميع القوائم الأخرى لليسار لم تصل إلى نسبة الحسم، وهي قوائم الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي، هذه الأحزاب التي لم تجد من يعطيها صوته إلا بعض منتسبيها، فهل من المقبول استمرار عضويتهم في المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومؤسساتها دون أن يكون لهم وجود حقيقي على الأرض؟
كثيرة هي الملفات التي حسمت الانتخابات في بيرزيت، منها أداء الشبيبة في الجامعة ومعاركهم الداخلية، غياب قيادة فعلية ومركزية للانتخابات والاعتماد على ردات الفعل بمعنى "العليق عند الغارة ما يفيد"، قضية نزار بنات وتعامل الأجهزة الأمنية وزج عناصر من الشبيبة والتنظيم في مواجهة غضب الشارع، معركة سيف القدس، وجود وجوه غير مقبولة من الشارع منذ سنوات في مواقعها ومتهمة بملفات فساد وتقصير وسوء أداء، فيما تضحي القيادة بصناديق الاقتراح مقابل حماية مجموعة أشخاص لا يزيد عددهم عن أصابع اليد.
فصل كوادر تاريخية من حركة فتح في مقابل تصعيد قيادات الصدفة والعلاقات الخاصة، التعينات والترقيات لأبناء المسؤولين، غياب الموقف الرسمي لحركة فتح من العمليات التي تحدث، تناقض تصريحات قيادتها، غياب واضح لدور اللجنة المركزية والمجلس الثوري، قمع النقابات من معلمين وعمال وموظفين وصمت حركة فتح على ذلك، تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، غياب البرنامج السياسي الواضح للحركة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ضعف إعلامي فاضح حول قضايا مختلفة ضد الحركة وقراراتها، كل ذلك ساهم في هزيمة الشبيبة.
حماس في المقابل تحافظ على تنظيم قوي منظم، تتقن إدارة الاعلام، لا تسمح بظهور أخطائها والفساد في غزة أو الحديث عنه، تتبنى محور المقاومة، اعتقال قيادتها من الاحتلال وآخرهم قادة الحركة في جامعة بيرزيت ساهم باستقطاب أصوات الطلبة.
حماس حصلت على 55 % من أصوات طلبة الجامعة في مقابل 35 % لحركة فتح، وهذه خسارة تعتبر زلزالاً حقيقياً واجب على قيادات فتح تشكيل لجنة تحقيق وأخذ العبر منه ومعالجة الخلل حتى لا تُذبح فتح على نُصب "السلطة"!